العدوان على غزة وحرب المفاهيم الكبرى (1)

المقاومة تقصف تجمعًا لقوات الاحتلال شمالي غزة
المقاومة حق مشروع (الجزيرة مباشر)

مع بداية العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع تصاعد العمليات والممارسات العسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية على الأرض بين الأطراف المتدخلة والمتفاعلة مع هذه التطورات، كانت هناك حرب أخرى لا تقل قوة وأهمية عن الحرب العسكرية والحرب السياسية، وهي حرب المفاهيم والأفكار في ظل تعارض بل تناقض السرديات والروايات الفلسطينية والإسرائيلية.

حرب المفاهيم والأفكار كانت تُدار باحترافية عالية من جانب الإدارة الأمريكية التي تقف قلبًا وقالبًا خلف الكيان الصهيوني، وفي المقابل كانت تدار بعشوائية كبيرة، وخلط وتداخل، من جانب العديد من الأطراف الداعمة لحركات المقاومة الفلسطينية.

لذلك كان من المهم ضبط البوصلة، وتدقيق المفاهيم المتداولة في وسائل الإعلام وفي خطابات السياسيين والباحثين والإعلاميين، وهذا الطيف الواسع من “المحللين” سواء على القنوات الفضائية، أو عبر حسابات التواصل الاجتماعي، لأن ضرر هذه الحرب والفشل فيها، لا يقل أهمية وخطورة عن ضرر الحرب العسكرية والحرب السياسية، التي تُمارس ضد حركات المقاومة.

أولًا: المقاومة وحق الدفاع الشرعي عن النفس وجدل البدء بالعدوان

يمثل الاحتلال غير القانوني صورة من صور الاستخدام غير القانوني للقوة، واستمرار الاحتلال غير القانوني يمثل عملًا غير مشروع ومستمر، وبالتالي يبقى حق الدولة أو الناس الواقعين تحت الاحتلال في الدفاع عن النفس قائما بشكل مستمر وشرعي.

ونصت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وتحت مظلة الفصل السابع على أنه: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالًا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس -بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”.

واستنادًا إلى القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، التي تعترف بالكيان الصهيوني قوة احتلال غير شرعية، تكون مقاومة هذا الاحتلال شرعية، وتصدّي الاحتلال للمقاومة غير شرعي.

ثانيًا: مفهوم الأزمة ومفهوم الصراع.. جدل الشمولية والاستمرارية

يتم تعريف الأزمة على أنها نقطة حرجة، تتسم بالمفاجأة، وتهديد القيم السائدة، وبمحدودية الوقت اللازم لاتخاذ القرار القادر على التعامل الفعال مع تداعياتها المختلفة السلبية منها والإيجابية، وهي كذلك موقف يشعر فيه صانع القرار بأن هناك تهديدًا مرتفعًا أعلى من المعدلات المعتادة، يتجه نحو المصالح العليا، وقد يتجه إلى أكثر من قيمة أو مصلحة في وقت واحد، مع إدراك أن الوقت المتاح لصنع واتخاذ القرار قبل أن يتغير الموقف، هو وقت قصير وإلا أصبح القرار عديم الجدوى في مواجهة الموقف الجديد المفاجئ.

أما الصراع، فهو موقف تنافسي خاص، يكون أطرافه على دراية بعدم التوافق في المواقف الماضية والحاضرة المستقبلية المحتملة، ويكون كل منهم مضطرا إلى تبني أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع مصالح الأطراف الأخرى، هو تصارع الإرادات الوطنية الناتج عن الاختلاف في دوافع الدول وفي تصوراتها وأهدافها وتطلعاتها وفي مواردها وإمكاناتها؛ مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات أو انتهاج سياسات خارجية تختلف أكثر مما تتفق، هو تصادم على القيم الوطنية على الأقل بين طرفين من الجماعات أو الدول ومجموعة من الدول والمنظمات المصممة على السعي نحو تحقيق مصالحها ونصرة قضاياها.

وإذا كانت الأزمة تتسم بالمفاجأة ومحدودية الوقت اللازم لاتخاذ القرار، فإن الصراع يتسم بالاستمرارية وطول المدى الزمني، وتعدد الأبعاد والقضايا التي يقوم عليها، ويمكن أن تؤدي الأزمات إلى صراعات، ويمكن أن يحدث داخل الصراع الواحد العديد من الأزمات.

وفي سياق هذه التعريفات، فإن ما بين العرب وإسرائيل هو صراع ممتد، متعدد الأبعاد والقضايا، وما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما هو إلا موجة من موجات هذا الصراع، أو أزمة في إطاره، ويكون من المهم الوقوف على سياسات الدول والأطراف ذات الصلة، وما تقوم به من ممارسات في تعاطيها مع هذه الموجة أو الأزمة، وهل تريد بهذه السياسات “إدارة أزمة” أم “إدارة صراع”؟

ثالثًا: عملية إدارة الصراع وعملية منع الصراع.. مَن يُوظف مَن؟

مفهوم “منع الصراع” يقوم في جوهره على الحيلولة دون اندلاع الصراع أساسا أو الحيلولة دون تصاعده. ويقوم في جوهره على مجموعة من الإجراءات الوقائية التي تتعامل مع مواقف صراعية محددة تتضمن احتمالا قويا بتصاعد أعمال العنف، ومن ثم فهو وثيق الصلة بمفهومي الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام.

أما مفهوم “إدارة الصراع”، فهو مفهوم عملي يتعامل مع صراع قائم من خلال سلسلة من الإجراءات السياسية والعسكرية، بما يؤدي إلى إبقائه عند مستويات أقل تصعيدًا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تسويته بصورة نهائية في مرحلة لاحقة، أي إن الهدف من عملية الإدارة هو الوصول بالصراع إلى حده الأدنى، وذلك من خلال تشجيع عوامل بناء الثقة بين أطرافه، والحد من عوامل الهدم، وتفاقم الصراع.

رابعًا: عملية حل الصراع وعملية تسوية الصراع.. وخرائط المستفيدين

مفهوم “حل الصراع” يعني حل كل القضايا العميقة (أصول الصراع) وإقامة علاقات متجانسة إلى حد كبير بين أطرافه، ويرتبط بالحاجات الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها أو التفاوض بشأنها أو لا بد من حلها معا (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الأمنية للصراع بين الجماعات أو الدول المختلفة)، والحل هو نتاج التخلص من الصراع ذاته بكل أبعاده، وغالبا ما يتسم بالديمومة، ومن ثم فإن التوصل إليه يستغرق وقتا أطول، الحل هو الإنهاء الكامل للصراع من خلال معالجة الجذور العميقة له في مختلف النواحي، ولا يكتفي الحل بإنهاء العنف المسلح فقط، وإنما يسعى لمعالجة المسببات الهيكلية والجذرية له عبر فترة طويلة من الزمن.

ويتطلب حل الصراع توافر عدد من الشروط من بينها: إدراك أطراف الصراع لارتفاع تكلفته بصورة يصعب تحملها، وضع موعد نهائي لمفاوضات التسوية، وجود طرف ثالث فاعل داعم وضامن، التزام أطراف الصراع بمبدأ الحلول الوسط المتبادلة.

أما مفهوم “تسوية الصراع” فيعني التوصل إلى اتفاق بشأن بعض القضايا المحددة، وتتم عملية التسوية من خلال العديد من الوسائل السلمية، السياسية (مثل المفاوضات والوساطة)، والقانونية مثل (التحكيم والقضاء بين أطراف الصراع).

وقد حددت الفقرة الأولى من المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة الوسائل السلمية لتسوية الصراعات الدولية، وهي المفاوضات والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية وغيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم، وجاء نص المادة على النحو التالي: “يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها”.

أما التسوية القانونية أو القضائية، فهي التي يمكن التوصل إليها من خلال اللجوء إلى التحكيم أو القضاء الدوليين، وتكون بالنسبة للنزاع الذي يغلب عليه الطابع القانوني ولا يصلح معه في هذه الحالة إلا اللجوء إلى الأجهزة القانونية والقضائية المختصة، مثل: محكمة العدل الدولية في إطار الأمم المتحدة، والأجهزة القضائية في المنظمات الإقليمية القارية أو الفرعية. وغالبية الدول لا تفضل اللجوء إلى التسوية القضائية في منازعاتها، وتفضل التسوية السياسية لأن التسوية القضائية لا تعرف الحلول الوسط، فضلا عن إلزاميتها.

أما التسوية غير السلمية، فتقوم على استخدام القوة المسلحة، وحسم النزاع لصالح طرف من أطراف النزاع، وتعني بالأساس استخدام القوة من قبل المنظمة الدولية أو الإقليمية بهدف فرض السلام، أو من جانب الدول تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومن الاستراتيجيات الهامة في عملية إدارة الصراع خاصة بعد وقوعه استخدام القوة بهدف قمع الطرف المعتدي من أجل التوصل إلى تسوية الصراع. لكن معظم التسويات العسكرية القسرية تكون مؤقتة، إذ يمكن التراجع عنها من قبل الطرف الذي تم قهره إذا سمحت له الظروف بذلك، مثل تراجع ألمانيا في عهد هتلر عن معاهدة فرساي 1919. وقد لا تستخدم القوة بمفردها في عملية التسوية، وإنما قد يتم استخدامها مع أشكال التسوية الأخرى (السياسية أو القانونية) من أجل تسوية الصراع حسب مقتضيات الأمر الواقع.

خامسًا: عملية صنع السلام وعملية فرض السلام.. من يصنع الفارق؟

مفهوم “صنع السلام” هو الجهود المبذولة لتسوية الصراع عبر أشكال التسوية السلمية، وهذه الأنشطة تكون محصورة في المستوى السياسي وأحيانا تكون بمثابة مجال مساعد لعمليات حفظ السلام، وتأتي عملية صنع السلام في مرحلة تالية أو متزامنة تقريبا مع جهود الدبلوماسية الوقائية. عملية صنع السلام تبدأ غالبا مع اندلاع الصراع بهدف منع تصعيده أو انتشاره إلى المناطق المجاورة. وعملية صنع السلام، شأنها شأن الدبلوماسية الوقائية، ترتبط في جوهرها بجهود منع الصراع.

أما مفهوم “فرض السلام”، فيرتبط في أغلب حالاته باستخدام القوة العسكرية في عملية التسوية، ويتم اللجوء إليه في حالة الصراعات التي تصبح فيها مهمة حفظ السلام غير عملية، خاصة إذا تعرضت القوات الدولية للهجوم من قبل طرف أو عدة أطراف من أطراف الصراع، كما حدث مع بعثة الأمم المتحدة في الكونغو (1960)، والصومال (1993)، وقوات الجماعة في ليبيريا 1990، وهنا لا بد من الإشارة إلى نوع مهمة القوات الدولية (وهل هي حفظ سلام أم فرض سلام) في القرار الصادر بشأنها من المنظمة المعنية. وبصفة عامة فإن الاختيار بين هاتين المهمتين يتوقف على نمط الصراع من ناحية، والتغيرات التي تطرأ عليه من ناحية ثانية. لذا يلاحظ ارتباط مفهوم فرض السلام بنمط التسوية السياسية والعسكرية من ناحية، ونمط إدارة الصراع من ناحية ثانية.

سادسا: عملية حفظ السلام وعملية بناء السلام.. وسياسات التضليل السياسي

يشير مفهوم “حفظ السلام” إلى الاحتواء، والوساطة، والفصل بين أطراف الصراع من خلال تدخل طرف دولي ثالث بصورة مباشرة ومنظمة، يتم استخدام قوات متعددة الجنسيات لذلك الغرض تضم قوات عسكرية وقوات شرطة ومدنيين من أجل استعادة السلام، ويركز على الطبيعة الدفاعية (غير القسرية) لهذه القوات من ناحية، وإمكانية تغيير التفويض الممنوح لها من ناحية ثانية، وتتم من خلال قوات الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات المعنية، التي لا يحق لها استخدام القوة إلا في حالات الدفاع عن النفس، ويكون هدفها مراقبة وتسهيل التوصل إلى اتفاقيات بناء الثقة من أجل تسوية الصراعات، ويتم نشرها بناء على موافقة كل أطراف الصراع الرئيسية. ويمكن لهذه القوات في فترة لاحقة أن تقوم بعمليات قتالية عندما يسمح لها بذلك من قبل الأمم المتحدة أو المنظمة المعنية ليس بهدف الدفاع عن النفس، ولكن من أجل تحقيق المهام المنوطة بها.

ولم تعد عمليات حفظ السلام تتقيد بالشروط التقليدية، ولا سيما تلك المتعلقة باستخدام الحد الأدنى من القوة بسبب الطبيعة الدفاعية لها، وكذلك ضرورة موافقة الأطراف المتحاربة وتعاونها، إلا أن تجاهل هذين الشرطين يجعلها دائما عرضة للمخاطر المختلفة خاصة من أطراف الصراع المعارضة لوجودها.

فمفهوم حفظ السلام يرتبط بعملية تسوية الصراع منذ بدايته أو عند تصاعده، ومن ثم فإن هدف هذه القوات هو إدارة الصراع من أجل التوصل إلى تسوية سلمية، أما التسوية العسكرية (استخدام القوة العسكرية) فإنها تأتي عند تفاقم الصراع، حيث يكون دور هذه القوات في هذه الحالة فرض السلام، ثم يتم التوصل إلى تسوية سياسية بعد ذلك.

ومن بين الأهداف الأساسية لقوات حفظ السلام: السعي لوقف النزاع المسلح حتى يتم إيجاد مناخ مستقر يمكن أن يتم التفاوض في إطاره، لذا فهي تشكل إضافة إلى الوسائل التقليدية السلمية في تسوية الصراع، وسائل مكملة لها، كما أنها تستخدم رادعًا ضد أي طرف يقوم بأي خروق بعد توقيع اتفاقات وقف إطلاق النار، سواء تلك التي يتوصل إليها الطرفان قبل وصولها، أو التي تتم تحت إشرافها، بجانب مراقبة انتهاكات الحدود، والعمل كقوة عازلة بين أطراف الصراع، كما يمكنها -في حالة الصراعات الداخلية- المساهمة في الحفاظ على النظام الداخلي خلال الفترة الانتقالية.

وتوجد ثلاث مبادئ رئيسية لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أولها، موافقة الأطراف، حيث تُنشر عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام بموافقة أطراف الصراع الرئيسية. ويتطلب ذلك التزام من الأطراف بالعملية السياسية. وتمنح موافقتهم على عمليات حفظ السلام حرية التصرف اللازمة للأمم المتحدة، سواء سياسيًّا أو ماديًّا، لتنفيذ المهام المقررة، وغياب مثل تلك الموافقة يجعل عمليات حفظ السلام عرضة لأن تكون طرفًا في الصراع؛ وتنجر نحو إجراءات إنفاذ وبهذا تبعد عن دورها الأساسي في حفظ السلام.

ولا تعني أو تضمن موافقة الأطراف الرئيسية على نشر عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام أنه سيكون هناك موافقة على المستوى المحلي، خاصة إذا كانت الأطراف الرئيسية منقسمة داخليًّا أو تتسم بضعف القيادة ونظم التحكم، ويصبح الطابع العالمي للموافقة أقل احتمالًا في البيئات المتقلبة التي تتميز بوجود جماعات مسلحة لا تخضع لسيطرة أي من الأطراف، أو جماعات وتيارات متعارضة لا ترغب في حفظ السلام أو بنائه.

ثاني المبادئ هو “عدم التحيز”، ويعد أمرًا جوهريًّا لضمان موافقة الأطراف الرئيسية وتعاونها، ولكن لا ينبغي الخلط بينه وبين الحياد أو الركود. ويجب أن يكون حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة غير متحيزين في تعاملهم مع أطراف الصراع، ولكن لا ينبغي لهم الحياد في تنفيذ ولايتهم، ولا أن تتغاضى عملية حفظ السلام عن الأفعال التي تنتهك بها الأطراف تعهدات عملية السلام أو الأعراف والمبادئ الدولية التي تتمسك بها عملية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ويجب أن تتجنب عملية حفظ السلام الأنشطة التي قد تنال من صورتها الحيادية، ولكن لا يجب على البعثة أن تتجنب التطبيق الصارم لمبدأ عدم التحيز خوفا من سوء التفسير أو الثأر، إذ قد يؤدي عدم القيام بذلك إلى تقويض مصداقية عملية حفظ السلام وشرعيتها، وإلى أن يسحب طرف أو أكثر موافقتهم على وجودها.

ثالث مبادئ حفظ السلام، هو “عدم استخدام القوة”، فقد تستخدم عمليات حفظ السلام القوة على المستوى التكتيكي، بتفويض من مجلس الأمن، إن كانت في حالة دفاع عن النفس أو الدفاع عن الولاية، وفي حالات معينة، منح مجلس الأمن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ولايات “رادعة” تفوضها باستخدام “كافة الوسائل اللازمة” لردع المحاولات القوية التي تعيق العملية السياسية، وحماية المدنيين المعرضين لخطر الاعتداء البدني، ومساعدة الهيئات الوطنية في الحفاظ على القانون والنظام.

وهنا لا ينبغي الخلط بين “حفظ السلام الرادع” و”إنفاذ السلام”، كما هو منصوص عليه في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حيث يتضمن حفظ السلام الرادع استخدام القوة على المستوى التكتيكي بتفويض من مجلس الأمن وموافقة الدولة المضيفة والأطراف الرئيسية للصراع.

أما مفهوم “بناء السلام”، فيرتبط بعمليات إصلاح البنية التحتية، وبناء المؤسسات في الدولة أو الدول محل الصراع؛ من أجل إيجاد الظروف الملائمة لتحقيق السلام وضمان عدم العودة إلى الصراع مرة أخرى، مثل حالة كمبوديا والصومال، وهدف عملية بناء السلام هو السعي لحل الصراع من كافة أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعدم الاقتصار على التسوية من الناحيتين السياسية والعسكرية، وتكمن أهميته في أنه يستكمل الحلقة المفقودة فيما يتعلق بدور المنظمات الدولية في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين من ناحية، ودورها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية ثانية.

وإذا كانت عمليات الدبلوماسية الوقائية تسعى للحيلولة دون اندلاع الصراع من أصلًا، فإن بناء السلام يهدف إلى الحيلولة دون العودة إليه ثانية، ومن هنا يمكن القول إن مفهوم بناء السلام يقابل مفهوم حل الصراع، كما أنه يرتبط بالتسوية السياسية الشاملة وليست التسوية الجزئية التي تقتصر غالبًا على التسوية السياسية أو العسكرية.

يتبع بمشيئة الله

المصدر : الجزيرة مباشر