الحقيقة وهم

تمثال نصفي لأفلاطون

 

تختلف مفاهيم الحقيقة وتتعدد أوجهها بناء على أفكار الأفراد وبيئاتهم التي تربوا فيها وتجاربهم الخاصة وثقافاتهم وخبراتهم التي جعلتهم متباينين فيما يتعلق بماهيتها.

إذًا ما هي الحقيقة؟ أهي تلك القضايا واضحة المعالم أم أنها كلمة حق تُقال أم تلك المُهاترات التي يُجمع عليها العالم والتي ندعوها بالحقيقة جهلًا أو طمعًا براحة نستجديها في حصولنا عليها.

ولكن أين هي الآن في عالمٍ يعج بالخداع والزيف. فاليوم نعيش بعالم الحقيقة فيه غامضة وضبابية بل ملوثة تغشاها مصالح خاصة ذاتية تحرص على اخضاع العامة لها.

تقول أسطورة كهف أفلاطون بأن سجناء الكهف الذين كانوا لا يروا إلا ظلالهم وظلال من خلفهم كانوا يؤمنون حق الإيمان بأن تلك الظلال هي الحقيقة الخالصة وحينما خرج أحدهم خارج الكهف واستكشف الوجود المادي حاول إقناعهم بأن الظلال ما هي إلا سراب، وأن الأولى _الحقيقة_ قابعة خارج الكهف لم يصدقوه وشفقوا على هذيانه وضياع عقله وظلوا مؤمنين بما هم معتادين عليه، قانعين بحقيقة ما حولهم ومسلمين به.

“إن الحقيقة ليست إلاّ فرضية يفترضها الإنسان كي يستعين بها على حل مشكلات الحياة.”

الحقيقة التي أود مناقشتها ليست الوجودية التي تخلقنا عليها على أنها واقع لا مفر منه أو تلك التي نؤمن بها لأن حواسنا هي الأخرى مؤمنة بها. الحقيقة التي أود مناقشتها هي تلك المتزعزعة التي بسببها أصبح العالم مُظلم وباهت. هي تلك الإشكاليات التي تقبل كل الفروض والنظريات. إذا تفكرت بماهيتها ستدرك بأنه لا توجد حقيقة واحدة بل هناك أوجه متعددة تُرى من منظور خاص.

هي أوسع من أن نطلق عليها الأوصاف والألقاب ولا نستطيع أن نلخصها في مصطلح وحيد. هي متحركة بل وديناميكية تظل تتغير، لأنها ببساطة وجهة نظر متبنّاها وحده. لذلك لا وجود للحقيقة الخالصة، المطلقة، إلا تلك الحقائق التي آمنا بها بسبب ولائنا وانتمائنا لمذهب معين أو حركة أو قضية ما، وهنا كذلك لا سبيل للتأكد من وجودها وأصالتها، ولكن نبقى على أي حال أوفياء لها لأننا نشعر بالتزام متين نحوها وهذا قد يكون سبب تسليمنا وخضوعنا لها ودليل على ارتباطنا الروحي بها أو بأي كيان في المجتمع يجعلنا مندمجين مع الجماعة ومتوافقين، أن نشعر بأننا نعيش الحياة لهدف ما، سامي وعادل.

ما تُؤمن به هي الحقيقة التي لن ينازعك عليه أحد. نعم ستكون هناك محاولات لتشتيت تلك النزعات ولكنها ستظل ثابتة حتى تفقد أهميتها في نفسك وتبدأ بهجرها كجميع المرات التي تزعزع إيمانك وفقدت حقيقتك التي تعهدت بالولاء لها.

يقول الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليام جيمس:

“إن الحقيقة ليست إلاّ فرضية يفترضها الإنسان كي يستعين بها على حل مشكلات الحياة”.

وبذلك تكون الحقيقة متباينة يصعُب وصفها أو تحديدها. ويبقى الفرد مسؤولا عن اختلاق أو تبني وجهة نظر تُعبر عن الحقيقة، حقيقته الخاصة.