اضطهاد المسلمين في الهند في ذروته

في مارس/آذار الماضي، فاز حزب بهاراتيا جاناتا بولاية ثانية غير مسبوقة لحكم (أوتار براديش) أكبر ولاية في الهند، وعادةً ما تُقرأ انتخابات ولاية أوتار براديش على أنها “نصف النهائي” للانتخابات العامة المتوقعة في مايو/أيار 2024. وتميزت الحملة الانتخابية برجال يرتدون ملابس الزعفران دعوا علنا إلى القتل الجماعي والمقاطعة الاجتماعية والاقتصادية للجالية المسلمة. ويبدو أن النتيجة ولدت في صفوف عمال وقادة حزب بهاراتيا جاناتا مزيجًا غريبًا من القلق والثقة الزائدة.
بعد وقت قصير جدا من إعلان نتائج الانتخابات، احتفل الهندوس بمهرجان (رام نافامي) الذي تزامن مع رمضان هذا العام. لإحياء ذكرى رام نافامي، اجتاحت حشود هندوسية عنيفة مسلحة بالسيوف في ما يصل إلى إحدى عشرة مدينة. وبقيادة السوامي وناشطين من حزب بهاراتيا جاناتا، دخلوا المستوطنات الإسلامية، وكانوا يصفرون خارج المساجد، ويرددون إهانات بذيئة، ويدعون علنا إلى اغتصاب النساء المسلمات وحملهن وإبادة جماعية للرجال المسلمين.
وأدى أي رد من المسلمين إلى تجريف ممتلكاتهم من قبل الحكومة أو حرقها من قبل الغوغاء. والمعتقلون -جميعهم من المسلمين تقريبا- متهمون بالتآمر وأعمال الشغب، ومن المرجح أن يقضوا سنوات في السجن. وكان أحد المتهمين في السجن بتهمة مختلفة قبل وقت طويل من رام نافامي. وآخر -وسيم شيخ- متهم برشق الحجارة في موكب هندوسي، وهو مبتور الأطراف ولا يملك ساعدين. وقامت الحكومة بهدم منازلهم ومتاجرهم بالجرافات. وفي بعض المدن، ركّب مذيعو التلفزيون المجانين داخل الجرافات.

تجدد أعمال العنف

وفي الوقت نفسه، تمت تبرئة قادة حزب بهاراتيا جاناتا الذين استفزوا علنا مثيري الشغب الهندوس في المدة التي سبقت مذبحة دلهي عام 2020 من قبل محكمة دلهي العليا. وعاد بعضهم إلى شوارع مدن أخرى، مما أدى إلى تأجيج أعمال عنف مماثلة. ومع ذلك، فإن العالم المسلم الشاب عمر خالد في السجن. وإن خطابه عن الأخوة والحب واللاعنف الداعم للدستور الهندي والذي ألقاه خلال الاحتجاجات ضد قانون (تعديل) مناهضة المواطنة يعد -وفق لائحة اتهام الشرطة- ستار دخان لمؤامرة أدت إلى مذبحة دلهي عام 2020.
والخطاب الهندوسي، المغطى بالقومية المفرطة، والذي يجد التبجيل في مفهوم “أخند بهارات” كان القوة الدافعة لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا. وكانت عملية الزعفران في الهند، التي تغذيها أيديولوجية الهندوتفا، عاملاً رئيسيا في استقطاب المجتمع. ولقد تحولت الهند الآن بشكل كبير إلى الإسلاموفوبيا التي يتم حقنها مرارا وتكرارا بأيديولوجية هندوتفا. وإنها تعزز فكرة تمجيد الدولة الهندوسية للهندوس فقط، مما يوفر مبررًا لاضطهاد الأقليات الأخرى في الهند وخاصة المسلمين. ويواصل حزب بهاراتيا جاناتا تعزيز أجندته من خلال سياساته المتطرفة اجتماعيا وسياسيا، من خلال جماعات الزعفران الإرهابية. وهكذا، فإن الهند في طريق ثابت للتحول إلى “راشترا هندوسية” بعيدة عن دستورها العلماني.
وفي الآونة الأخيرة، يسلط الجدل الدائر حول حظر الحجاب في المؤسسات التعليمية الضوء على سياسة الأغلبية التي تلعب دورا في الهند. وهذا عامل آخر في تحديد السياسات الإقصائية لحزب بهاراتيا جاناتا ضد المسلمين.
وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن اتجاه تقديم الهند على أنها أمة هندوسية بشكل أساسي هو الآن جزء من وسائل الإعلام الهندية. ويتضح من فيلم (دا كشمير فائلز) الذي صدر مؤخرًا، والذي يركز على الهجرة الجماعية للبانديت الكشميريين من كشمير التي تحتلها الهند. وإنها إضافة إلى البيئة المتحيزة بالفعل ضد المسلمين. ومُنح الفيلم وضعا معفيا من الضرائب في مختلف الولايات الهندية مما زاد بشكل كبير من نسبة مشاهدته وتحفيز خطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين.

أسوأ الاشكال

ومما يؤسف له أن إضفاء الطابع المؤسسي على هندوتفا له عواقب مقلقة. وأحد الجوانب الرئيسية في هذا الصدد هو إلغاء الوضع الخاص لكشمير الذي أغرق باكستان والهند في عداء متجدد. وأصبحت كشمير، منذ ذلك الحين، تحت رحمة النظام القمعي لرئيس الوزراء ناريندرا مودي. وإنها في ظل تعتيم كامل للاتصالات، وتعاني من أسوأ أشكال انتهاكات حقوق الإنسان غير المسبوقة، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري من قبل قوات الأمن الهندية، وقمع المعارضة، والتغيير الديموغرافي المنهجي الجاري باستمرار. وإن إعادة الهندسة الاجتماعية والسياسية لمنطقة الأغلبية المسلمة تفضل القوميين الهندوس اليمينيين الذين يريدون رؤيتها على أنها دولة ذات أغلبية هندوسية.
وبالمثل، فإن قانون تعديل الجنسية (CAA) لعام 2019 الذي يهدف إلى منح الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان أثر بشكل خطير على العلاقات الدبلوماسية للهند. ولقد كانت خطوة قوضت مكانة المسلمين وجعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية.
وإن التصريحات الاستفزازية لقيادة حزب بهاراتيا جاناتا مصحوبة بعقيدة دوفال المتشددة لتحقيق طموحات الهيمنة الهندية تهدد أمن دول المنطقة. وتهدد قومية مودي اليمينية بدفع الدول المجاورة، وخاصة باكستان إلى حافة الحرب، متجاهلة حقيقة مفادها أن جنوب آسيا هي موطن لدولتين حائزتين للأسلحة النووية. وهجوم بولواما، وأزمة بالاكوت، وصاروخ براهموس الذي أطلق بشكل خطأ على باكستان، كلها مظاهر للتوجهات القومية اليمينية.
والواقع أن أيديولوجية هندوتفا كانت سببا في الوصول بها إلى مستوى منخفض جديد مع جيرانها. وأن المجتمع الذي يضم أكبر عدد من السكان المسلمين يسير على طريق ثابت لتفكيكهم من خلال السياسات الحكومية المهمشة.
منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة في 2014، كان هناك ارتفاع حاد في العدوانية الهندية. وقد عرّض عملية الزعفران في الهند الطبيعة العلمانية للدستور الهندي للخطر، مما أدى إلى تحولها من ديمقراطية ليبرالية إلى نظام أوتوقراطي انتخابي. وفي ظل حكم مودي، يتجه الهند إلى تعزيز مصالحها الشوفينية على حساب القيم الموعودة في دستورها.