المتعافون من كورونا.. هل يمكن أن تعود حياتهم لسابق عهدها؟

ألمانيا تسابق الزمن لمكافحة كورونا
ألمانيا تسابق الزمن لمكافحة كورونا (غيتي)

ربما يشغل هذا التساؤل كثيرين حول العالم مع تفشي الجائحة التي أصابت نحو 90 مليون شخص منذ ظهور الوباء، تعافى منهم حوالي 50 مليونا، فهل يمكن أن تعود حياة هؤلاء لما كانت عليه قبل الإصابة؟

يقول أحد أخصائيي العلاج الطبيعي، إن الأمر بدأ لدى أحد المرضى (51 عاما)، الذين يقوم بمعالجتهم، بشعور بالدوار والترنح.

وبعد مرور ثلاثة أرباع العام، شعر الأطباء المعالجون لهذا المريض، في مدينة إنغولشتات الألمانية، بالسعادة الغامرة لأنه صار من الممكن لمريضهم أن يتحدث مرة أخرى، وأن يدخل إلى العيادة على قدميه.

ليس بنفس المستوى

وحصل الرجل على تأكيدات من طبيبه المعالج، وهو كبير أطباء الأعصاب، توماس فيفركورن، بأنه سوف يتمكن في يوم ما من العودة إلى شغفه بلعب التنس، ولكن ليس بنفس المستوى.

ويعاني المريض الخمسيني من “متلازمة جيلان باريه”، وهي عبارة عن اضطراب يتسبب في قيام الجهاز المناعي للجسم بمهاجمة الأعصاب، وهو ما يعتقد الخبراء حاليًا أنه قد يكون ناتجا عن الإصابة بفيروس كورونا في حالات نادرة.

ويسبب هذا المرض المناعي النادر، التهابًا -وأحيانا تلفًا- في الطبقة المغلفة للألياف العصبية، وبالتالي، لا تستطيع الأعصاب نقل الإرشادات العصبية إلى الدماغ، مما يؤدي إلى ضعف في العضلات والشعور بتنميل في الأطراف، وقد يصل الأمر إلى حد الإصابة بالشلل.

ورغم أنه كان واعيًا تماما في أغلب الوقت، إلا أن الرجل لم يكن قادرًا على الحركة لمدة خمسة أسابيع.

ويوضح قائلا “يتسبب ذلك في ترك أثر كبير على حياة المرء… حيث لا يتمكن من العودة إلى حياته اليومية”.

يقول العلماء إن الوقت الذي كسبته ألمانيا ربما أنقذ أرواح بعض الناس (رويترز)

ما بعد كوفيد 19

وحتى لو استبعدنا مثل هذه الحالات الحادة، فإن العديد من مصابي مرض “كوفيد 19” الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد، يشعرون بالآثار المترتبة على مرضهم بعد فترة طويلة من اعتبارهم متعافين بصورة رسمية.

وكشفت دراسة شملت 143 مريضا في إيطاليا، أن 87 في المئة من المصابين ظلوا يعانون من عرض واحد على الأقل، أو العديد من أعراض “كوفيد 19″، رغم مرور 60 يوما على ظهور أعراض الاصابة الأولى عليهم.

وقد تضمنت تلك الأعراض الشعور بالإعياء، وذلك لدى 53% من المصابين، وصعوبة في التنفس، لدى 43 %منهم، إلى جانب المعاناة من آلام في العضلات والصدر، والسعال، وفقدان حاسة الشم.

وقد توصلت دراسات أخرى إلى نتائج مماثلة، ووُصفت هذه الظاهرة بـ “كوفيد طويل الأجل” أو “متلازمة ما بعد كوفيد”، وهي تظهر أيضًا لدى الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض ولم يتطلب علاجهم إقامتهم في المستشفى.

ليست جسدية فقط

ويشكو البعض من الشعور بالدوخة، بينما يعاني البعض الآخر من أجل التركيز قد يكون الأمر مرتبط بطالبة لم تعد قادرة على الانتهاء من كتابة رسالتها الدراسية، أو مهندس صار ينسى الآن رمز تعريف هويته الشخصية، أو غواص تعرضت رئتاه لأضرار كبيرة لدرجة أنه مازال يشعر وكأنه تحت ضغط الماء.

وتوجد الآن مجموعات معنية بتقديم المساعدات الذاتية لمثل هذه المجموعة الجديدة من ضحايا مصابي وباء كورونا.

ويتم من خلال تلك المجموعات تشجيع المتضررين بصورة أساسية للتحدث عن تجاربهم، ودعم بعضهم البعض وتبادل المعلومات، بحسب ما يقوله كارل باومان، الذي أسس مثل هذه المجموعة في ريغنسبورغ، بجنوب شرق ألمانيا.

ويقول رجل الأعمال (52 عاما)، الذي صار لا يعرف متى سيتمكن من العودة إلى عمله بشكل كامل، أو ما إذا كان سيحدث ذلك من الأصل، إن “هناك موجة ضخمة تقترب من نظام الرعاية الصحية الخاص بنا”.

معلومات وأرقام توضح كيف تسيطر ألمانيا على فيروس بمنظومة صحية قوية ذات جاهزية عالية (غيتي)

وكان باومان أصيب بالمرض في شهر مارس/آذار الماضي، واستدعت حالته أن يتم وضعه على أجهزة للإبقاء على حياته، وأصيب بسكتة دماغية أثناء تعرضه لغيبوبة ونجا بأعجوبة.

وأدى مرضه إلى تأثر رئتيه وقلبه وإحدى كليتيه وكبده، ومازال لم يتعاف تماما بعد.

إلا أن الآثار المترتبة على مرضه ليست جسدية فقط. ويقول باومان “على المرء أن يجتاز الصدمة”.

وعلى الرغم من إصابة زوجته بحالة مرضية خفيفة من “كوفيد 19″، إلا أنها تعاني أيضًا من الإعياء وقلة التركيز.

تأثير على 3 مراحل

وبحسب بحث أمريكي نُشر في دورية الجمعية الطبية الامريكية (جاما)، فإنه من الممكن أن يؤثر فيروس كورونا المستجد على حامله في ثلاث مراحل.

فبعد أسابيع من ظهور الإصابة الحادة، يمكن أن يصاب الأشخاص بالتهابات شديدة، وذلك على الأرجح بسبب الاستجابة المناعية المفرطة التي تؤثر على الأعضاء التي لم تتأثر بالمرحلة الأولى من المرض، مثل القلب أو الكلى.

علاوة على ذلك، من الممكن أن يتبع ذلك “مظاهر قلبية وعائية، ورئوية، وعصبية، ونفسية”، بحسب التقرير الذي أعده أميش تالوار، من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وقد أثيرت مخاوف بالفعل من أنه من الممكن أن يؤدي مرض “كوفيد 19” إلى زيادة خطر الإصابة بالخرف أو مرض باركنسون (المعروف أيضا بالشلل الرعاش) في وقت لاحق من حياة الشخص المتعافي.

المصدر : الألمانية + الجزيرة مباشر