أميرة الثلج ليست في ديزني.. هُنا ثغر باسم وقلب يرتجف بردا وحلم بألا تصير الخيمة وطنا (شاهد)

الثلوج تحاصر الأطفال داخل المخيمات وتهدد حياتهم (الخوذ البيضاء)

قد يختلف واقع أطفال المخيمات عن أقرانهم خارجها الذين ينعمون بحياة مستقرة بين أحضان عائلاتهم الدافئة، إلا أن الطفولة تظل القاسم المشترك بينهم، فهي إكسير أرواحهم ومحرك أحلامهم وطموحاتهم.

هنا سترى (أميرة الثلج) بحق، لكن ليس في والت ديزني، وإنما بالشمال السوري حيث شتاء النازحين المكتسي بالبياض “القاتل”.. هنا سوريا حيث يعيش أطفال وأميرات الثلوج، يدارون ارتجاف قلوبهم وارتعاش أجسادهم الصغيرة بابتسامات حائرة ونظرات تائهة تحلم بألا تتحول الخيمة إلى “وطن”.

قد تعاتبنا عيون الأطفال النازحين داخل المخيمات، ويوجهون إلينا اللوم بدموع حبسوها عمدًا وأنفاس أنهكها الواقع المؤلم وبرد الشتاء الذي يعصف بهم وبخيامهم في هذا الوقت من العام، حيث يصبح ثوب الشتاء الأبيض ثقيلًا جدًّا علي أجسادهم الضعيفة المنهكة وخيامهم المهترئة.

بيد أنهم يظلون أولئك الصغار الذين يحلمون بمستقبل أفضل، ويرسمون خيالات عما ستكون عليه أعوامهم المقبلة.

مريم.. أميرة الثلج

بثغر باسم وقلب يرتجف بردًا تطل علينا أميرة الثلج (مريم) من بين الثلوج المتراكمة في أحد مخيمات منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي.

وقالت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) على تويتر إن هذه الأميرة الصغيرة التي أنهك جسدها الصغير برد تسلل من ثقوب خيمتها الممزقة تحلم بأن تكون “طبيبة” وألا تتحول الخيمة إلى “وطن”.

الأميرة النازحة

فضّلت أميرتنا التالية أن تطلق علي نفسها “نازحة”، فهو اسمها داخل المخيم وواقعها المؤلم.

وبينما تعاملت مع الثلوج فور سقوطها بروح الطفلة العفوية أدركت سريعًا أن الواقع لا يشبه خيالات الصغار وصور الرسوم المتحركة حيث رجل الثلج الضاحك والكرات الثلجية المتطايرة.

وقالت النازحة الصغيرة “نحنا ساكنين بمخيم بعفرين أول ما شفت الثلج كتير حبيته بس بالليل صار برد كتير وما حسنت نام. ما بقى بدي تلج وصرت أكرهه وبدي الشمس تطلع لأدفى”.

ولم يبق للكثير من النازحين في مخيمات الشمال السوري سوى خيمة وسماء وذكريات ضائعة وبعض الأمل.

ومنذ مساء الثلاثاء، تضرب عاصفة مطرية وثلجية مناطق شمال غربي سوريا، أدت إلى انقطاع العديد من الطرق ومحاصرة مخيمات في ريف حلب الشمالي، وغرق مخيمات في ريف إدلب الشمالي.

وخلّفت العاصفة أضرارًا مادية في أكثر من 72 مخيمًا تضررت فيها 1900 خيمة بشكل جزئي و920 خيمة بشكل كلي، وكانت جميعها مأوى لنحو 2250 عائلة.

ونزحت مئات العائلات خارج خيامها في مأساة تتكرر كل عام في فصل الشتاء، لتتحول الأمطار والثلوج التي لطالما كانت مصدرًا للفرح والبهجة إلى كابوس يلاحق السوريين ويفاقم معاناتهم.

في ظل هذه الظروف الصعبة، لا يعرف الأطفال معنى اللعب بالثلج، فيكتفون بمراقبته من بعيد ويهابون الاقتراب منه خوفًا من آلام الأطراف والموت تجمدًا.

نار وسط الثلوج

في المخيمات، كل ما هو خارج الخيمة وداخلها يشكل خطرًا على الأطفال، فلا معنى للفرح عندهم لأن الخوف لا يفارقهم.

في 17 يناير/كانون الثاني الجاري، خطفت النار روحَي “لين ونصرة” اللتين كانتا تلتمسان منها الدفء بين أقمشة الخيمة الباردة.

وعلى مدى 10 سنوات تتكرر معاناة السوريين في المخيمات، العواصف الثلجية تدمر الخيام وتحاصر المخيمات وتمنع وصول الطعام والماء إليها، والأمطار الغزيرة تغرق تلك الخيام بينما يبقى العالم ينظر إلى مأساة المدنيين النازحين دون أي تحرك لإنهائها.

طفل الثلج

وقال أحد النازحين الصغار “كل سنة بقول بلكي منرجع لبيتنا قبل الشتا، أنا كنت حب الثلج كتير لأن كنت ألعب وأرجع للبيت أدفى بينما هون إذا لعبت بضل بردان كل الوقت”.

وأضاف كاشفا عن ألم النزوح “قررت أصنع رفيق لي وسميته نازح، وخليته قاعد برا الخيمة مشان يشعر متلي بالبرد وأعرف أنه حدا بهالعالم حاسس فينا”.

وينعكس انخفاض درجات الحرارة بشكل مباشر على الأطفال وكبار السن في المخيمات، فعدم عزل الخيام والأرض الطينية تزيد من البرودة بينما تغيب التدفئة المناسبة بسبب تردي أوضاع النازحين المعيشية، مما يجعلهم مضطرين لاستخدام مواد غير صحية في التدفئة بينها النايلون والأحذية المستعملة.

استجداء الدفء

ويدرك الأطفال معاناة توفير سبل التدفئة في المخيمات ولا سيما العشوائية منها غير الخاضعة للمنظمات الدولية.

وقال النازح الصغير خالد بصوت مرتجف ونظرات بريئة “عم نشعل أعواد زيتون لحتى نتدفى”. ويعيش خالد مع إخوته وأطفال آخرين في مخيم عشوائي قرب بلدة معارة إخوان شمالي أدلب.

وقال محمد (12 عامًا) الذي يعيش مع عائلته في مخيم عين عارة غربي إدلب “حلمي أني أستقبل الثلج بفرح ونكون ببيتنا ونلعب أنا وإخوتي ونعمل رجل الثلج”.

ورغم صغر سنه فإن محمد -وهو كبير إخوته- يتولى إبعاد الثلوج عن سقف خيمتهم، ويبحث عن بقايا الحطب ليمنح إخوته الصغار ما يدفع عنهم البرد الذي أنهك عظامهم.

معاناة أعمق من مجرد سكن

وتشير الخوذ البيضاء إلي أن المأساة التي يعيشها النازحون لا يمكن حلها عبر تقديم الخدمات للمخيمات ولا بناء مخيمات إسمنتية.

وقالت في بيان صدر الأربعاء “إن معاناة النازحين أعمق من مجرد السكن، وإن توطين النازحين في المخيمات ليس بحل، وهو انتقاص من حق المدنيين في العيش الآمن بمنازلهم”.

وطالبت بأن يكون الحل الجذري والوحيد هو توفير الأمان للمدنيين للعودة إلى مساكنهم، وعندها تتضاءل الحاجة للدعم الإنساني والإغاثي.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع التواصل