وسط شح الدولار.. قيود الواردات تزيد الضغط على الاقتصاد المصري

الجنيه المصري خسر أكثر من 24% من قيمته مقابل الدولار منذ مارس/آذار (غيتي - أرشيفية)

عمّقت الحرب في أوكرانيا مشكلات الاقتصاد المصري المعتمد على الواردات، إذ تسببت في ارتفاع فاتورة استيراد القمح والنفط ومعها زادت الحاجة إلى الدولارات.

كما عطّلت الحرب السياحة الوافدة من أوكرانيا وروسيا اللتين كانتا من أكبر أسواق مصر، وبالتالي خسارة مصدر مهم للعملة الصعبة.

وفاقم تراجع الثقة في الجنيه المصري وتخارج المستثمرين المحليين والأجانب من الأوراق المالية الحكومية القصيرة الأجل من شح الدولار.

كانت كريستين عيّاد تتطلع إلى شراء سيارة صغيرة بناقل حركة آلي هذا العام، إلا أن القواعد التي تقوض قدرة المستوردين على الوصول إلى الدولارات الشحيحة أطاحت بحلمها وأصبحت مضطرة إلى الاكتفاء بالتجول بدراجتها.

ولسوء الحظ، فإنه بالنسبة للأفراد الذين يخططون لعمليات شراء مثل كريستين فإن قواعد الاستيراد الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في وقت سابق من العام الجاري لوضع حد لتراجع احتياطات العملة الأجنبية ودعم الجنيه، قد أدت إلى شح السلع وارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى في نحو 4 سنوات.

وتوضح كريستين (38 عامًا) أن سعر السيارة التي كانت ترغب في شرائها ارتفع بنسبة 75% منذ بدأت البحث عن سيارة جديدة العام الماضي، وهي نسبة الارتفاع ذاتها التي شهدتها أسعار بعض السلع المستوردة الأخرى.

وتضيف “ندمت إني بعت العربية. محدش عايز يبيع مستعمل، أو هيبالغ في سعر البيع. طرقت كل الأبواب اللي ممكن تُطرق بس متوفقتش في ولا حاجة. فقدت الأمل وقررت أتعايش بدون عربية”.

ويقول تجار إن قطاع السيارات كان من بين أكثر القطاعات تضررًا، إلا أن صدى الأزمة تردد أيضًا في مختلف قطاعات الاقتصاد، وتضررت مجالات تتنوع من المكونات الكهربائية إلى المنسوجات وقطع الغيار.

معرض لبيع السيارات في القاهرة (رويترز)

وقبل أيام، قام البنك المركزي -الذي تم تغيير محافظه في أغسطس/آب الماضي- بتخفيف القيود بشكل طفيف عن طريق السماح للشركات باستخدام الودائع بالعملات الأجنبية أو التحويلات لتأمين خطابات الاعتماد لتسوية تكاليف الواردات، بحسب تعليمات جديدة نشرتها وسائل الإعلام المحلية، إلا أنه من المتوقع أن تتواصل اختناقات الواردات.

وقال مسؤول بإحدى الشركات إنه من المتوقع أن تتراجع واردات مصر السنوية من السيارات الكاملة الصنع -التي كانت تُقدَّر بنحو 8 مليارات دولار في السابق- بأكثر من النصف هذا العام.

ويقول تجار إن أسعار السيارات المستعملة التي تحظى بشعبية تضاعفت، ويمتنع بعض التجار عن بيع ما لديهم وسط توقعات بارتفاع أكبر في الأسعار.

وأوضح الخبير في سوق السيارات المصرية محمود خيري “هناك ممارسات تدفع السوق نحو حالة من الركود التضخمي، أبرزها ظاهرة (الأوفربرايس) التي تتراوح حاليًّا بين 70% و100% من السعر الرسمي”، في إشارة إلى المبالغ الإضافية التي يفرضها موزعون فوق أسعار السيارات الرسمية مقابل التسليم الفوري بدلًا من الحجز والانتظار فترات طويلة.

ويضيف خيري “الزيادات في الأسعار لا توازي حجم التحرك في سعر الصرف. الموزعون كانوا منذ بداية الأزمة يعتمدون في تسعير السيارات على سعر صرف عند 22 جنيهًا للدولار، وحاليًّا وصل إلى 25 جنيهًا. وهناك أسعار لسيارات تجعلنا نعتقد أنهم يسعرون بناء على سعر صرف 30 جنيهًا للدولار. لم يعد هناك معيار حقيقي، وصارت هناك عشوائية في التسعير”.

بينما قال أشرف هلال، مدير المبيعات بأحد معارض السيارات في القاهرة “نشاط المبيعات انكمش بما بين 35% و40% في الشهور الأخيرة، وهو ما يعود لزيادة الأسعار وشح المعروض، لكن زيادة الأسعار ليست العامل الأكبر نظرًا لأن المشترين يواصلون الشراء تحسبًا لمزيد من القفزات في الأسعار في المستقبل. وأتوقع دخول المزيد من الإمدادات في النصف الثاني من أكتوبر (تشرين الأول)، لكن الأسعار تظل معتمدة على سعر الصرف”.

وأوضح هاني أحمد، وهو تاجر سيارات مستعملة في القاهرة “خوف الناس من المستقبل مخلي الشرا جنوني. هو خايف إنه لو استنى كمان شوية هتغلى تاني. فالخوف ده بيساهم في الزيادة. ومن الدوافع برضو إن المستهلك بيحس إن قيمة الفلوس اللي معاه بتقل. فبرضو بيحفظها في عربية حتى لو مش محتاج عربية من الأساس”.

اختفاء الدولار

خلال الفترة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران، تراجعت واردات السلع الاستهلاكية المعمرة بنسبة 57% عن الفترة المماثلة من العام الماضي، وفقًا لأحدث البيانات الفصلية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وفي بداية الصيف، ترك بعض تجار التجزئة غير القادرين على شراء معروضات جديدة الملابس الشتوية على الأرفف.

ويقول مصرفيون إن الدولار اختفى إلى حد كبير من التعاملات بين البنوك، بينما يقول تجار إن الحصول على عملة صعبة عبر خطاب اعتماد أصبح لكثيرين مهمة طويلة ومحبطة.

وتراجع صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي إلى سالب 369 مليار جنيه (19 مليار دولار) في يوليو/تموز مقابل موجب 248 مليارًا في يوليو من العام الماضي، حيث سحبها البنك المركزي لدعم قيمة العملة في مقابل الدولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي.

وتراجعت الاحتياطات الأجنبية إلى 33 مليار دولار في يوليو مقابل 41 مليارًا في يناير/كانون الثاني رغم دخول تدفقات من الدول الخليجية الحليفة والقيود الجديدة على الواردات.

وفاقمت سلسلة رفع الفائدة -التي بدأها مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في مارس/آذار- من صعوبة الجهود التي تقوم بها مصر لاجتذاب قروض من الداخل والخارج لسد العجز في ميزان المعاملات الجارية والموازنة العامة.

ورغم ارتفاع أعباء الديون، فإن مصر تتفاوض على قرض جديد من صندوق النقد الدولي منذ مارس لدعم اقتصادها، وفقد الجنيه المصري -في الوقت نفسه- أكثر من 22% من قيمته مقابل الدولار منذ الشهر ذاته.

البضائع مكدسة في الموانئ 3 أو 4 أشهر (رويترز)

تكدس في الموانئ

تم منح إعفاءات للسلع الأساسية ومدخلات الصناعة قبل التغييرات الأخيرة من جانب البنك المركزي، إلا أن بعض الوكلاء لا يزالون يكافحون لتأمين خطابات الاعتماد اللازمة لإجراء الإفراج الجمركي، بينما يقول دبلوماسيون إن بعض المصدّرين لمصر أصبحوا متحفظين.

وقال أحمد شيحة من شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة “فيه بضائع مكدسة في الجمارك. فيه حاجات (في الموانئ) 3 أو 4 أشهر”.

وحتى قطاع البناء الذي ساعد مصر على مواصلة تحقيق نمو اقتصادي خلال جائحة كورونا تضرر من التأخيرات، وفقًا لمطورين.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة مصر إيطاليا العقارية محمد هاني العسال “جزء كبير من الأجهزة التي نستخدمها مستوردة وهو ما يؤثر على القطاع. (لكن) مقدرش أقول إن فيه مشروع توقف لأن القطاع العقاري يستخدم أيضًا المواد المصرية، ولكن فيه مشاريع يمكن يتأخر افتتاحها حتى يتم حل الأزمة ويبدأ الناس يدخّلوا الحاجات المستوردة”.

كما تضررت بعض السلع التي تُعد أساسية. يقول مالك صيدلية في القاهرة إن مُورّدي الأدوية المصريين يواجهون صعوبات في استيراد الأدوية المصنعة في الخارج، بينما خفّض المصنّعون المحليون الإنتاج بسبب الصعوبات في استيراد المكونات الفعالة.

ويقول المسؤولون إنه تم الحفاظ على توافر السلع الاستراتيجية بما في ذلك القمح.

ويوضح أشرف الجزايرلي، العضو البارز في غرفة الصناعات الغذائية التابعة لاتحاد الصناعات المصرية “فيه تأخير أكيد النهارده بيحصل. بيقل المخزون، ولكن في السوق مفيش حاجة ناقصة”.

المصدر : رويترز