بندقية “عصيّة” لا تنطفئ فوهتها.. كيف تحوّلت جنين إلى بوابة رعب لإسرائيل؟

جنين تمثّل رأس الحربة في مثلث الرعب لإسرائيل (الأناضول)

استُشهدت الزميلة شيرين أبو عاقلة على أبواب مخيّمها، وعلى أرضها يتوعد الاحتلال بإشعال معركة ضارية سيستخدم فيها المروحيات والطائرات المسيرة، فلماذا يخشى الاحتلال جنين “عش الدبابير والبندقية التي لا تسكت”؟

يعيد تركيز الاحتلال الإسرائيلي على مدينة جنين الصامدة شمالي الضفة الغربية، إلى الأذهان اجتياح مخيمها في الأول من أبريل/نيسان عام 2002، ومجزرته فيها التي خلّفت أكثر من 500 شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ بحسب السلطة الفلسطينية و58 فلسطينيًا وفق تقرير الأمم المتحدة.

ما زالت رائحة الموت تفوح من تحت مباني المخيم، حيث دفنت قوات الاحتلال أصحاب الأرض في مقابر جماعية لتخفي جريمتها، تُحرّك الرائحة سكان المخيم وتذكرهم أن لا تراجع عن المقاومة.

“مركز التمرد” ومعقل المقاومة

خبِر أهل جنين المقاومة عام 1935 بقيادة عز الدين القسَّام، ولم يكونوا حديثي العهد بها عندما ذهبوا في 1799 حد إحراق حقول الزيتون لمنع المستعمر الفرنسي من التقدم نحو المدينة.

وتحوّلت جنين مع القسام إلى “مركز للتمرد الفلسطيني” بعد أن قاد مقاومتها لنفض الاحتلال البريطاني الذي وضع يده عليها في سبتمبر/أيلول 1918.

دافع أهل جنين بشراسة عن أراضيهم عندما قتلت العصابات الصهيونية آلاف الفلسطينيين واحتلت منازلهم في 1948، وعادت للإدارة الأردنية بعدها بعام واحد.

وقعت المجزرة في مدينة جنين في الفترة من 1 إلى 12 من أبريل 2002، حين شرع جيش الاحتلال الإسرائيلي في 29 مارس/آذار من نفس السنة، بحملة عسكرية احتل فيها العديد من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

وبعد أسبوعين من حصار مخيم جنين بلا ماء ولا كهرباء ولا طعام وعلاج، اندلع قتال عنيف بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي قادها رئيس الأركان شاؤول موفاز، في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية أرئيل شارون.

ولم يعد من سبيل أمام جيش الاحتلال للقضاء على هذه المقاومة سوى هدم المخيم على رؤوس ساكنيه ونفاد ذخيرة المقاومين الفلسطينيين، فقصف الاحتلال المخيم بطائرات “إف-16” والمدفعية.

عش الدبابير

يقتحم الاحتلال الإسرائيلي باستمرار مخيم المدينة المطلة على غور الأردن، بدعوى إلقاء القبض على “مشتبه بهم في قضايا إرهاب”، كانت إحداها في أغسطس/آب الماضي تسبب في استشهاد 4 شبان وإصابة خامس بجروح خطيرة خلال اقتحام عنيف.

وفي أبريل/نيسان المنصرم، اقتحم الاحتلال أطراف المخيم جنين وطالب أفراد عائلة الشهيد رعد فتحي حازم (28 عامًا) الذي نفذ عملية تل أبيب بتسليم أنفسهم، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات استُخدم فيها إطلاق نار وقنابل بكثافة أسفرت عن استشهاد الشاب أحمد السعدي وإصابة 15 برصاص الاحتلال.

وفي مارس/آذار الماضي، استُشهد شابان وأصيب 9 آخرون برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين، فيما أطلقت قوات الاحتلال الغاز المسيل للدموع في محيط مستشفى جنين الحكومي، وأربكت العمل في قسم الطوارئ بالمستشفى.

ويتردد اسم جنين مع كل عملية استشهادية تجري داخل إسرائيل، وفي الأشهر القليلة الماضية عاشت سلطة الاحتلال حالة استنفار أمني ارتفعت وتيرته مع ازدياد عدد العمليات العسكرية التي شنها فلسطينيون من “معقل المقاومة” داخل المدن الإسرائيلية مخلفين عددًا من القتلى.

أطلق الاحتلال على جنين اسم “عش الدبابير” بعد أن أصبحت هاجسا لهم بفضل قربها من مدن الداخل ومشاركة عدد كبير من أبنائها في العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، زادت وتيرته بعد الانتفاضة الثانية.

اعتاد مقاتلو جنين وأغلبهم شباب بين 20 و30 سنة، من مواليد الانتفاضة وما بعد المجزرة، شراء الأسلحة من مالهم بدلًا من أن توفرها لهم الفصائل كما هو معتاد في فلسطين.

بندقية لا تسكت

وصف الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، جنين بأنها تشكل “نواة” المقاومة الفلسطينية المسلحة، حيث تعمل الفصائل الفلسطينية، كما أنها مشهورة بانطلاق عدد من العمليات المسلحة المركزة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وأفاد مدير عام المؤسسة الفلسطينية للإعلام (فيميد) لموقع الجزيرة مباشر، بأن جنين تشهد حالة فلسطينية تعمل على تعزيز الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي، مشددًا على أن الأخير فقد السيطرة على جنين وأنه بات “غير قادر على دخولها ولا الخروج منها بسهولة”.

ومضى المدهون إلى أن جنين يقطنها عدد من قيادات العمل المقاوم المطلوبين للاحتلال الإسرائيلي والتي يسعى إلى اغتيالها وتصفيتها.

تضاعفت الأصوات الإسرائيلية المنادية باختراق جنين، وفق المتحدث، بعد تنفيذ مقاومين منها لعدد من العمليات، وذهب إلى أن “جنين تشكّل حالة يخشى الاحتلال الإسرائيلي أن تتمدد وتتوسع وتشمل محافظات الضفة الغربية بشكل واسع”.

واستدرك المحلل بأن “قدرة الاحتلال الإسرائيلي على إسكات صوت وبندقية جنين باتت ضعيفة”.

عصيّة على الاحتلال

استبعد المحلل الفلسطيني أن يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من اجتياح جنين، وقال “من المبكر الحديث عن ذلك” قبل أن يزيد “ليس الأمر بهذه السهولة”، خصوصًا وأن المقاومة في غزة وكتائب القسام حذرت الاحتلال من دخول جنين وتنفيذ اجتياح واسع وكبير ومجازر بها.

وأفاد بأن تنفيذ الاحتلال لذلك سيؤدي إلى ردود أفعال فلسطينية داخلية على مستوى الضفة الغربية ومناطق 48 وقطاع غزة أيضا، مشددا على أن “المقاومة الفلسطينية في القطاع لن تترك الاحتلال الإسرائيلي يستفرد بجنين”.

ويعتقد المدهون أن الأصوات المتعالية والضغوطات على سلطة الاحتلال والحسابات الانتخابية والمبارزة السياسية الداخلية، قد تؤدي إلى اتخاذ قرار بهذه الخطورة.

واستدرك في حديثه لموقع الجزيرة مباشر، أن “الاحتلال الإسرائيلي يعرف خطورة الخطوة، في الوقت الذي يتسلح فيه مئات المقاومين الذين لن يسلموا أنفسهم وسيدافعون عن مخيمهم ويتصدوا للاحتلال، ما سيفتح الباب واسعًا أمام احتمالات مختلفة”.

وخلص المتحدث إلى أن الصورة معقدة ولم تتضح بعد، إلا أن جنين “حالة تكبر وتتسع وقد تمتد إلى مدن ومخيمات أخرى في الضفة الغربية”.

والأربعاء الماضي، اغتيلت الزميلة شيرين أبوعاقلة برصاص قنّاص إسرائيلي على أبواب المخيّم، أثناء توجهها لتغطية الاقتحامات هناك، وأثارت جريمة مقتلها غضب واسع ردود فعل دولية، وأعادت قصة جنين الأبيّة إلى دائرة الاهتمام.

المصدر : الجزيرة مباشر