ثلاثية نور الشريف.. أبناء الصمت العائدون من الحرب

الفنان نور الشريف في أيامه الأخيرة

تظل نهايات أفلام نور الشريف عن حرب أكتوبر تجسيداً لما انتهت إليه الحرب التي حررت جزءاً من الأرض ثم تلتها أحداثاً غيرت مسار الأمة العربية.
بين أربعة أفلام قدمها نور الشريف، انتهي فيلمه (سواق الأتوبيس) إنتاج 1982 ومن إخراج عاطف الطيب، بلكمات في وجه السارق (سارق النصر) من وجهة نظر صناع الفيلم..
كما انتهى فيلم (كتيبة الاعدام) إنتاج 1989، ومن إخراج الطيب أيضا، برصاص أبطال العمل نور الشريف ومعالي زايد وممدوح عبد العليم، وشوقي شامخ، في صدر من سرق مرتبات الجنود، وقتل أبطال المقاومة أثناء حصار مدينة السويس (بدأ في ٢٤ أكتوبر 1973 حتى 28 يناير1974) بعد قرار وقف إطلاق النار، وحتى توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار.
وتأتي نهاية فيلم (زمن حاتم زهران)، إنتاج 1985 إخراج محمد النجار، مغايرة إذ لا تزال الكفة متعادلة، فبينما بطل الفيلم حاتم زهران العائد من أمريكا، معاديا لكل قيم الشهداء والمجتمع، يتجه إلى استمرار نهجه، نجد قوى أخرى تخلد مقام الشهيد وتضحياته.
أما فيلم (أبناء الصمت)، إنتاج 1974 من إخراج محمد راضي، فهو فيلم الجنود الأبطال الذين أمضوا سبع سنوات على الجبهة، منذ هزيمة 1967 وحتى بداية عام 1974، في نهاية الفيلم، يعبر الجنود القناة، ويحطمون خط بارليف، ويرفعون العلم المصري، على الضفة الشرقية لقناة السويس.
الفنان نور الشريف المولود في القاهرة عام 1946، واحداً من أهم النجوم المصرية، الذين قدموا أفلاماً عبرت عن الواقع المصري، وحصدت سبع مراكز في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، اثنان منها ضمن أفلامه عن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

سواق الأتوبيس

حسن سائق حافلة (أتوبيس) خاض معارك مصر من حرب السويس 1956 حتى أكتوبر 1973، عاد من الجبهة يمارس حياته ككل المصريين، موظفا في هيئة النقل العام صباحاً، وسائقاً لسيارة أجرة ليلاً، ليواجه مصاعب الحياة.
تتعرض حياة أسرته لمحنة كبيرة، بعرض ورشة الأب للبيع، نتيجة لتراكم الضرائب غير المستحقة عليها، وبفعل فاعل هو أحد صبيان الرجل..
ويبدأ حسن بطل الفيلم، محاولة حل الأزمة من خلال أقاربه وأزواج شقيقاته، ليكتشف أن القيم التي تربى عليها، تعرضت للتشوية، بفعل سياسات الانفتاح الاقتصادي، التي شهدتها مصر بقرارات مايو/ أيار في عام 1974 التي أصدرها الرئيس المصري الراحل أنور السادات..
لا يجد حسن إلا زملاء الحرب، ليجتمعوا تحت سفح الهرم وهناك يستطيعون أن يجدوا حلاً للمشكلة ولكن تفاجئهم وفاة الأب..
أثناء رحلة البحث عن حل، يكتشف أن كل ما تحقق من نصر أكتوبر، قد تحول إلى مكاسب لآخرين، سرقوا النصر، وفي نهاية الفيلم يوجه لكماته إلى اللص في الأتوبيس، الذي يقاوم الترنح، في إيحاء أن المعركة مع من تكسبوا من الحرب، لا تزال قائمة.
حصل نور الشريف على جائزة أحسن ممثل، في مهرجان نيودلهي 1983، عن دوره في الفيلم، وهي الجائزة الوحيدة، التي حققها فيلم مصري في مهرجان عالمي..
حصل فيلم سواق الأتوبيس على المركز الثامن مصريا والثالث والثلاثين عربيا في قوائم أفضل أفلام القرن العشرين..
عاد لينتقم من قيم الشهداء
حاتم زهران الدكتور العائد من أمريكا، بعد حصوله على الدكتوراه في الاقتصاد في بداية عام 1974، والذي يشعر بكراهية غير عادية، تجاه شقيقه الأكبر، شهيد حرب أكتوبر، الذي مثل قيما عليا، لدى كل من عرفه بداية من الأب، أستاذ الاقتصاد الموجه في الجامعة، حتى المعارف والاصدقاء.
يبدو حاتم زهران (نور الشريف)، عائداً بقيم أمريكا لينهي أسطورة الشهيد يحيى زهران (قام نور الشريف بتجسيد الدور أيضا) بما تحمله من نضال وكفاح، بقيم تستحوذ على الأرض، والمعصرة و المحلج الذين يمثلون عصرا، لينشئ مصنع أدوات تجميل، حيث كل شيء يمكن تحسين وجهه بالمكياج، وأدوات التجميل.
قيم الشهداء والمقاومة والتصنيع والاستقلال والحرية، تطارد حاتم زهران ويحاول بكل الطرق أن يغير تلك القيم والملامح.
وفي إشارة صغيرة، لمحمد النجار مخرج الفيلم في الإعلان عن مستحضرات التجميل، يقول ” سحر الشرق.. غيبوبة الأحلام” وفي مشهد آخر يعلن بطل الفيلم، أن وسيلته في النجاح هي الوهم، في إشارة واضحة لما تعرضت له مصر والأمة العربية، حين وضعت أوراق القضايا العربية في يد أمريكا.
في مواجهة حاتم زهران يبقى دائما صورة الشهيد، ورفاقه أبطال العبور في نصر أكتوبر، وزوجته (فاطمة: طيبة ولا يخلو الاسم من دلالة)، رغم ضعف أحدهم أو انجرافه، وراء أحلام حاتم زهران بعض الوقت.
هكذا مثلت قيم الحرب والانتصار عقدة حاتم العائد من أمريكا ويحاول أن يجد ضالته في قليلي التعليم والطامعين في الثراء الوهمي.

أبناء الصمت

ثالث افلام نور الشريف عن حرب أكتوبر، هو (أبناء الصمت) وأول أفلامه التي قدمها للسينما عن الحرب أحد أهم الأفلام التي جسدت بطولة الجنود المصرية من بعد الهزيمة وحتى النصر (الفيلم احتل المركز 74 في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية).
مجموعة من الجنود المصرية من كل محافظات مصر، داخل دشمة عسكرية على جبهة القناة، تم تجنيدهم عقب الهزيمة ليقضوا سبع سنوات على جبهة القناة، في انتظار لحظة الحرب ومحو عار الهزيمة..
مجموعة فدائية تمثل شرائح اجتماعية متنوعة، لكل منهم مشاكله وأحلامه، يخضون غمار الاستنزاف في حرب الألف يوم.
يفقدون زملاء لهم في لحظات، تتعرض حياة ذويهم للخطر، بضرب العدو لأماكن مدنية، قبل بناء حائط الصواريخ، وتحريكه إلى غرب القناة في عام 1969.
لحظات صعبة عليهم انتهت في لحظة العبور، رغم استشهاد بعضهم وإصابة آخرين.
يعود الجنود من الجبهة ليواجهوا حياتهم ومشاكلها بينما يمرح الغافلون عن الوطن تحت سفح الهرم أيضا.

كتيبة الإعدام رصاصة للخائن

حسن عز الرجال موظف البنك، الذي يتولى صرف مرتبات الجنود أثناء حصار السويس، يتعرض لمصيدة من خلال جاسوس اسرائيلي، باع دم المقاومين في السويس، وسرق مرتبات الجنود.
يتهم حسن عز الرجال، بقتل قائد المقاومة الشعبية سيد الغريب وابنه ومن معه بسرقة المرتبات، يسجن حسن ويخرج بعد 14 سنة، ليبحث عن القاتل والسارق الحقيقي.
مشوار طويل ينضم إليه وكيل نيابة، وضابط مباحث، ونعيمة الغريب، ليكتشفوا أن السارق صاحب أكبر محلات سوبر ماركت في مصر، وغير اسمه وشكله، وتزوج زوجة حسن وأصبح من كبار رجال الأعمال.
يقرر الأربعة الحكم عليه بالإعدام وتنفيذ هذا الحكم بأيديهم، رصاصة من كل واحد في قلب من خان الجنود والمقاومين وخان الوطن.

المصدر : الجزيرة مباشر