رضوان الكاشف.. كاشف أحلام البسطاء

هل اتهم الكاشف ومعه داوود عبد السيد صاحب (الكيت كات)، وخيري بشارة، صاحب (يوم حلو ويوم مر)، بالإساءة لسمعة مصر؟!

محمود عبد العزيز وشريف منير في الكيت كات

 

يصنع البسطاء أحلامهم في الحياة بالرضا والصبر، وبهجة الأشياء البسيطة كما الأحلام، يحاولون التعايش مع حياتهم بفقرها وجفافها، بالبسمة الساخرة والألفة وصناعة الفرح.

هكذا تبدو الحالة السينمائية للمخرج رضوان الكاشف، الذي صنع ثلاثة أفلام فقط هي: (ليه يا بنفسج) إنتاج عام 1992؛ (عرق البلح) 1998، و(الساحر) 2002، بهذه الأفلام الثلاثة، حجز رضوان الكاشف مكانا في تاريخ السنيما المصرية والعربية.

ثلاثة أفلام فقط بدأها بفيلمه (ليه يا بنفسج) الذي ينتمي إلى عالم رضوان ابن حي السيدة زينب الذي ولد وعاش فيها، عن هؤلاء الذين يضيئون القاهرة بصبرهم وأحلامهم البسيطة، يلملمون خيباتهم التي يتعرضون لها طوال اليوم، ويدفنوها تحت الجلد، أو تحت وسائدهم، أو يقدفون بها في مياه النيل، وهم عائدون إلى منازلهم البسيطة، ليصنعوا بسمة بالغناء والتواشيح والسهر في جوار بعضهم البعض.

دارس الفلسفة الذي ذهب إلى قاعات معهد السينما، ويتخرج منه في عام 1984 ليصنع عالما خاصا به.. عالم لا يبعد عن جذوره: عالم المهمشين في مصر القديمة والسيدة زينب وقلعة الكبش (من حارات القاهرة القديمة).

الواقعية السحرية

صنع رضوان مع أبناء جيله ما سمي بالواقعية السحرية، لكن أي سحر في الحارات الضيقة، والبيوت المتهالكة، وغرف السطوح التي يعيش فيها المهمشون، إنه سحر حب الحياة وصناعتها.

هذا كان محور فيلمه الأول: ليه يا بنفسج، البهجة من قلب الأحزان، ثلاثة شبان فقراء يعيشون في غرفة واحدة، وحارة ضيقة تكاد المنازل تلامس بعضها البعض، تحتك الاجساد والهمسات لكن دفء المحبة والتضامن يجعلها بسعة المدى.

ثلاثة شباب هم محور الفيلم، والحارة الشعبية الفقيرة هي محور الحياة، برجالها البسطاء وأحلامهم البسيطة، هؤلاء الذين لا ينتمون إلى عالم الأغنياء، ولا يفكرون بهم، ولا ينتمون إلى السياسة وأحزابها وحركاتها، ولا يشغلون عقولهم بها، فقط يريدون قليلا من الطعام وقليلا من الفرحة، تصنعها لمة آخر الليل يفرحون ويمرحون يحبون الحياة، ويغازلونها حتى يستطيعوا الاستمرار بها، لا شغل ولا شاغل سوى تحقيق أحلام بسيطة في ملبس، ومأكل أو فرحة زواج.

إنها مشاهد الفقراء والبسطاء، والعيش بالتحايل على المعايش. فهل اتهم رضوان الكاشف ومعه داوود عبد السيد صاحب (الكيت كات)، وخيري بشارة، صاحب (يوم حلو ويوم مر)، بالإساءة لسمعة مصر؟!

ربما لو وجد فيلم رضوان الأول في مهرجان الآن لاتهم بهذه التهمة وضاعت عليه جوائزه التي حصدها في مصر وخارجها لأن هناك من لا يري في مصر فقراء!

فيلم (ليه يابنفسج) تم إدراجه ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بالسينما المصرية حسب استفتاء النقاد عام 1996، وحصد جائزة أحسن فيلم من مهرجان السينما العربية بباريس، وجائزة لجنة التحكيم بمهرجان القاهرة الدولي وهو من بطولة فاروق الفيشاوي، لوسي، نجاح الموجي، حسن حسني، أشرف عبد الباقي.

رضوان الكاشف خريج قسم الفلسفة بكلية الآداب عام 1978، كان يساريا شارك في الحياة السياسية، اعتقل في أحداث يناير 1977، ثم اعتقل في سبتمبر /أيلول 1981، التي تم اعتقال نحو 1500 من كافة التيارات السياسية المصرية، فيما عرف في مصر بسبتمبر الغضب.

قبيل اعتقاله عام 1981، كان قد نُشر للكاشف كتابان، الأول تحت عنوان “الحرية والعدالة في فكر عبد الله النديم”، الذي لم يتناول فيه النديم من ناحية تأريخيه، إنما تناوله كرمز ثائر وداعية للحرية، في دراسة للفكر السياسي والاجتماعي للنديم، والكتاب الثاني بعنوان ” قضية تجديد الفكر عند زكي نجيب محمود”.

صانع البهجة

في فيلمه الثالث والأخير في مشواره السينمائي: الساحر، والذي أطلق عليه اسم فرعي (صانع البهجة)، يعود رضوان الكاشف إلى عالم المهمشين مره أخرى، وأحلامهم البسيطة من خلال شخصية منصور بهجت، ولعب الدور الفنان محمود عبد العزيز، وهو ساحر توقف عن ممارسة ألعاب السحر، التي كان يعيش من عائدها، ويدخل السعادة بها إلى قلوب البسطاء، لكنه لا يتوقف عن صنع لحظات بهجة لمن حوله.

ها هو يحاول بكل الطرق، حتى لو وصلت للتحايل كما في مهنته الأصلية القائمة على الخداع البصري، ليصنع لحظات فرح لمن حوله.

يؤكد رضوان الكاشف على بساطة الفرحة لدي هؤلاء، حتى ولو واجهوا مصاعب كبيرة وكثيرة، يذهب إلى أن التضامن والتضافر بين هؤلاء، هو سبيل التغلب على تلك المصاعب، فملح الأرض المصري هم سر بقاء مصر والمصريين هم صناع الحضارة وصناع الحياة.

كتب رضوان الكاشف قصة وسيناريو وحوار لفيلمين من الأفلام الثلاثة التي قدمها للسينما، هما فيلماه الأول والثاني: ايه يا بنفسج، وعرق البلح.

عرق البلح فيلم الغربة والوطن، حين يذهب رجاله بحثا عن لقمة العيش، لا يتناول الكاشف في رؤيته ما يحدث لهؤلاء المغتربين في غربتهم، بل يتناول ما يحدث لوطنهم أثناء الغياب.

فالرجال هم النخيل الذي يظلل على الوطن، هم شموسه التي ينيرون ظلمته، فماذا يحدث حين تغيب الشمس والظل؟

واحد من أهم افلام السينما المصرية، الذي قدم رؤية بصرية مبهرة وصورة سينمائية جديدة من حيث ألمنا، والنص الذي قدم باللغة العربية الفصحى موحيًا أن التغريبة ليست مصرية فقط بل عربية، أيضا فالمغتربون من كل الوطن العرب والمغترب لا يسميه الكاشف راحل فالرحيل فقط عند الموت.

حصل فيلم عرق البلح على جائزة ذهبية في مهرجان مغربي وجائرة ذهبية في مهرجان فرنسي.
رحل رضوان الكاشف رضوان الكاشف وهو عائد من مهرجان نوتردام   في الخمسين من عمره تاركا ثلاثة علامات في تاريخ السينما المصرية.

المصدر : الجزيرة مباشر