الكوفية الصهيونية والسيف الصليبي

السيف الذي تم العثور عليه

منذ أيام، احتفت الصحافة في (تل أبيب) بخبر عثور غواص إسرائيلي على سيف من زمن الحروب الصليبية. خبر يبدو عادياً ولا يحتاج إلى هذا القدر من الاحتفاء والتناول، ليتم تصديره على صفحات وزارة الخارجية ثم لتتناوله كثير من وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، وأيضاً العربية المطبِّعة. وقريبًا من الخبر الذي بات مثله متكررًا في الإعلام الغربي وهو ليس غريباً على التوجهات الرسمية لهذه الدول الكبرى الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.

لكن الغريب هو العجز العربي ثم الدولي تجاه التراث الإنساني والتاريخي فالأوطان قد تسرق وتحتل، لكن الثقافة واللغة من الصعب صكها وتسميتها بغير اسمها، فاللغة ستبقى دليلاً على الهوية والملابس والعادات والفلكلور الشعبي دليلاً على الثقافة والحضارة لكن في هذا الزمان تقع السرقات مكتملة الأركان يتابعها العالم في صمت دون أي فعل أو رد فعل، حيث يُسوَّق للتراث والتاريخ والفلكلور الشعبي للعرب والمسلمين والأديان الثلاثة في أرض فلسطين المحتلة، على أنه جزء من التراث والتاريخ والفلكلور الصهيوني لدولة المحتل الغاصب، وتمر هذه الأخبار علينا مرور الكرام بل قد تتداولها مواقع عربية في صفحات الثقافة والسياحة والفنون وكأن شيئاً لم يكن.

إنه تصابي الاحتلال في البحث له عن ثقافة أو تاريخ أو تراث أو حضارة، وهو دليل على أن الصهيونية فشلت في إثبات يهودية الدولة، وأصالة تاريخها منذ أن كان اليهود دينياً على هذه الأرض.

فها هم يبحثون عن تاريخ عن تراث عن ثقافة عن وجود، يثبتون أن اليهودية وإن اعتنقوها ليست تراثهم ولا المسيحية وإن اكتنفوها ليست تاريخهم ولا الإسلام وإن احتلوا دياره فليس حضارتهم.

هم لا ريب مفلسون، وهكذا هو كل احتلال فهو ملة واحدة أياً كان شعاره أو دينه الذي يختبئ وراءه.

صليبيون أو صهاينة أو مغول أو فرنجة لا حاضر لهم ولا تاريخ لديهم سوى الدماء والطغيان.

المنظومة الدولية الخانعة

إن المتابع حاليًا لوكالات الأنباء يجد تناولها بات مكثفاً لتغطية أخبار تخص التراث والتاريخ والسياحة في دولة الاحتلال، فإسرائيل (دولة احتلال غاصب) بدلاً من أن يكون وصفها في الإعلام العالمي وكذلك العربي بكيان يسجل أعلى نسبة اعتداءات وانتهاكات في العالم، في حق الشعب الفلسطيني حيث تبدأ هذه الانتهاكات بعمليات التطهير العرقي والاستيطان القسري، من طرد الفلسطينيين من منازلهم واغتصاب أرضهم وبناء مستوطنات عليها، تقدم  اليوم كبلد ساكن مستقر، لها تاريخ قديم ووجهة سياحية رائعة ومعتبرة، هذا طبعاً في ظل حملات التطبيع العربية التي بدأت تحط رحالهما في مشاهد مخزية تحت مسمى السياحة والتبادل الثقافي.

لست معنياً في هذا المقال بنقل التناقضات التي تقدمها المنظومة الدولية ومؤسساتها التي تكتفي بالإدانة لتلك الممارسات الصهيونية نحو الفنون التراث والتاريخ والآثار.

أو ما تطالعنا به سنوياً في اليوم العالمي لحماية التراث الإنساني، وذلك بحسب الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في باريس، عام 1972، ولكني أحاول قراءة العجز العربي الحقيقي والذي يخسر كل يوم ليس أرضه وتاريخه فحسب، بل ثقافته وهويته أيضاً.

ولو سلمنا بأن المنظومة الدولية الخانعة توجب الاتفاقيات الشكلية منها اتفاقية الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، والتي تصنف التراث البشري إلى نوعين؛ ثقافي ويشمل الآثار والأعمال المعمارية الحضرية ذات القيمة، وتنص الاتفاقية في بند إعلانها على أن حماية هذه الممتلكات التراثية تقع على عاتق المجتمع الدولي باعتبارها إرثا عالميا.

والتصنيف الثاني هو ما يخص الجانب الوطني والإقليمي وهو هوية وتراث كل شعب والذي بات واقعه العربي مخزٍ ومقزز فحتى المسجد الأقصى بات واقعه أن قرابة ملياري مسلم حول العالم وقرابة 63 دولة مسلمة ليس لهم الحق في الحفاظ على تراثه، ولك أن تشاهد الفارق الكبير في الانفاق والتطوير في الحرميين الشريفين مثلاً وبين عجز المرابطين في القدس المادي واللوجستي على صيانة بعض أبواب المسجد الأقصى التاريخي والذي يمثل قداسة لقرابة خمس سكان الأرض.

لقد بادر المحتل وسجل الصهاينة الفلافل (الطعمية) كوجبة غذائية باسمهم ونحن نبتسم!

وعادوا الكرة وسجلوا الكوفية الفلسطينية رمزًا فلكلوريا باسمهم ونحن نتعجب!

ونسبوا الآثار الاسلامية والمسيحية لهم ونحن نندهش أو نقلق أو ندين ونشجب ونستنكر!

واليوم لا عجب من دولة محتلة ظهرت، عام 1948، لتعلن أن تاريخ الحروب الصليبية منسوب لها وأن سيفًا عثروا عليه في قاع البحر يعود لتاريخهم البعيد.

في قابل الأيام

إنك كعربي ستحاول جاهداً أن تقنع أبناءك في قادم الأيام أن سيف صلاح الدين الأيوبي كان سيفاً مسلماً مجاهدا، وأن المدينة القديمة كانت مدينة للأديان الثلاثة ولم تكن الصهيونية أساسًا قد ظهرت وأن طرفي الحرب وقتها كان مماليك المسلمين العرب، والحملات الصليبية الإفرنجية القادمة من أوربا، وعليك أن تستدعي الفارق جاهداً بين اليهودية والصهيونية لتشرح له الحقيقة التي نجح الصهاينة في خلطها ووافقهم عليها الصهاينة العرب حيث تسمعهم اليوم يقولون “هذه الأرض كانت يوما ما لليهود حكموها وعاشوا فيها!” وكأن الصهيونية المحتلة اليوم هي امتداد لمدينة جمعت الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية في تعايش تراثي وثقافي وانساني متجانس، وأننا نحن المحتل وهم أصحاب الأرض والتاريخ والحضارة.

وفي قابل الأيام أيضا ستعجز عن وصف الحقيقة التاريخية في كون أن اليهود والمسلمين اضطهدوا جميعاً من قبل الاحتلال الصليبي، حيث شملهم القتل والأسر والاضطهاد ونتيجة لهذه المذابح الصليبية هرب اليهود من الاراضي الفلسطينية ولم يعودوا إلا مع فتح السلطان صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس، عام 583هـ/1187، فقد رفع حظر سكنى اليهود بالمدينة وفي كامل فلسطين، فجاؤوا إليها كل بلدان العالم وسارت كل الدول التي تعاقبت على ذلك حتى الدولة العثمانية التي تمدد اليهود فيها بشكل كبير وحتى إعلان الاحتلال الصهيوني الذي قدم مشروعًا غاصباً استغل فيه الوجود اليهودي الآمن والمستقر هناك.

وسوف تجد في قابل الأيام أنه من الصعب إثبات أن هذا التاريخ والتراث المشترك يسمي التراث العربي والإسلامي وإن شارك فيه المسيحيون واليهود، وأنه لولا الحفاظ على التنوع لما كانت هذه الحضارة، ولا كان لهذا الموروث أن يكون أصلاً لو كان الصهاينة المحتلون هم الحاكمون.

وهنا ستعود إلى ما ذكره الدكتور عبد الوهاب المسيري في الموسوعة حيث فرق بين تعريف اليهودية والصهيونية والتفريق كان أيضاً على أساس التاريخ والإرث الإنساني المشترك، فلم يكن للصهاينة المحتلين وإن كانوا يهوداً تاريخاً ولا تراثاً في فلسطين، كما لم يكن للصليبيين المحتلين وإن كانوا مسيحيين تراث أو تاريخ في فلسطين.

واليوم وأنت تقرأ خبر عثور الصهيوني “شلومي كاتزين” على سيف لمحتل صليبي في قاع البحر فإنك ستفهم أن ثمة رسالة وراء هذا الأثر تخبر كل محتل مهما طال بقاؤه، كما تشهد هذا العالم الصامت على تلك الانتهاكات أن جيلاً قادماً سيجد من بقايا الأسلحة المدمرة لدولة الكيان الصهيوني ما يحفظه التاريخ شاهداً على صمود هذا الشعب في نضاله، فسيف الصليبي الذي يحمله “شلومي” الصهيوني اليوم، سيحل محله رشاش لمستوطن نقش عليه بالعبرية، وسيبقي في قاع البحر حتى يكتشفه غواص حتما سيكون عربياً حراً، يقدم هذا الرشاش الذي سيعتبره العالم وقتها قطعة أثرية ثمينة، على أنه من مخلفات احتلال صهيوني رحل بلا رجعة، ولم يبق منه إلا أطلال وأثر.

ولعل حقيقة هذا السيف الصليبي الذي ظفر به “شلومي” يكون في الأصل سيف لعربي نهب منه وسلب من قبل المحتل الصليبي، كما سلب الصهاينة اليوم (الفلافل والكوفية والمسبحة وحتى الأغاني والألحان العربية).

وقديما قالوا “التاريخ له أوجه عدة وكثيراً ما يكتبه المنتصرون”، أما التراث الإنساني فقد يتنازعه البشر، ولكن الثقافة والأثر راسخة ومنقوشة على كل باب وحجر.

المصدر : الجزيرة مباشر