هل تتغير السياسة الألمانية تجاه مصر بعد ميركل؟!

أنغيلا ميركل

ثمّة لغط كبير وتصريحات نارية متبادلة بين القاهرة وبرلين، على إثر محاكمة الناشط علاء عبد الفتاح والحكم عليه بالسجن 5 سنوات، و4 سنوات بحق اثنين من رفاقه.

تأتي الانتقادات الألمانية للقاهرة المتعلقة بانتهاكات شديدة في حقوق الإنسان، بعد أيام قليلة من تولي المستشار الجديد أولاف شولتز دفة الحكم في البلاد، فقد استبقت الخارجية الألمانية النطق بالحكم وأصدرت بيانًا قالت فيه “إن الحكم سيكون بمثابة إشارة للاتجاه الذي ستسير فيه قضية العدالة وحقوق الإنسان في مصر”. وفي إشارة ضاغطة ورافضة للحكم قبل النطق به، قال البيان إن الحكومة الألمانية “تتوقع الإفراج عن الموقوفين، خاصة أنهم رهن الاعتقال منذ عام 2019 على خلفية اتهامات بنشر أخبار كاذبة، مع أنها تعتبر أن حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي”.

وزارة الخارجية المصرية ردت سريعًا في بيان مضاد، وصفت فيه ذلك بأنه تدخّل سافر وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري، وقالت إن “افتراض نتيجة محددة مرفوض رفضًا تامًّا، لأن ذلك يمثل ضياعًا للعدالة المصرية ومبادئ سيادة القانون وفصل السلطات المنصوص عليها في الدستور”.

وعلى الفور، سارع مقدمو برامج التوك شو المصرية إلى عقد حفلة مسائية جماعية، وجهوا فيها النقد الحاد إلى بيان وزارة الخارجية الألمانية، وكالوا سيولًا من الشتائم إلى كل لجان منظمات حقوق الإنسان العالمية، واتهموها بالعمالة والعمل ضد مصر، في حين أن الرد بهذا المنطق الخالي من تفنيد أسباب الاتهامات يحيد عن السياق المهني الصحفي، وتتوه القضية، ولا يفهم أحد من هو صاحب الحق.

عدم الرضا

قد يبدو من هذا البيان أن الجانب الألماني غير راضٍ عن ملف حقوق الإنسان في مصر، وهذا ليس بجديد، فهو يعيدنا إلى نقطة منطلق هذا الصراع والاتهامات المتبادلة بين القاهرة وبرلين في بداية عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. فسرعان ما أعربت ألمانيا وقتها عن عدم رضاها عن الاعتقالات والانتهاكات التي تجري بمصر في ذلك الوقت، وقبل تصعيد الأمور احتوت القاهرة برلين وقتها بتوقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين أحدها كان أكبر صفقة في تاريخ شركة (سيمنس) الألمانية بلغت قيمتها نحو 8 مليارات يورو، تقوم فيه الشركة بإنشاء محطات للطاقة الكهربائية، ثم توالت الصفقات في خط إنشاء قطار العاصمة الجديدة، بجانب توقيع صفقات في مجال الأسلحة المختلفة، عندها اختفت النبرة الألمانية المنتقدة للسياسة المصرية الداخلية تمامًا، وحل محلها دفء عام في العلاقات، نجم عنه زيارات عدة للرئيس المصري إلى برلين، ومن ثم زارت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل القاهرة، وأصبحت العلاقات تسير في اتجاه المصلحة لكلا الطرفين، بغض النظر عن أي مسائل أخرى.

في هذا الإطار يمكن القول إن الرئيس المصري نجح في إقناع ألمانيا بوجهة نظره المتمثلة في فكرة استقرار مصر، حتى يتمكن من القضاء على الإرهاب، وفي الوقت ذاته يستطيع مساعدة أوربا في إيقاف الهجرة غير النظامية، الخطر الأكبر الذي يهدد الشواطئ الأوربية في حالة عدم السيطرة عليه.

معالجة هاتين النقطتين المحوريتين في العلاقات المصرية الألمانية جعلت برلين راضية عن الخط السياسي للقاهرة، بغض النظر عن أي ملفات أخرى ومنها حقوق الإنسان، واستمر ذلك النهج حتى غادرت المستشارة الألمانية مقعدها، فلم تحدث أي توترات في العلاقات، حتى إن الرئيس السيسي أثنى عليها، وقال في تغريدة لتوديعها “لقد تشرفت بالعمل المشترك والتعاون المثمر والتشاور المنتظم البنّاء طوال سبع سنوات مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.. تلك الشخصية العظيمة ذات النمط القيادي الفريد الذي يجمع بين الحكمة والقوة، والتي أنجزت طوال مسيرتها السياسية البراقة الكثير تجاه وطنها وشعبها وأوربا والعالم. لن تنسى مصر حكومةً وشعبًا ما قامت به المستشارة أنغيلا ميركل لصالح العلاقات المصرية الألمانية، ودورها في تعزيز الأواصر بين البلدين والشعبين الصديقين”.

هكذا كان الوفاء لميركل التي منحت الرئيس المصري قوة في وسط المجوعة الأوربية، حتى إنها -قبل يوم واحد من مغادرتها الحكم- أجازت صفقة أسلحة جديدة للقاهرة، تقوم من خلالها شركة (تيسن كروب) للأنظمة البحرية بتوريد ثلاث فرقاطات، كما تقوم شركة (ديل ديفينس) بتوريد 16 نظامًا للدفاع الجوي من طراز (إيريس- تي) إلى مصر.

حنق الحكومة الجديدة

وبما أن حكومة المستشار الألماني الجديد فوجئت بهذه الصفقة، فقد أثار ذلك حنقها، لأنها تعتزم تقييد بيع الأسلحة وسن قانون جديد بشأن توريدها إلى بعض الدول الضالعة في انتهاكات حقوق الإنسان أو نزاعات وحروب إقليمية.

الأحكام القاسية التي صدرت بحق الناشطين لم تقتصر على ألمانيا، فقد انتقدته أيضًا الخارجية الأمريكية ومنظمات حقوق الإنسان، وأصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا أشارت فيه إلى أن السلطات المصرية اتهمت الناشط علاء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر والمدوّن محمد رضوان (أكسجين) بارتكاب جرائم غامضة، مثل “نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد الأمن القومي”.

لم تكن هذه المرّة الأولى التي تصدر فيها أحكام، ولا المرة الأولى التي ترفض فيها القاهرة انتقادات موجهة إليها، بل إن الرئيس المصري صرّح في أكثر من مؤتمر صحفي دولي، بأنه يرفض توجيه الاتهامات إلى مصر بانتهاك حقوق الإنسان، وقال “إننا أكثر دراية بما يجري في الشأن الداخلي، ولسنا على استعداد لأخذ دروس من أحد”. وهذا يعني أن ما صرّحت به الخارجية الألمانية وإدارتها الجديدة لن يكون أكثر من زوبعة في فنجان، لآن أوربا -باختصار- غير مستعدة لممارسة أي ضغوط علي الدول التي تتهمها بانتهاكات في مجال حقوق الانسان، لآنها تضع المصلحة المادية فوق جميع الاعتبارات!

المصدر : الجزيرة مباشر