مرحلة ما بعد الجماعات “وجهة نظر”

موضوع جدير بالطرح والمناقشة يتوهج فترة ويخبو فترات، يدخل في مربع ما يسمى بالتقييم والمراجعات، يستوعب عددا كبيرا من الدعاة والمصلحين الذين ينشدون صلاح الدنيا بالدين، هم القطاع الأكبر في مربع معارضة الاستبداد والفساد، خاضوا تجارب كثيرة ومريرة لكن العائد لا يكافئ التكلفة الأليمة، من هنا كان الطرح.

جماعات الإسلام السياسي مصطلح مختلف عليه، ويرى البعض أنها أصبحت عبئاً على نفسها وأفكارها وشعوبها ودولها بل على الإسلام ذاته هكذا يرى البعض، الخلاف ليس في حق العمل والممارسة والاعتقاد فهذه حقوق إنسانية عامة وإن قيدتها كثير من القوانين والدساتير وهذا اعتبار مهم لأن هذه الجماعات تعمل داخل دولا ولا تعمل في الفراغ.

وتبقى المشكلة كما يراها البعض هي القالب الذي وضعت فيه هذه الجماعات نفسها، وهو قالب الجماعات الشاملة فكرا وتنظيما، نعم الإسلام منظور شامل، وهذا من أفضل ما أحياه الأستاذ البنا في مشروعه الفكري ومن أهم نجاحات جماعة الإخوان في ترسيخه، الجماعة لم ولن تخترع جديدا، المفهوم قديم قِدم الدين لكنه غاب لاعتبارات كثيرة.

الإشكالية الكبرى في الجماعات الدينية المسلحة والتي تمثل تهديدًا ليس على الأنظمة بل على الشعوب والجماعات

وأيضا مفهوم الشمولية كفكر واعتقاد موجود لدى الجماعات ولا يوجد هناك مشكلة، لكن الإشكالية هي إسقاط شمولية الإسلام على شمولية التنظيم وبذلك تتحول الجماعة إلى دولة داخل الدولة؛ دولة موازية، بل إن الواقع يقول إنها دول بتعدد الجماعات، تقوم مؤسسات البناء والتربية فيها على ترسيخ الولاء للجماعة قبل الدولة والوطن، بل إن أغلبهم لديه إشكالية فكرية وقيمية ووجدانية في مفهوم الدولة والوطن لتكون الأمة بديلا عنهما، منبع هذه الإشكاليات هو نمط التربية والتثقيف وانتقاء التفسير والتأويل للنصوص الدينية، وعدم مناسبتها الواقع وتحدياته.

قد تكون جماعات النضال السياسي السلمي لا تمثل عقبة كبيرة والأحداث والتجارب والتداعيات قد تجعلها تراجع وجهات النظر المطروحة ويتم التعديل المنشود “حركة النهضة التونسية نموذجا”، الإشكالية الكبرى في الجماعات الدينية المسلحة والتي تمثل تهديدا ليس على الأنظمة بل على الشعوب والجماعات الأخرى بل والإنسانية والشواهد خير شاهد “داعش نموذجا”.

مبرر هذه الرؤية

•• حرص النخبة العربية على تقليل التكلفة الفادحة للعمل الوطني ضد أنظمة الاستبداد والفساد والقمع، تقليل تكلفة السجون والمعتقلات والاخفاء القسري والقتل خارج القانون وغير ذلك.

•• استغلال نظم الاستبداد والفساد لهذه الأجواء للمزيد من الاستبداد والفساد والقمع ولكل التيارات والأشخاص.

•• حالة اللاحل مع الأنظمة المصرة على البقاء في منصات الحكم حتى لو كان الثمن سفك دماء الشعوب أو التنازل عن السيادة الوطنية، أو التفريط في التراب الوطني للبقاء في الحكم “بشار الأسد والسيسي نموذجا”.

•• الواقع والتجارب والنتائج تؤشر أن هناك أخطاء داخلية بنيوية في فكر وتنظيم هذه الجماعات وليس فقط أخطاء وتحديات خارجية من الأنظمة والمشروعات العالمية المتصادمة معها.

الخلاصة:

1- نعم، الاستبداد معطِّلٌ لإمكانيات الأفراد والأحزاب والجماعات والدول.

2- نعم، تجارب جماعات الإسلام السياسي خلال الـ100 عام الأخيرة توكد أنهم مصرون على الدخول من باب مغلق وغير قابل للفتح.

3- نعم، النضال السياسي للتغيير والإصلاح واجب وطني وفرض شرعي، لكن مراجعة الأهداف والأفكار والأساليب والوسائل والإجراءات لها نفس الموقف الوطني والحكم الشرعي.

4- نعم، تطوير الجماعات فكرا وتنظيما لتكون أكثر واقعية وجاهزية مسؤولية كل وطني وليس مسؤولية الجماعات وحدها.

5- نعم، جماعات الإسلام السياسي ثروة قوميّة بحاجة للحفاظ عليها وحمايتها ومساعدتها في تعديل مسارها لخير البلاد والعباد وليس محاربتها لأن صدامها مع الأنظمة وصدام الأنظمة معها استنزاف لموارد الوطن وفي المقدمة منتجها البشري المميز نسبيًا.

وجهة نظر

المصدر : الجزيرة مباشر