مرحلة ما بعد الجماعات ” وجهة نظر ” (2)

جماعات ” الإسلام السياسي” إحدى مكونات القوى الحية في المجتمع والتي يراهن عليها في الاصلاح والتغيير المنشود، والحفاظ عليها ومساعدتها في تعديل مسارها لخير البلاد والعباد واجب شرعي ومسؤولية وطنية.

كان من المأمول أن تقوم هذه الجماعات بالتعاون مع أهل الاختصاص في الدعوة وعلم الادارة والتنظيمات بعمليات المراجعة والتقييم والتطوير لاستكمال دورها الوطني وواجبها الشرعي في النهوض بالأوطان.

لكن الواقع بات يشهد أن هذه الجماعات لم ولن تقوم بعمليات التقييم والمراجعات المطلوبة للانتقال من واقعها المشهود إلى مستقبل منشود لاعتبارات خاصة بها دون غيرها، اعتبارات فكرية وثقافية وإدارية وتأويلات دينية لذا انتقل الرهان في تقيمها وتطويرها إلى المهتمين وأهل الاختصاص كمنهج علمي ودور وطني تستفيد منه الجماعات بالتطوير ويستفيد غيرها بتجنب التكرار وإعادة التدوير.

بمفهوم الشمولية التنظيمية، أصبحت الجماعة الواحدة دولة داخل الدولة

•• قالب الجماعة الشاملة الذي هو نتاج إسقاط شمولية الإسلام على شمولية التنظيم أنتج تحديات وتهديدات تعانيها الجماعات على مستوى الفكر والتنظيم وسلامة أمن الأشخاص والأموال والممتلكات فضلا عن التداعيات الناتجة ضد الإسلام نفسه، بالإضافة للتداعيات العامة على الشعب والوطن في ظل نظم عسكرية انقلابية لا يعنيها إلا وجودها وحدودها حتى ولو بالتفريط في ثروات الوطن ومقدراته وسيادته.

•• مفهوم الشمولية ذو وجهين، شمولية الإسلام التي تضيف للمسلمين فرصا واسعة في إدارة الحياة وإعمار دنياهم ووسائل متعددة لرصيد الحياة الآخرة، وشمولية التنظيم التي تسحب من رصيد الإتقان والجودة وتستنزف الجهود والموارد وتشكل عبئا يضيق حياة أعضاء التنظيم ويقلل إنتاجهم المجتمعي.

•• بمفهوم الشمولية التنظيمية، أصبحت الجماعة الواحدة دولة داخل الدولة وتعدد الجماعات شكل دويلات داخل الدولة لكل دولة ثقافتها ولغة خطابها ومشروعها.

•• كما أصبحت بعض الجماعات عابرة للحدود والقارات مما يصادم غالبية القوانين والدساتير المعمول بها محليا والملفت أن هذه الجماعات حين تحكم لا تسمح بوجود التنظيمات العابرة للحدود والقارات.

•• أيضا أصبح انتماء الأعضاء الفكري والعقدي للجماعة دون الدولة والعاطفة نحوها تغلب الانتماء الوطني.

•• تحميل الجماعات من الأعمال ما يفوق قدرات الأشخاص مما شكل عليها عبئأ واستنزافا في كل المجالات وقلل من جودة الفعل والإنتاج وكان الأفضل والأجود هو التخصص الوظيفي.

•• حرمان الوطن من كفاءات مميزة موجودة داخل الجماعات بسبب الموقف الأمني منها وبالمثل حرمان الجماعات نفسها من هذه الكفاءات نظرا لضيق أفق التنظيم وسعة أفق وانطلاق هذه الكفاءات.

•• غلبة نمط التربية المغلقة أنتج نماذج مع إخلاصها ونقائها ونظافتها لكنها تعيش لدويلة الجماعة لا لدولة الوطن وربما تعيش في عالم غير العالم.

•• قد يرى قيادات وأعضاء الجماعات غير ذلك وهذا وارد وطبيعي، لكن لكي تكتمل الصورة ينبغي أن تهتم هذه الجماعات برؤية الآخر لها والصورة الذهنية لدى الخصوم ولا تتعامل وكأنها في عالم وحدها، راجع تغير الموقف الغربي من جماعة الإخوان والذي كان ينظر إليها كحائط صد يحمي الأنظمة والمصالح من الجماعات المسلحة والمتشددة إلى تصنيفها كحزام ناقل للتشدد والإرهاب.

هناك عدة محاولات وجهود فردية وجماعية بذلت في ما بعد العام 2013، في تقييم وتقويم هذه الجماعات

وفي الأخير دخول الجماعات في صراع وصدام مع كل الأحزاب والأشخاص ومؤسسات الدولة للشعور العام بأنها أصبحت دولة موازية وربما دولة جديدة مما جمع عليها خصومات وعدوات فوق الطاقة.

هناك عدة محاولات وجهود فردية وجماعية بذلت في ما بعد العام 2013، في تقييم وتقويم هذه الجماعات بهدف مساعدتها وغيرها في النهوض والتطور بما يناسب الواقع الجديد وتحدياته، منها، ندوة مركز الجزيرة للدراسات في سبتمبر 2016، وندوة ميلانو ديسمبر 2018، لذا ادعو من يهمه الأمر وهم كثر: مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية بإسطنبول ورئيسه د. طارق الزمر نموذجا، لاستكمال هذا الجهد المشكور للوصول للهدف المأمول.

 

المصدر : الجزيرة مباشر