الواقع الجديد في القضية الفلسطينية

وصول صواريخ المقاومة إلى تل أبيب

أعتقد أن هناك واقعاً جديداً على الأرض أفرزته المواجهات الفلسطينية- الإسرائيلية الحالية، يمكن إجماله في عشر نقاط، سوف تفرض نفسها الآن وفي المستقبل، تتمثل في الآتي:

 أولا: أصبح العالم أمام واقع جديد اسمه القضية الفلسطينية، هذا الواقع الذي كان قد توارى تماماً وأصبح في طي النسيان، نتيجة عوامل كثيرة، بل كنا قد دخلنا في واقع جديد اسمه التطبيع، والانبطاح، وأحياناً العمالة والخيانة.

ثانياً: نحن الآن أمام واقع جديد اسمه حرب المدن، فلم تعد هناك مدينة إسرائيلية خارج نطاق العمليات العسكرية، بالتالي لم يعد هناك اسرائيلي واحد في مأمن، وهو ما سيغير من الفكر الإسرائيلي العسكري والمدني في آن واحد.

ثالثاً: نحن الآن أمام واقع جديد اسمه: الفلسطينيون وفقط، وليس العرب، ذلك أن القضية كان يجب من البداية أن تكون فلسطينية مجردة، لأن التدخل العربي هو الذي أفسدها منذ فصولها الأولى، بالخيانة تارة، والتقاعس تارة أخرى.

رابعاً: نحن الآن أمام واقع جديد سوف يفرض نفسه على مسار أي مفاوضات قادمة، بعد أن أصبح هناك ما يشبه توازن القوى، مما سيرفع من سقف المطالب الفلسطينية على كل المحاور.

 خامساً: نحن الآن أمام واقع جديد اسمه: إسرائيل القابلة للهزيمة، بل والهزيمة الساحقة، من فصيل مسلح ليست لديه مصالح من أي نوع يخشى عليها، بل لديه عقيدة راسخة تتمثل في إيمانه بقضيته.

سادساً: نحن الآن أمام واقع جديد اسمه: عرب ٤٨ أو عرب الداخل الإسرائيلي، الذي كانت ترى فيه إسرائيل أنه استكان وخضع للأمر الواقع، وقد مثل ذلك مفاجأة كبيرة للعالم أجمع.

سابعاً: هناك واقع جديد يتعلق بفلسطينيي الضفة الغربية، الذين لم يتأثروا لا بنظرية دايتون، ولا اتفاقية أوسلو، ولا بالتنسيق الأمني، واكتشفت إسرائيل فجأة كما السلطة الفلسطينية أن كل ذلك كان سراباً.

ثامناً: نحن الآن أمام واقع جديد يتعلق بالشعوب العربية، التي لم تعد تعير أي اهتمام بالمواقف الرسمية المتخاذلة لقادتها، وظهرت الفجوة الكبيرة من خلال السوشيال ميديا بشكل خاص.

 تاسعاً: نحن الآن أمام واقع شعبي جديد، لم يعد يأبه للمؤتمرات، سواء العربية أو الإسلامية أو الأممية، وبصفة خاصة مواقف العواصم الأوربية، حيث أصبحت القناعة فقط بما يجري على أرض الواقع، ولغة القوة بشكل خاص، بعد أن جربت الشعوب قروناً طويلة من المؤتمرات والتصريحات وبيانات الشجب والاستنكار دون جدوى.

 عاشراً: أصبحت إسرائيل تحديداً أمام واقع جديد، يتمثل في أن التطبيع مع كل الدول العربية وهم وسراب، إذا لم يكن هناك تطبيع مع الفلسطينيين، كما أن التطبيع مع الفلسطينيين هو الطريق الوحيد للأمن والأمان، حتى إذا لم تكن هناك علاقات مع أي دولة عربية، ذلك أن القضية فلسطينية أولاً وأخيراً.

الهيمنة العسكرية الإسرائيلية لم يعد لها وجود، حتى على مستوى المواجهات البرية

كل هذا الواقع الجديد سوف يغير بالتأكيد المعادلات كاملة، معادلة المفاوضات بين الطرفين، معادلة المطالب الفلسطينية، معادلة التفكير الإسرائيلي، معادلة توازن القوة، معادلة التهجير والاستيطان واحترام المقدسات، مع الوضع في الاعتبار أن عامل الوقت لم يعد في صالح دولة الاحتلال، ذلك أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين الآن أصبحوا يفتقدون للأمن والأمان، وهو ما يجعل الهجرة العكسية، أو العودة إلى أوطانهم الأصلية أمراً مطروحاً بقوة، مادام الأفق لا يبشر باستقرار من أي نوع.

وهنا تجدر الإشارة إلى الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت ثماني سنوات (١٩٨٠- ١٩٨٨) ولم تتوقف إلا بعد أن طورت الدولتان في توقيت متزامن صواريخ متوسطة المدى، طالت هنا وهناك، أصبح يستيقظ على وقعها سكان مدينتي بغداد وقم في آن واحد، وهو الأمر الذي جعل كلا الطرفين يسعيان إلى إيقاف الحرب بأي ثمن وأية شروط، وكانت الجملة الشهيرة للإمام الخميني وقتها، بالموافقة ((وكأني أتجرع السم).

المؤكد فيما يتعلق بقضيتنا هنا، هو أن الهيمنة العسكرية الإسرائيلية لم يعد لها وجود، حتى على مستوى المواجهات البرية، وإلا لكانت أقدمت على اجتياح غزة منذ الساعات الأولى للمواجهات، بل الأكثر من ذلك هو أن أي مواجهة مقبلة مع حركة حماس، سواء بعد عدة شهور أو أكثر، أو عام أو أكثر، يمكن أن تفاجئ إسرائيل بسلاح مضاد للطائرات، أو قبة حديدية فلسطينية، وهو ما ينزع عن جيش الاحتلال أي تميُّز جوي، وهو التميز الذي منحها في المرحلة الحالية حرية هدم منازل المواطنين العزل، أو الأبراج السكنية التي لم يكن لأصحابها أي ذنب اقترفوه، اللهم إلا كونهم فلسطينيين.

الأشقاء في فلسطين المحتلة أدرى بشعابها، وهم وحدهم الأقدر على تحريرها، وهذا هو الواقع الجديد الذي يجب وضعه في الاعتبار، وإن جاء متأخراً

يجب أن نعترف بأن العواصم الغربية، كما المنظمات الأممية، ما زالت غير منصفة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديداً، لأسباب تاريخية تتعلق بالانحياز لإسرائيل ومؤامرة نشأتها، وهو ما جعلها دائماً خارج المساءلة الدولية حال ارتكاب أي جرائم حرب، بل عدم اعتدادها بعشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، كما يجب أن نعترف بأن موقف الدول العربية ليس على المستوى المأمول شعبياً على الأقل، لأسباب تتعلق بضعف وهشاشة الأنظمة في الداخل وحاجتها إلى دعم الخارج، إلا أن فرض المقاومة الفلسطينية، وفي طليعتها بالطبع حركة حماس، للأمر الواقع على الأرض، يمكن أن يغير الكثير عربياً ودولياً، بل وإسرائيلياً بالدرجة الأولى، ذلك أن أصواتاً إسرائيلية واسعة أصبحت تتحدث عن أن أحداً (لن ينفعنا) في إشارة إلى أن القضية يجب أن تكون إسرائيلية خالصة، بتنازلات واضحة.

الشعب الفلسطيني أصبح يعي تماماً أن أكثر من ثلثي مستوطنات الضفة الغربية، تم إنشاؤها في أعقاب اتفاقيات أوسلو والتفاوض مع دولة الاحتلال، في الوقت نفسه وبالتزامن كان الجلاء عن غزة وتحريرها بفعل المقاومة المسلحة، وهو ما يؤكد أن النضال المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير الأرض من محتل غاصب لا يحترم أي اتفاقيات، ولا يحترم الخصم الضعيف.

بقي أن نشير إلى أن الأشقاء في فلسطين المحتلة أدرى بشعابها، وهم وحدهم الأقدر على تحريرها، وهذا هو الواقع الجديد الذي يجب وضعه في الاعتبار، وإن جاء متأخراً. فقد شهد لهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
فهم ليسوا في حاجة إلى دعم العرب، ولا شهادة العجم، دعوهم وشأنهم، كفاهم مراوغات من هنا، ومؤامرات من هناك، من يستطيع دعمهم بالعتاد العسكري فليفعل وأجره على الله، ومن اعتاد الجبن فليصمت وما أكثر الجبناء.

المصدر : الجزيرة مباشر