القوى الحية والمسؤولية الوطنية “الإخوان نموذجا “

الثورة المصرية

القوى الحية في المجتمع هي مجموع العناصر والمكونات الفاعلة والنشطة صاحبة الفعل والتأثير الإيجابي بغض النظر عن حجمها كبيرة أم صغيرة وعن شعبيتها واسعة أم محدودة وعن أيدولوجيتها دينية أم فكرية ، الأكثر أهمية أنها  تسعى للإصلاح والتغيير ليعيش الشعب حياة  تليق به من العيش والحرية والكرامة الإنسانية وفقا للمتاح لها والممكن، يدخل في هذا المربع الشخصيات والجماعات والجمعيات والأحزاب والنقابات والمراكز البحثية والمنصات الإعلامية والمنظمات الحقوقية والجامعات وبعض مؤسسات الدولة ، القوى الحية عليها مسؤولية نحو المجتمع وللمجتمع مسؤولية نحوها، أي تحكمهما معادلة الحقوق والواجبات المتبادلة باتزان مجتمعي وإنساني راق.

نموذج الإخوان

اتفق أو اختلف معهم هذا حقك، لكن اعلم أن لهم أيضا حقوقا، هكذا هي معادلات الحياة وفقا لسنن الكون المتزنة دائما حتى نرتقي  لمستوى الدول التي يحكمها الدستور والقانون والأعراف الراسخة، فبرغم كل ما يؤخذ على الجماعة من مآخذ على مستوى  الفكرة والمنهج والتنظيم وغير ذلك وهذا في ميدان الطبيعي والوارد، فإن فكرة الإخوان ومنظومات القيم التي يدعون إليها مازالت تحمل الصلاحية ولفترات زمنية طويلة خاصة أنها جربت  وقدمت وأنتجت في مجال  الخدمات المجتمعية والنقابات المهنية والمؤسسات البرلمانية وأيضا ما زالت المجتمعات العربية بحاجة إلى الجماعة ومشروعها وما زالت شعبية الجماعة تمثل رقما مؤثرا في المشهد لا يمكن تجاهله (راجع الانتخابات الأخيرة في تونس والجزائر وراجع أيضا لماذا يضيق على الإخوان بهدف شطبهم من المشهد العام في مصر وبعض دول الخليج).

قد يرى البعض ومنهم قطاع من الإخوان، أن الجماعة أنهت رسالتها وأكملت دورة حياتها وحانت لحظة التغيير والإحلال والتبديل بمعنى أنه لا مستقبل للجماعة لاعتبارات يراها هذا القطاع من واقع تجاربه وممارسته “وجهة نظر”.

وقد يرى البعض “بقايا الجماعة الآن“ أن الجماعة تعيش مرحلة تمر بها كل الجماعات والكيانات بل والدول والحضارات عندما تواجه الصراعات والصدمات خاصة في غياب توازن القوى والإمكانات وأن الجماعة قدمت كل ما تملك لكن حجم المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية يفوق الطاقة والوسع وأنه يسقط دولا وليس مجرد جماعة ، وأن  الزمان سيدور دورته وتعود الجماعة لسابق عهدها وأفضل  كما تكرر من قبل عدة مرات.

من هنا كانت الحاجة ملحة إلى تيار وطني جديد

وقد يرى البعض، أن الجماعة ما زالت تملك مقومات الوجود والحدود وأن المجتمعات والشعوب مازالت بحاجة إليها في المجال المجتمعي والدعوي، لكن مجال الحكم والسياسة له شأن آخر يفوق طاقة الجماعة والأحزاب لطبيعة البلاد والعباد والمحيط الإقليمي والدولي وقد عشنا وما زلنا نعيش هذه الاعتبارات.

كما يرى البعض الأخر، أن للجماعة وغيرها من مكونات المشهد المصري رصيدا معتبرا ومقدرا؛ لهم وعليهم ، لكن التجربة  المعاشة والتي لم نخرج منها بعد تؤكد حتمية  وجود مناخ آمن وتيار ضامن يحرس إرادة الشعب ويحميها ويمنع توغل أجهزة النظام في مؤسسات الدولة ، ويتيح الفرص الكاملة أمام الكيانات العاملة بعيدا عن الانقلابات العسكرية الدموية التي لا يقدر أى كيان سلمي على مواجهتها والصدام معها

من الطبيعي أن تقوم الدولة بهذا الدور من خلال مؤسساتها المستقلة كما هو الحال في الغرب، لكن الواقع عندنا أنه تم اختزال الدولة ومؤسساتها في نظام الحكم ثم اختزالها في شخص الحاكم وأصبح الواقع ليس استقلالا بل تبعية وإذلالا.

من هنا كانت الحاجة ملحة إلى تيار وطني جديد بخلفية وطنية وتبقى الايديولوجيات الفكرية والدينية حقوق لأصحابها، تيار وطني جديد يمثل حاضنة شعبية ووطنية لكل مكونات المشهد ويمثل صمام أمان ووثيقة ضمان لإرادة الشعب حتى لا ينقلب عليها أحد، ” الشعب التركي نموذجا في التصدي  لانقلاب يوليو/تموز 2016″

الخلاصة، إن القوى الحية كيانات بشرية لها وعليها ، لكنها تبقى ثروة المجتمع وأهم موارده وأدواته في التغيير والإصلاح المنشود ، يحكمها القبول أو الرفض الشعبي وفقا للنظم الديمقراطية ، ولا تحكم عليها الانقلابات العسكرية بالدبابة والبندقية .

المصدر : الجزيرة مباشر