فضائح برنامج “بيغاسوس” للتجسس!

احتجاجات ضد استخدام برنامج التجسس

مثل كرة الثلج المتدحرجة تظهر المعلومات الكارثية والفضائح عن برنامج التجسس بيغاسوس “Pegasus” الإسرائيلي من شركة “NOS”، وذلك بعد تقرير استقصائي شارك فيه 80 صحفيا من 17 مؤسسة صحفية وإعلامية حول العالم، فقد بَدَا للكل أن جميع الدول تتجسس على بعضها بعضا حتى الدول الصديقة التي بينها علاقات قوية!

ويمكن لبرنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي رصد الصور، وتسجيل المكالمات والمحادثات، فضلًا عن تسجيل تحركات الشخص، وتتبع موقعه في الوقت الفعلي بدقة بالغة، وذلك من خلال تقنية متقدمة لا تشترط حتى أن يفتح الشخص المرصود رابطًا لإصابة هاتفه، مما جعله برنامجًا خبيثًا يصعب مراقبته أو معرفته، فهو يقوم بحذف نفسه بعد أداء مهمته، مما جعل رصد المستهدفين من هذا البرنامج صعبًا، سواء ما زال على أجهزتهم، أم تم حذفه.

وذكر تقرير لـصحيفة “الواشنطن بوست” ضمن تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة”، أو “Forbidden Stories” للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية للتحقيق في معلومات مرتبطة بمجموعة “NSO” الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية، التي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم؛ أن القائمة ضمّت 50 ألف رقم تم اختيارها لإخضاعها للمراقبة والتجسس عبر برنامج “بيغاسوس”، الذي تنتجه الشركة الإسرائيلية، منها 3 رؤساء، هم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، و10 رؤساء حكومات، وملك واحد، هو ملك المغرب محمد السادس، ووجد التحقيق الاستقصائي أن هواتفهم كانت ضمن قائمة الأهداف المحتملة للمراقبة.

تورط الإمارات

ومن الغريب أن صحيفة “الجارديان” البريطانية، كشفت عن تورط دولة الإمارات العربية في إدراج مئات الهواتف البريطانية للتجسس عليها من خلال برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي، بل إن أعضاء مجلس اللوردات بين أكثر من 400 شخص في المملكة المتحدة، كانوا جميعًا في قائمة مسربة من الأرقام التي حددتها حكومات دول، بينها الإمارات للتجسس عليها باستخدام برنامج “بيغاسوس” بين عامي 2017 و2019.

وكشفت الوثائق الصادرة عن المنظمة الدولية تفاصيل حصول الإمارات على أداة اختراق إسرائيلية خاصة للتجسس، واستخدامها ضد مسؤولين يمنيين، وناشطين معارضين لها، بعد أن دفعت 5 ملايين دولار إلى مجموعة كانديرو الإسرائيلية.

الغريب أيضاً أن هناك ضابطًا في جهاز الأمن الإماراتي كشف على حسابه عبر موقع “تويتر” باسم “بدون ظل”، أن جهاز الأمن الإماراتي استخدم برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي في التجسس على اتصالات بعض القيادات المصرية، وشخصيات أخرى سياسية دولية بارزة، منهم وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، ووزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني.

ولم تترك الإمارات باكستان -حسب المصدر ذاته- فقد تجسست على ثلاثة وزراء باكستانيين؛ وهم “وزير الخارجية شاه محمود قريشي، ووزير الداخلية شيخ رشيد أحمد، ورئيس الأركان الجنرال قمر جاويد باجوا”.

كما تجسست الإمارات -حسب كلامه- على رئيسة الحزب اليميني المتطرف الفرنسي ماري لوبان، وعلى زارا محمد رئيس المجلس الإسلامي في بريطانيا، وعلى مدير عام قناة العربية ممدوح المهيني، وسهّلت لإسرائيل اختراق هواتف القيادات العسكرية، والاطلاع على كافة تفاصيلهم الشخصية والوظيفية والخطط العسكرية في بعض الدول العربية ومنها مصر.

مصر هدفا لـ”بيغاسوس”

التقارير الخاصة بفضيحة “بيغاسوس” أشارت إلى التجسس على وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزير المالية محمد معيط، ووزير الاتصالات السابق، ياسر القاضي، ووزير العدل السابق، حسام عبد الرحيم، وأشارت التقارير إلى أن معظم الوزراء تمّت مراقبتهم أواخر مارس 2019، وذلك حسب الوثائق التي نشرتها المنظمة، وموقع فوربيدن ستوريس عن فضيحة البرنامج الإسرائيلي ، ورغم التحالف الوثيق بين مصر والسعودية خصوصًا بعد تنصيب السيسي رئيسًا للبلاد عام 2014، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا على ما يبدو لتعزيز ثقة المملكة في الجمهورية المصرية، ولم يمنعها من محاولة التنصّت على وزير الخارجية المصري.

ولم تحدّد التسريبات والوثائق مضمون الاتصالات التي قد تكون مراقبة، أو هدفها، وبالتالي لا يمكن معرفة أسباب محاولة التنصت على شكري، ووزارة الخارجية المصرية، والوزراء الآخرين، ولكن لا ننسى أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، يحمل في الفترة الأخيرة ملفات هامة بالنسبة لمصر؛ أهمها ملف المياه والسد الإثيوبي، وهى القضية الأبرز والأهم لمصر، حيث تتعلق بأمنها القومي، وحياة المصريين.

ماكرون.. وملك المغرب

وقد كان الرئيس الفرنسي ماكرون وكامل فريقه الحكومي تحت مرمى برنامج التجسس “بيغاسوس” من قِبل السلطات المغربية، مما حدا بماكرون لعقد اجتماع أمني، بينما استنكرت المغرب هذا الأمر، ولكن التقارير قالت إنه بالإضافة إلى ذلك ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أنه وبحسب المعطيات، التي اطلع عليها موقع فوربيدن ستوريز؛ فإن السلطات المغربية تجسست بشكل كبير على الجزائر بين العامين 2017 و2019، وأن الهواتف المحمولة لمسؤولين جزائريين كبار مدنيين وعسكريين قد تم اختراقها، إضافة إلى اختراق آلاف الهواتف المملوكة لشخصيات جزائرية.

والغريب أن المغرب يتحول في بعض التقارير إلى هدف للتجسس في ملهاة غريبة، حيث قالت التقارير إن العاهل المغربي محمد السادس ومحيطه القريب كانوا هدفًا لبرنامج التجسس الإسرائيلي، حيث ذكر موقع “فوربيدن ستوريز” أن أرقام هواتف العاهل المغربي، وزوجته سلمى بناني، وابن عمه الأمير مولاي هشام؛ كانت من بين الأرقام التي تم التعرف عليها ضمن قائمة الأهداف المحتملة لبرنامج التجسس.

هكذا فضح برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” علاقات الدول، وكشف أن جميع الدول تتجسس على بعضها بعضا في عمل غير أخلاقي ترفضه الأعراف الدولية والدبلوماسية، خاصة أن هناك دولًا تربطها علاقات قوية ببعض في الظاهر، ولكن يبقى هناك سؤال هام: على مَن تجسست إسرائيل؟ ومَا الدول والشخصيات التي كانت هدفًا لنيرانها؟! خاصة وأنها صاحبة البرنامج، وهي مَن تبيعه للدول، وهي الدولة التي تُعادي العرب والمسلمين في كل مكان.

سوف تستمر كرة الثلج في التدحرج؛ لتكشف كل يوم عن مزيد من الفضائح في عملية تجسس إلكترونية متشعّبة، قد تكون هي الأكبر في هذا القرن، وقد تكون بدايات لفرض عقوبات على بعض الدول، وبداية عداوات مع دول أخرى؛ بهدف الابتزاز، ونهب الأموال بشتى الطرق.

المصدر : الجزيرة مباشر