في تغييب العقول وإرباك الوعي!

ضد الاخوان.. "صورة إرشيفية"

ظلت النخبة الليبرالية ولسنوات طوال تهاجم مكونات الحركة الإسلامية تحت عناوين السمع والطاعة والثقة والتفويض للمستويات التنظيمية العليا، ليس التفويض في التنفيذ فقط بل في التفكير والتخطيط واتخاذ القرارات المصيرية، وفي هذا نسبة كبيرة من الحقيقة والواقع لطبيعة التنظيمات المغلقة عموما والعقدية منها بصفة خاصة، والتي برغم مدنيتها يغلب عليها الطابع العسكري الصارم في المصطلحات والمفاهيم والممارسات والعلاقات والقواعد، والشواهد كثيرة في هذا الصدد.

هذه النخبة الليبرالية أسهمت وبشراكة تضامنية فيما أخذته على الحركة الإسلامية حين استدعت المؤسسة العسكرية لإزاحة الإخوان من الحكم ومن المشهد العام وحين ساهمت بفاعلية في تغييب العقول بإطلاق الشائعات وطمس الحقائق وإخفاء المعلومات بهدف شيطنة الإخوان وتمهيد الطريق للمؤسسة العسكرية تحت شعار “بيادة العسكر لا لحى الإخوان” ولو كان الشعار “كاب العسكر لا لحى الإخوان” لارتقوا بأنفسهم من تحت الأقدام إلى فوق الرؤوس ولكن كل يختار لنفسه ما يليق به.

هناك قصور وأخطاء للإخوان والنهضة وغيرهما من الأشخاص والكيانات في مصر وتونس والمغرب والجزائر

ما زالت أغلبية التناول للانقلاب العسكري على إرادة الشعب في مصر والإجراءات الاستثنائية في تونس والتي صنفها أغلبية المهتمين بأنها انقلاب مع سبق الإصرار والترصد، في الحالتين كانت النخبة الليبرالية والتي فتحت لها كل المنافذ الإعلامية والأرصدة المليارية تصب في مربع واحد هو فشل الاسلام السياسي وبالأدق فشل الإخوان في مصر وتونس، وهو كلام يغلب عليه الخصومة السياسية لدرجة اعتبار إزاحة الإخوان من المشهد هو الإنجاز الأعظم في العقود الأخيرة نفس الحالة في تونس عندما انتفضت الأبواق الإعلامية وفرق الموالاة تحت عنوان “تونس تنتفض ضد الإخوان”.

نعم هناك قصور وأخطاء للإخوان والنهضة وغيرهما من الأشخاص والكيانات في مصر وتونس والمغرب والجزائر وغيرهم، لأنها طبيعة الممارسات الإنسانية التي لها وعليها.

قصور الكيانات وأخطاؤها ينعكس سلبا على رصيدها ومشروعها وشرعيتها بانصراف المؤيدين والأنصار وضعف التصويت والاختيار وتآكل الشعبية والانحسار، بمعنى ممارسات وأخطاء سياسية يقابلها تداعيات سياسية قانونية لا تداعيات الانقلابات العسكرية الدموية ولا انقلابات مدنية وانتزاع السلطات، فليس من المعقول ولا المقبول أن تكون أخطاء الإسلام السياسي في ممارساته وترتيباته وعلاقاته الداخلية مبررا للكوارث التي تعيشها البلدان من انقلابات واستبداد وفساد وقمع.

ما تعيشه النخبة وتشارك فيه هو تغييب العقول وإرباك الوعي بقصد ومن دون قصد، بل هو دعم الاستبداد والفساد لأنهم يمنحونه المبررات والدوافع لجرائم في حق المواطن والوطن معا، وإن أنصفت لتناولت أخطاء كل الأطراف دون انحياز لطرف دون طرف.

على النخبة الليبرالية وبقايا قيادات الحركة الإسلامية إعادة النظر فيما مضى

النخبة الليبرالية تدعي أنها طليعة الحداثة والتنوير والديمقراطية والحريات، والواقع أنها بعدائها غير المبرر لحركات الإسلام السياسي تقع في أخطاء عدة منها:

•• منح أنظمة الاستبداد مبررات البطش والعنف وتجاوز القانون وانهيار العدالة بحق الملايين من الحركة الإسلامية وأنصارها الذين يملؤون السجون المصرية ولم يدافع عنهم أو يطالب حتى بحقوقهم كمساجين لا النخبة الليبرالية ولا المؤسسات الحقوقية الليبرالية وكأنها ترى أن السجون هو المكان الطبيعي لهم.

•• تغييب العقول وإرباك الوعي للملايين من أبناء الشعب الذين  تختلط  عليهم الأمور بين الحق في التعبير والممارسة والصواب والخطأ وبين النظرة العدائية لمعارض النظام والحكم واتهامهم بالخيانة والعمالة وغير ذلك من الأوصاف التي قد يترتب عليها احتراب أهلي وانقسام مجتمعي.

•• وضع المزيد من العقبات في طريق اندماج الملايين من أنصار الحركة الإسلامية داخل المجتمع وزيادة الاغتراب والاحتراب، بزعم أن الدولة ومؤسساتها والنخبة تأخذ موقفا عدائيا من هؤلاء.

وأخيرا، على النخبة الليبرالية وبقايا قيادات الحركة الإسلامية إعادة النظر فيما مضى من أخطاء وخطايا والتفكير في حاضر ومستقبل الوطن الذي يعاني شعبه من سوء المعيشة وانهيار الحقوق منذ عقود وما زال.

 

المصدر : الجزيرة مباشر