كيف تعيش مئة عام؟ قصة قرية المعمّرين في اليابان!

الغلاف يحمل أزهار الساكورا

انتهيت مؤخراً من قراءة كتاب ملهم للغاية بعنوان: “إيكيجاي- السر الياباني لعيش حياة مثمرة وسعيدة”، من تأليف هيكتور جارسيا وفرانسيسك ميراليس، وعنوان الكتاب مثير لي في الواقع ولهذا سارعت لاقتنائه!

الغلاف بسيط للغاية حيث يوجد فيه أزهار الساكورا والتي تحمل رمزية مهمة لمعنى الحياة والموت والوحدة والسعي لتحقيق الكمال، وكلها عناصر مهمة في الثقافة اليابانية.

أما خلفية الغلاف فهي توضح أسباب الوجود في الحياة في صورة أربعة دوائر متداخلة تمثل كل دائرة منها سؤلا مهما، ماذا تحب؟ وماذا تجيد؟ وما الذي يحتاجه العالم منك؟ وأخيرا ما الثمن الذي ستدفعه لتحقيق كل هذا؟ تلك الأسئلة التي تحاول تحديد الإيكجياي الخاص بك.

يشير المؤلفان في مقدمة الكتاب إلى كيف بدأت فكرة هذا الكتاب بالتبلور في رأسيهما، وكان هذا حين تلاقا سويا لأول مرة في حانة صغيرة في طوكيو. وعلى الرغم من أنهما قد قرآ أعمال بعضهما البعض لكنهم لم يلتقيا قط قبل هذا، بسبب آلاف الأميال التي تفصل بيهما، رغم أنهما كاتبان إسبانيان، فالأول فرانسيسك ميراليس يعيش في برشلونة في إسبانيا، والثاني هيكتور غارسيا ولد في إسبانيا وعمل في CERN بسويسرا قبل أن ينتقل للعيش في اليابان منذ أكثر من 14 عاما، حيث يحيا في طوكيو، بدا منذ اللقاء الأول أن هناك توافقا بين الاثنين في اتجاهاتهما الفكرية والعقلية، وفي مقابلتهما الثانية بعد عام راحا يتحدثان عن الاتجاهات الحديثة في علم النفس الغربي وتحديدا بشأن (اللوغو ثيرابي) وهو نهج علاجي حديث يساعد الناس على إيجاد هدفهم في الحياة، وأن الدكتور فيكتور فرانكل الذي طور هذا العلاج قد خرج عن المألوف في ممارساته العلاجية، وسلك طرقا جديدة مختلفة عن المعالجين الآخرين الذين اتجهوا لمدارس أخرى في علم النفس.

تناقشا بعدها بشأن البعض الذين لا يزالون يبحثون عن معنى ما يفعلونه في حياتهم، أو كيف يعيشون. تلك القضية الشائكة التي لا إجابة قاطعة بشأنها منذ بدء الخليقة، فجميعنا في وقت ما يشغله مثل تلك الأفكار فنتساءل:

‎ما هو المغزى الحقيقي لحياتي؟ وهل المسالة هي أن أعيش لفترة أطول من الزمن، أم يجب أن أبحث عن غاية أسمى؟ ولماذا يعرف بعض الناس ما يريدونه ولديهم رغبة متوهجة وشغف بالحياة، بينما يعاني البعض الآخر من الحيرة والارتباك؟

وعند نقطة ما في حديثيهما، ظهرت الكلمة الغامضة (إيكيجاي) هذه الكلمة اليابانية التي تتكون من مقطعين: Iki وتعني الحياة، وgai  ومعناها قيمة أو معنى، أو أن تكون ذات جدوي، ليصبح تعريف هذا المصطلح “معنى الحياة”.

المعمّرون

في هذا الكتاب يحدثنا الكاتبان عن قرية يابانية صغيرة تدعى (أوجيمي) في أوكيناوا، وهي القرية شهيرة بأنها موطن أكبر عدد من المعمرين في العالم، الذين تفوق أعمارهم المئة عام، ورغم اعمارهم الطويلة تلك إلا أن أغلبهم لا يزالون يتمتعون بصحة جيده بما يكفي لمواصلة مهام حياتهم اليومية، كان السؤال عن سر هذا العمر الطويل والصحة الجيدة التي يتمتع بهما أغلب قاطنيها، هل يكون السر في  حميتهم الغذائية التي يتبعونها، أم تراه في حياتهم البسيطة، وخاصة أنهم لا يعيشون حياة أطول بكثير من بقية سكان العالم فحسب، بل يعانون أيضًا من عدد أقل من الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب.

يخبرنا الكاتبان في الكتاب عن معتقدات أهل تلك البلدة، فهم يؤمنون أن حياة أي شخص لها هدف محدد وأن على هذا الشخص العمل على تحقيقه، أيضا كان المبدأ الأساسي الذي يعيشون به “تعامل مع كل شخص على أنه أخاك حتى ولو لم تره من قبل”.

فهل الإيكيجاي، أو معنى الحياة، هو السبب في وجود عدد أكبر من المعمرين في أوكيناوا أكثر من أي مكان آخر؟ وهل هي سر حياتهم الطويلة والسعيدة؟

يتحدث الكتاب عن أن كل شخص منا لديه رغبة وموهبة خاصة في داخله من شأن هذه الرغبة والموهبة جعل الحياة لها معنى وهدف وأن نشارك أفضل ما في أنفسنا حتي النهاية، وإذا لم تكن تعرف الإيكيجاي الخاص بك يقول فيكتور فرانكلين “أن مهمتك هي أن تكتشفه”.

بعدها يحدثنا الكاتبان بصورة مفصلة عن الإيكيجاي، ويخبرانا أن لها 10 قواعد أساسية وهي:

1- ابقي نشيطًا ولا تتقاعد.

2- اسعي بهدوء ومهل.

3- لا تملأ معدتك.

4- احط نفسك بدائرة أصدقاء جيدين.

5- اجعل جسدك متناسق لعيد ميلادك القادم.

6- ابتسم.

7- تواصل مع الطبيعة.

8- قدم الشكر.

9- عش اللحظة.

10- اسعي وراء الإيكيجاي الخاص بك.

الحد من التوتر

إذن فالكتاب وبعد دراسة أسلوب حياة الناس في أوكيناوا-أوجيمي، يحاول تقديم الإجابة للتساؤلات كلها، لماذا يعيش أهالي تلك البلدة لفترة أطول من باقي البشر؟ ولماذا يتمتعون بالصحة وندرة أمراض الشيخوخة؟ هل تكون الإجابة لأن لديهم فلسفة ومفهوم آخر للحياة؟ وهل وجدوا الإيكجياي الخاص بهم الذي يعطي معنى لحياتهم؟

أراد المؤلفان أن يقدما رسالة للقارئ مغزاها لكي تحيا طويلا في صحة وسعادة فعليك أن تبحث عن هدف تتمنى تحقيقه، وأن تفعل الاشياء التي تحبها، كما قدم الكاتبان نصائحهم حول كيفية العيش والتقدم في السن بشكل صحي. مع التأكيد على أهمية أن يبقى المرء على مقربة من الطبيعة، وأن يحافظ علي الروابط الاجتماعية القوية مع العائلة، الأصدقاء، الجيران والحد من التوتر لما له من تأثير سلبي على صحتنا. كما يؤكدان على أهمية اتباع نظام غذائي صحي وعدم الإفراط في تناول الطعام، فالمعمرون مثلا في (أوجيمي) يكادون لا يتناولون السكر، وإذا تناولوه فإنهم يختارون قصب السكر، وهم كذلك يأكلون الكثير من البطاطا الحلوة ونحو 300 جرام من الخضار يوميًا. كما يحرصون على تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة الصحية والتي يكون أغلبها نباتيا، كما يأكلون الحبوب بشكل يومي ويأكلون أجزاء صغيرة من كل شيء مرات عدة في اليوم.

وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى أيضًا كالعوامل البيئية والجينية، فالكاتبان يصران على أن العثور على إيكجياي للحياة هو الشيء الأكثر أهمية، فجاء في الكتاب:

“الحياة ليست مشكلة يجب حلها. فقط تذكر أن يكون لديك شيء يجعلك مشغولاً، افعل ما تحب بينما تكون مُحاطا بأشخاص يحبونك”.

“فقط استمتع بيومك واستمر في الابتسام والشيء الجميل عن المستقبل هو أنه يأتي يومًا بيوم لذا استمتع بيومك”.

في النهاية هذا كتاب ممتع ومفيد، أدعوك لقراءته فربما شجعك على العثور على الإيكجياي الخاص بك والشغف والحياة.

المصدر : الجزيرة مباشر