“الإخوان” حاضر متعثر وقادم مأمول

محن متتالية بعضها فوق بعض، في النفس والأهل والعمل والأمل والدعوة والدولة في الدنيا والدين، يصاحبها حزمة من التساؤلات المشروعة والإجابات الناقصة والممنوعة لاعتبارات الفكر والتنظيم وما بينهما من مشكلات وتأزيم، عاش الإخوان والحركة الإسلامية بل وقطاع كبير من الشعوب العربية والإسلامية وما زالوا الخريف المظلم بعد ربيع الثورات المشرق، جراح لا تتوقف وآلام جديدة تتجدد حتى وصلنا إلى محطة تونس التي كانت وما زالت تمثل العنوان المنشود والنموذج الموعود لاستكمال ثورة كانت وقود الغضب والفورة في المنطقة العربية.

الجماعة بحاجة إلى رؤية نقدية علمية على مستوى الأهداف العليا

جاءت القرارات والممارسات الرئاسية التونسية الأخيرة لتكون بمثابة الملح على الجرح، ففتحت كل الملفات التي أغلق بعضها بقصد ودون قصد على أمل استكمال الحياة رغم مرارتها، وطرحت الأسئلة من جديد! عن الإسلام والحكم، والدعوة والدولة، ومنهج الإصلاح والتغيير بين القوة والسلمية، عن الكفاءات والجاهزية، عن التحالفات الداخلية والعلاقات الخارجية، تساؤلات وسط أجواء مادية ومعنوية سيئة، لذلك أطرح جملة من الخلاصات لعل فيها بعض الإجابات التي توضح الرؤى وتصحح المفاهيم وتنشر الوعي وتبث الأمل لجيل قائم وأجيال قادمة منها.

أولا: الحركة الإسلامية وفي القلب منها الإخوان كانت وما زالت رقما فاعلا في المشهد المصري والعربي والإسلامي لأنها تعبر عن هوى وهوية الملايين من شعوب هذه المنطقة، ولا حياة ديمقراطية دونها، ولا استقرار لنظم مستبدة بحذفها، الحركة الإسلامية ومنذ أربعة عقود هي العنوان الواضح لغالبية شعوب هذه المنطقة.

ثانيًا: الجماعة بحاجة إلى رؤية نقدية علمية على مستوى الأهداف العليا ومدى واقعيتها، وعلى مستوى لغة الخطاب ومدى صلاحيتها، وعلى مستوى التنظيم ومدى إدارته وجودته، وعلى مستوى اللوائح ومدى تطورها، وعلى مستوى المؤسسات ومدى فاعليتها، على مستوى العدالة وتكافؤ الفرص ومدى إتاحتها، وعلى مستوى أصحاب الإمكانات ومدى قبولهم وتجنب إبعادهم، وغير ذلك من مقومات استمرار الوجود وسعة التمدد والحدود.

ثالثا: ليس من المتوقع ولا المنتظر أن تقوم الجماعة أو بقاياها بهذا الدور لاعتبارات كثيرة منها مصفوفات الصفات والمواصفات التي تدير الآن، ومنها أن التنظيمات المغلقة تعجز عن تقييم نفسها وتطوير ذاتها، لذا يبقى الرهان على قوى الضغط داخل وخارج الجماعة ودورها في عمليات المراجعة والتقويم باعتبار أن الجماعة شأن عام بل وثروة قومية وليس شأن خاص كما يدعي البعض.

رابعا: إخفاق أو هزيمة أو عدم نجاح -سمها ما شئت- تجارب الجماعة بصفة خاصة في السياسة والحكم لا يعود لقلة الكفاءات أو غياب النظم والتصورات ولا عدم وجود البرامج والسياسات، فكل هذه الثغرات مرت بها كل الأحزاب والكيانات التي حكمت أكبر دول العالم، لكن يبقى التحدي الأكبر والمعطل الأوحد هو رفض المشروع الصهيوأمريكى الغربي وريث الاستعمار القديم للمشروع  الإسلامي السني والذي يعتبر الإخوان مقدمته ورأس حربته، لذا وعند هذه النقطة بصفة خاصة فالجماعة مستباح دمها وأموالها وممتلكاتها بيد المستبد الفاسد وبرعاية الغرب الديمقراطي الكاذب.

خامسا: على الجماعة ومن يهمه أمرها كمكون فاعل من مكونات المشهد العام المساعدة في إعادة تموضعها حول الأهداف الواقعية في ظل التحديات والعقبات الراهنة بما يحفظ للجماعة الأدوار الممكنة والتي تحافظ بها على الوجود والحدود ولا تترك فراغات شاسعة يتمدد فيها خصوم الفكرة والمشروع بل ويتآكل رصيد صنعته الجماعة في عقود.

سادسا: للجماعة أدوار ومهام مجتمعية مطلوبة ومجربة بنجاح في مجال الفكر والثقافة والوعي والقيم والسلوك والتربية ومكافحة الفساد والجريمة وتقديم الخدمات في النقابات والنوادي والجمعيات وغير ذلك من الأدوار التي لا غنى لمجتمع عنها، وتبقى منصة الحكم والسلطة وليس السياسة، بحاجة إلى إعادة نظر وفق الإمكانات المتاحة والتحديات القائمة والمخاطر القادمة.

وأخيرا: قد يرى البعض أن ما سبق وغيره ليس له دور مؤثر على ملفات هامة مثل ملف الإعدامات والسجناء والمرضى والمنافي والممتلكات والوظائف وغير ذلك، ما سبق فيه إصلاح وتطوير للجماعة والمشهد العام وهي أوراق ضاغطة ورابحة في معادلة الصراع.

المصدر : الجزيرة مباشر