هل يعيد بوتين إنتاج نظام الأسد عبر تركيا؟!

بوتين وأردوغان

مع الإعلان عن موعد اللقاء المنتظر بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، تزايدت حدة التكهنات حول فحوى جدول أعمال ذلك اللقاء الذي سيستغرق يوما واحدا، حيث ذهب الكثيرون إلى الحديث عن  إمكانية عودة العلاقات التركية مع نظام بشار الأسد، وتلبية المساعي الروسية في هذا الإطار.

عزز تلك الفرضية التصريحات التي استبق بها بوتين لقاءه مع أردوغان، والتي طالب فيها بضرورة انهاء الوجود “غير الشرعي” للقوات الأجنبية على الأراضي السورية، في إشارة إلى قوات كل من الولايات المتحدة وتركيا، فإذا كانت الولايات المتحدة قد أعربت عن رغبتها في سحب قواتها مثلما فعلت في أفغانستان، فإن تركيا ما زالت تصر على استمرار وجودها عسكريا في الشمال السوري، وذلك لمنع الأكراد من تشكيل دولة لهم هناك، الأمر الذي من شأنه تغذية الروح الانفصالية لدى الأكراد لديها، وحفاظا على استقرار السكان هناك ومنع عمليات ترحيلهم إلى حدودها.

بوتين لم يكتف بتصريحه المشار إليه، بل دفع قواته إلى تكثيف غاراتها الجوية على مناطق إدلب القريبة من الحدود التركية، وهو ما بدا وكأنه محاولة روسية أخرى لابتزاز تركيا، ودفعها دفعا إلى الرضوخ لرغبتها، والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع نظام بشار الأسد، والتفاوض مباشرة بشأن جميع القضايا الخلافية بينهما.

المخاوف التركية من التصعيد العسكري

يدرك الرئيس الروسي جيدا أن تركيا لا ترغب في تصعيد الأمور عسكريا، إذ إن أي تصعيد في الشمال السوري تحديدا يعني تلقائيا تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى أراضيها، وهو الأمر الذي حذر منه أردوغان نفسه خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة “لم نعد نستطيع تحمل موجات هجرة جديدة” هكذا قالها أردوغان بكل وضوح، مشيرا إلى أن بلاده عملت خلال السنوات العشرة للمأساة الإنسانية في سوريا على منع الكثير من المجازر، وتصدت لعمليات التطهير العرقي، مطالبا المجتمع الدولي بالعمل بجدية من أجل إيجاد حل سياسي لتلك القضية يلبي تطلعات الشعب السوري، ويتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

ترى روسيا أن السياسة الجديدة التي اتبعتها تركيا مع العديد من دول الشرق الأوسط، ورغبتها في تحسين علاقاتها الدبلوماسية مع كل من القاهرة وأبو ظبي والرياض، واستعدادها الدائم للتواصل مع أثينا عدوها التاريخي يعني أن هناك إمكانية لمنح نظام بشار الأسد نفس الفرصة، وفتح الباب أمام إمكانية التفاوض المباشر معه إلى جانب استمراراللقاءات الاستخباراتية التي تتم في الخفاء.

الضغوط التي تمارسها روسيا على تركيا تأتي إدراكًا منها أن خططها الرامية لإعادة إنتاج نظام بشار الأسد، وضمان قبوله من جانب المجتمع الدولي مجددا كنظام حاكم للدولة السورية، لديه فقط بعض المشاكل والإشكاليات مع فصائل المعارضة يمكن التفاوض بشأنها، والتوصل إلى حلول لها، دون الحاجة إلى تغيير النظام بإكمله، لن تكون ممكنة إلا بوجود تركيا فيها كعنصر أساسي وفعال.

ومن هذا المنطلق، تسعى روسيا إلى وضع تركيا في موضع يجبرها على القبول بمقترحها الرامي إلى إخراج القوات التركية من سوريا، وإعادة اللاجئين إلى أراضيهم، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بما يمنح النظام السوري طوق نجاة يؤمن له الاستمرار في السلطة إلى حين.

المعارضة التركية وتأييد الرؤية الروسية

الموقف الروسي جاء على هوى أحزاب المعارضة التركية التي تطالب منذ سنوات الحكومة ببدء حوار سياسي مع نظام بشار الأسد، وترى أن الإقدام على تلك الخطوة من شأنه تحقيق عدة أهداف مهمة تصب في صالح الدولة التركية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

فداخليا يؤمن إنهاء الصراع الدائر مع دولة جارة، تتقاسم معها حدودا جغرافية طويلة، وتربطها بها روابط تاريخية وثقافية واجتماعية، يضمن عودة الهدوء والاستقرار إلى المناطق الحدودية، بما يكفل إمكانية إعادة اللاجئين المقيمين على أراضيها، ويرفع العبء الملقى على كاهل مؤسساتها، وهو أمر لم يعد يتطلع إليه المواطنين الأتراك فقط بل تحول لديهم مع الوقت إلى مطلب ملح، بعد أن أصبحوا يشعرون أنهم فقدوا جزءا من استقلالية وطنهم، وحريتهم بداخله مع وجود ذلك العدد الضخم من اللاجئين الذين يشاركونهم فيه، بل ويتمتعون بامتيازات -وفق وجهة نظرهم- ربما لا يحصلون هم كمواطنين عليها.

إلى جانب ضمان الوحدة الجغرافية للأراضي السورية، ما يعني تلقائيا القضاء على حلم الأكراد بإقامة دولة كردية لهم في مناطق الشمال السوري، وتبديد المخاوف التركية المرتبطة بذلك الأمر، إضافة إلى ما تؤمنه عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين إلى رفع مستوى التبادل الاقتصادي، وزيادة حجم التجارة البينية بين الدولتين، وهو أمر يحتاج إليه بشدة الاقتصاد التركي الذي يمر بأزمات متلاحقة.

أما على الصعيد الخارجي، فإن ذلك من شأنه إظهار تركيا كدولة محبة للسلام، تسعى إلى إيجاد حلول عملية لمشاكل وقضايا المنطقة، وليس كأحد أطراف النزاع بها.

رسالة تحذيرية أمريكية لأنقرة

مغريات كثيرة من شأنها بالفعل دفع أي حكومة إلى النظر في مواقفها، وإعادة بناء سياسة جديدة تخدم مصالح دولتها، وتحقق مطالب مواطنيها، لكن الأمر الذي لم ينتبه إليه غالبية المطالبين بعودة العلاقات الدبلوماسية التركية مع نظام بشار الأسد، وهو أن الأمور السياسية تدار وفق مصالح كل دولة، ومتطلبات تلك المصلحة وتوقيتها.

فتركيا من جانبها لا تثق في نظام الأسد عموما ، وفي إمكانية وفائه بوعوده، ولعل أكثر ما يثير مخاوفها، هو طريقة تعامله مع اللاجئين العائدين، خصوصا بعد التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية مؤخرا، الذي وثق لتعرض كثير منهم للتعذيب والاحتجاز من جانب المخابرات السورية، وهو ما يعني إمكانية تعرض من يمكن أن تعيدهم تركيا لنظام الأسد إلى ما تعرض له سابقوهم، مما سيضعها في موقف لن تحسد عليه أمام المجتمع الدولي، ناهيك بفقدانها مصداقيتها كدولة نصبت نفسها للدفاع عن الفارين واللاجئين والمستضعفين في الأرض.

إضافة إلى عدم وجود ضمان فعلي لإمكانية قيام واشنطن بسحب جنودها من سوريا مثلما فعلت في أفغانستان، الأمر الذي يزيد مخاوفها حال قيامها وحدها بسحب قواتها من سوريا، كون ذلك يفتح المجال رحبا أمام قيام قوات وحدات حماية الشعب الكردية -أحد أذرع حزب العمال الكردستاني- المدعومة من الولايات المتحدة لإعلان دولة لهم في الشمال السوري، وهو ما سعت تركيا خلال السنوات العشرة الماضية للحيلولة دون حدوثه، ودفعت ثمنا لذلك أرواح العديد من أبنائها.

وأخيرا فإن التصريح الذي صدر عن مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة، جون هود، مؤكدا فيه أن بلاده ليس لديها أي خطط لتطبيع علاقاتها بشار الأسد، ولا لتخفيف العقوبات المفروضة عليه، مطالبا الدول التي لديها علاقات معه أو تسعى لذلك بالنظر إلى الفظائع المرتكبة من جانب نظامه بحق أبناء الشعب السوري، مشددا على أن واشنطن لن تُقدم على تطوير علاقاتها مع نظام الأسد ما لم تشهد تغييرا ملموسا في سلوكه، ورغبة حقيقية نحو إيجاد حل سياسي ينهي بمقتضاه الأزمة السورية.

وهو التصريح الذي جاء بمثابة رسالة تحذيرية لأنقرة، التي تحاول منذ وصول إدارة بايدن للسلطة لتحسين علاقاتها معها، من إمكانية زيادة حدة خلافاتها مع واشنطن حال قررت الدخول في مفاوضات مباشرة مع نظام الأسد دون أن يكون ذلك بمباركة أمريكية كاملة.

أمور تجعل من الصعوبة بمكان التفاؤل بشأن مسألة عودة العلاقات التركية السورية إلى طبيعتها، أو على الأقل الدفع بالطرفين إلى الجلوس إلى مائدة المفاوضات كما ترغب كل من روسيا وقيادات المعارضة التركية.

المصدر : الجزيرة مباشر