إدريس غانا.. وجدري القرود

دلائل النبوة وأمارات اتصال الأرض بالسماء وتتابع الوحي، كانت سمة عصر الرسالة الأول، وتجلت في المعجزة الكبرى القرآن الكريم، وعلى مر الأيام وكر الدهور تظهر دلالات جديدة وتتحقق أمارات أكيدة، إقامة للحجة وتثبيتا للمستريب، وطمأنة للمستيقن المنيب، ومن ذلك تلك الأحاديث النبوية التي تخبر عما استقبل من الزمان، أو تحدد أحداثا ووقائع خاصة بالأماكن والأعيان، ومنها ما أخرجه ابن ماجه من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: “يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”.

الطاعون

وشاهدنا من هذه الخمس في قول رسول اللهﷺ: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم”، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أن أهل الفاحشة سيتخطون مرحلة ظهورها وعمومها، إلى المجاهرة بها والإعلان عنها دون استحياء أو استخزاء، بل أصبحنا حرفيا أمام الإعلان عنها بكل صور الإعلان ووسائل الحض والترغيب، حتى أصبحت قضية الإعلان عن الشذوذ الجنسي والانتكاس الفطري من القضايا المثارة مع كل حدث أو فعالية، وأفلح دعاة الفساد والانحلال في ربطها بعالم الفن والرياضة، لأنهما الأسرع في الوصول إلى الناشئة وتدمير المستقبل، فرأينا الأعمال التمثيلية تحرص على تسويغ الشذوذ عن الفطرة، وتحرض على التعاطف مع المنحرفين جنسيا، ولا تخلو فعالية رياضية من الدعاية لهذا الفسوق عما جبلت عليه الأنفس السوية، للقبول بما تأنف منه البهائم وتستنكره الأنعام والعجماوات، وصدق فيهم قول العليم الخبير: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}. (الفرقان: 44).

قبول الفجور

وعلى عادة الأبالسة بدأت الدعوة إلى قبول الفجور متدرجة، من خلال التعاطف مع المخنثين على أنهم مرضى مثليون، واعتماد هذا الوصف دون سواه، ثم مرحلة التسامح والترحيب تحت مظلة الحريات التي لا تؤمن بالحدود ولا تقيم وزنا للأعراف أو الشرائع، حتى بلغوا مرحلة الدعوة إلى الفاحشة وممارستها بقوة القانون وإسباغ حماية الدولة، وبلغ الفجور منتهاه باستخدام الترويع والإكراه، وتحويل الانتكاسة الفطرية إلى ظاهرة عالمية مشروعة ومقبولة ومعاقبة من يرفضها، وعاد شعار أسلافهم الأوائل الذي حكاه الكتاب العزيز: {قَالُوۤا۟ أَخۡرِجُوۤا۟ ءَالَ لُوطࣲ مِّن قَرۡیَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسࣱ یَتَطَهَّرُونَ}. (النمل: 56).

ورأينا اتحاد كرة القدم الفرنسي يعاقب اللاعب السنغالي “إدريس غانا” الذي يلعب في صفوف نادي باريس سان جرمان، لرفضه ارتداء ألوان قوس قزح التي جعلها المنحرفون شعارا لهم، والمضحك العجيب أن اللجنة التي حققت مع إدريس اسمها لجنة الأخلاق!

وأحدث هذا التحقيق موجة غضب عارمة ضد القرار الفرنسي مصحوبة بتعاطف جارف مع إدريس، وتصدر وسم #كلنا_إدريس باللغة العربية والأجنبية وسائل التواصل الاجتماعي، وذكرت مصادر رصد متخصصة أن عدد التغريدات على الوسمين تخطى مليون تغريدة، وهو ما يؤكد رفض عنصرية فرنسا البغيضة، ورفض سياسة فرض الفجور وتسويغ الانحلال وتقنين الانحراف، بعدما تصدرت فرنسا هذا المجال، وتولت كبر كل ما فيه معاداة لشريعة الإسلام، أو يهدم خلقا أو ثابتا من ثوابته، وتتجدد حملاتها للتضييق على المسلمين في كل ما تطاله يدها، سواء على أرضها أو في مستعمراتها القديمة، وهو ما زاد نقمتهم عليها حتى رأينا هذه الأيام مظاهرات حاشدة في تشاد ترفع شعار “تشاد حرة فرنسا برا”، وسبق ذلك طرد سفير فرنسا من دولة مالي على رؤوس الأشهاد.

رسالة إنذار

وعودة إلى شاهدنا من الحديث الشريف، فإن الشطر الثاني من الشاهد فيه دلالة أخرى من دلالات النبوة: “إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم”.

وقد رأينا صدق ذلك في الأوبئة العامة والجوائح العالمية، وظهور الأمراض المرتبطة تحديدا بالعلاقات الجنسية المحرمة كالزنا واللواط والسحاق مثل أمراض الزهري والسيلان والإيدز، والآن جدري القرود، حيث ذكرت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء الماضي بعد ظهور عدة حالات في بريطانيا، أنها تتعاون مع السلطات البريطانية لإلقاء الضوء على الإصابات منذ بداية مايو الحالي، وظهورها في مجتمع “المثليين” خاصة!

وفي سياق متصل أعلنت إسبانيا والبرتغال الأربعاء الماضي، أنهما سجّلتا أكثر من أربعين إصابة مؤكدة أو مشتبه فيها، بالمرض نفسه. وأعلنت السلطات الصحية في مدريد اكتشاف 23 إصابة يشتبه في أنها بجدري القردة.

ورصدت البرتغال أكثر من 20 إصابة يشتبه في أنها من جدري القردة، ولاحظ مسؤولو الصحة أن الحالات الأخيرة ظهرت بين الرجال الذين مارسوا الجنس مع رجال آخرين وفقاً لـ”واشنطن بوست”.

ويعد جدري القردة، من الأمراض النادرة، لكن له تداعيات خطيرة، ومن أهم أعراضه الحمى وآلام العضلات وتضخم الغدد اللمفاوية وطفح جلدي على اليدين والوجه، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الحيوانات التي تم اكتشافه فيها أول مرة.

وهذا المرض رسالة إنذار للعودة إلى حدود الفطرة، التي تضمن سلامة الأسرة وعفافها، وعلى المجتمعات الحريصة على طهارتها وبقائها، مكافحة هذا الانحراف ومقاومة التطبيع مع الشذوذ، وإنشاء هيئات وجمعيات تكافح ذلك وتدافع عن الطهر الإنساني، وينبغي أن لا تعول على الحكومات في ذلك لأنها مرتبطة بالنظام العالمي الذي ارتضى الرذيلة عنوانا يبشر به في كل ناد، ومحاربة الفضيلة منهجا بين العباد، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. (النور: 63).

وسيحل بأهل الأرض عقاب أكبر وأشد إن نصبت راية الفاحشة، وقبل الناس ما تتعفف عنه البهائم، وقد توعد الله المنحرفين في كل عصر بما أهلك به أسلافهم الأوائل: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}. (هود: 82، 83).

المصدر : الجزيرة مباشر