“البلاعة المبروكة” بمصر.. وقصة مخطوط “مايكل” في ألمانيا

"البلاعة المبروكة"

 

فجأة وعلى حين غرة، ووسط كل هذا التردي حولنا، تضرب خرافة جديدة أرجاء محافظة البحيرة في مدينة أدكو، حيث يهرع الناس من كل صوب وحدب للتبرك بمياه “بلاعة صرف صحي” بجوار أحد المساجد.. تحت مزاعم قدرتها على شفائهم من الأمراض خاصة الأمراض الجلدية، مع أن العكس هو الصحيح وما تفعله المياه الفاسدة بصحة البشر قد يصل إلى حد الموت تسممًا، ناهيك من أمراض خطيرة مثل الفشل الكلوي، والتهاب الكبد الوبائي، وغيرهما من أمراض مميتة.

ومع تنبه السلطات إلى ما يدور حول تلك البلاعة، فقد قامت على الفور بإغلاقها، لكن ذلك ما فتئ أن جدد فتح ملف علاقة المصريين بالسحر والشعوذة والخرافات التي دائما تجد لها متنفسًا وفضاء رحبًا منذ زمن بعيد في أرض الكنانة، وكلما ازدادت الكوارث والمحن في هذا البلد، ازدادت معها الخرافات والأساطير لأنها ببساطة تتحول إلى مسكن يهدئ النفوس من قسوة العيش والضغوط الاجتماعية.

سهولة انتشار الخرافة في الريف

وبما أن الخرافة دائمًا تقترن بالدين حتى يسهل تصديقها، فإن مؤسسة الأزهر الشريف أعربت عن قلقها من انتشار خرافة البلاعة المبروكة، وحذر وكيل وزارة الأوقاف في المحافظة المتبركين بالمياه الفاسدة بدحض تلك الخرافة، وعدم التبرك بتلك المياه بسبب خطورتها الشديدة على صحتهم.

عهدنا منذ الطفولة تلك الخرافات والحكايات في بلادنا، وعشنا مع صور متعددة من خرافات وحكايات لا تنتهي، خاصة في ريف مصر حيث تنتشر الخرافات العديدة وأعمال السحر!!

أيقظت هذه الحادثة ذاكرتي، وعادت بي سنوات عديدة إلى الوراء، عندما ذهبت إلى إحدى قرى مركز المنزلة في محافظة الدقهلية لعمل تحقيق صحفي عن انتشار ظاهرة مشابهة، وجدت لها صدى كبير في نفوس المؤمنين بالقدرات الخارقة، وأغلبهم كان من القرويين، مع أن ذلك لم يمنع أبناء المدن من تصديقها أيضًا.

كانت الحكاية ببساطة كما شرحها لي خادم المسجد الوحيد في قرية” الطعامية”، أن عددًا من الصحابة الذين جاؤوا مع عمر بن العاص أثناء فتح مصر، دفنوا في هذه القرية، والناس تزور أربعة أضرحة هناك للتبرك بها، لقدرتهم على شفائهم من الأمراض.. شاهدت بعيني حفرة متوسطة الحجم، عبارة عن بئر محفورة بجوار الضريح الأكبر، يدخلها المرضي للعلاج، وحولها كان المئات يتعاركون للوصول إليها.. وفسر لي خادم المسجد آنذاك بأن الدخول إلى تلك الحفرة يمنح صاحبها بركة الشفاء التام من أي مرض كان!

كان المشهد مؤسفًا وبائسًا.. مرضى يأسوا من الشفاء فراحوا يتحسسون أي بارقة أمل يجرون وراءها لعلها تكون سببًا في شفائهم، ومع شدة الزحام كانوا يدخلون البئر، لكنهم كانوا يخرجون منها ما بين الحياة والموت بسبب الازدحام.

وعندما سألت وقتها الكثير من المرضى المؤمنين بالخرافة عن صحة شفائهم قالوا: “إننا شعرنا بتحسن بعد أن دخلنا البئر”، وبالطبع لن نحتاج إلى رأي الطب النفسي في ذلك السلوك لأنهم يشعرون بالراحة التي تجلب لهم السعادة فقط لأنهم يلقون بعبء أوجاعهم على أضرحة أولياء الله الصالحين!!

خرافات أطلال مصر القديمة

السحر والشعوذة عرفهما الإنسان منذ قديم الأزل، وهناك كتابات تتحدث عن السحر في قصائد هوميروس. أيضًا برع القدماء المصريون في أعمال السحر وتركزت أعمالهم على استعمال أوراق البردي في السحر، وما زلت لعنة الفراعنة تجد لها صدى في كل بلاد العالم!!  ّ

في الإطار نفسه نرى أن المعابد الفرعونية القديمة أسهمت هي كذلك في صنع الخرافة عند المصريين، وقد شاهدت أيضًا في تل ” مندس” الفرعوني في دلتا مصر كيف تذهب النساء للتبرك بأطلال معبد محطم وهن يتمرغن في الأرض أملًا في الإنجاب!!

في أوربا هنا كنت أتساءل أين الخرافة في تلك المجتمعات؟ وهل هناك من يستسلمون لها كما في بلاد الشرق؟.. بالتأكيد كانت موجودة، فأوربا أيضًا عاشت قرونًا من الجهل والتخلف وكانت ذروتها في القرون الوسطى، لكنها تجاوزت ذلك الظلام بتطوير العلم والفلسفة والبحث العلمي من أجل الوصول إلى الحقائق، أما كيف عرف الغرب أساطير وسحر وغموض الشرق فإن ذلك يرجع إلى بداية الاستعمار في القرن التاسع عشر خاصة في الهند ومصر.

مخطوط مايكل القبطي

حاولت التعرف إلى الخرافات وحكايات السحر هنا في ألمانيا، فذهبت إلى معرض في جامعة “هايدلبرج” مخصص لذلك الغرض. يحتوي علي الكثير من التمائم، وطلاسم الأعمال، ومخطوطات السحر، لكن كان أهم مخطوط سحري فيه هو مخطوط “مصري” مكتوب باللغة القبطية القديمة وبخط اليد، وبه العديد من النصوص والوصفات السحرية التي فيها الكثير من الأسرار، والتي تحكي تاريخ تلك الفترة من ثقافة البشر، حيث نجد فيه نصوصًا متعددة لمنع الخيانة الزوجية، وطريقة كشفها، خاصة وأن المجتمع في تلك الفترة الزمنية كان مجتمعًا محافظًا لأقصى الدرجات. على سبيل المثال لا الحصر يتضمن الكتاب أيضًا نصوصًا عديدة للشفاء من الأمراض والأطوار الغريبة، وبه وصفات سحرية عديدة ضد المعاناة، والشر، وأعمال الحسد، وكثير من الوصفات ضد العديد من الأمراض، والغيرة الزوجية، أو غيرة الحبيب، وكذلك باب كامل للحماية من الشياطين.

الشيء الطريف أن هذا المخطوط اسمه “مايكل” وهو في الأساس لم يكن كتاب سحر، لكنه كان كتابًا دينيًا يحمل الكثير من مواعظ الكنيسة، غير أن مؤلفه قام بمسح الحبر الذي استخدم في الكتابة ومن ثم أعاد كتابة النصوص السحرية عليه مرة أخرى!

أشهر كتب السحر في مصر

في مصر يمكن شراء كتب السحر، وأهمها على الإطلاق كتاب “شمس المعارف الكبرى” لأحمد ين علي البوني، وهو ممنوع في كل الدول العربية ما عدا مصر، ومنه نسختان الأولى وهي الأصلية وتعود إلى 200 سنة مضت، والثانية معدلة حيث تم حذف بعض الصفحات منها وإضافة أخرى جديدة، ويحتوي بصفة عامة على مفاهيم تتعلق بالسحر والشعوذة ومن ضمنها مصطلحات لتحضير الجن، ومصطلحات تتعلق بالنجوم والأبراج والكواكب والقمر.

المصدر : الجزيرة مباشر