لن نهزم الإسلاموفوبيا إلا بإدراك مكامن قوتنا

مظاهرات أمام السفارة الهندية في جاكرتا

إن عدم إظهار الدول الإسلامية المستوى المرجو من الاعتراض على المواقف العدائية والهجمات الممنهجة على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم في شتى بقاع العالم، يشجع بلا شك على اتساع نطاق تلك الهجمات والإساءات.

أتحدث عن الدول التي تمثل الشعوب الإسلامية التي يبلغ عدد سكانها مليارَيْ نسمة، فلو وضعت حماية الكرامة الإنسانية، وقيم المسلمين ومعتقداتهم ضمن حساسياتها وأولوياتها، فإنها ستشكل بذلك رادعًا قويًّا للتقليل من الرموز والقيم الإسلامية، ومحاولات انتهاك حقوق المسلمين في الأماكن التي يمثلون فيها أقليات.

وقد أظهر ردّ العالم الإسلامي، في الآونة الأخيرة، مثالًا نموذجيًّا على ذلك، من خلال احتجاجه على التصريحات المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وزوجته السيدة عائشة، أم المؤمنين (رضي الله عنها) التي أدلى بها كلٌّ من نوبور شارما المتحدثة باسم حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند، ونافين كومار جندال المسؤول الإعلامي للحزب في دلهي.

وقد أعربت قطر والكويت وإيران رسميًّا للسلطات الهندية عن استيائها من هذه التصريحات المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام، واستدعت وزارات الخارجية في الدول الثلاث سفراء الهند، وأبدوا رفضهم لخطاب الإسلاموفوبيا هذا.

ومما لا شك فيه أن التصريحات التي تنم عن الكراهية، التي أدلى بها كل من شارما وجندال، أثارت ردودا شديدة على المستوى المدني في العالم الإسلامي. وتبدو هذه المبادرات التي قام بها الأفراد على المستوى المدني في العديد من الحالات التي لم تستجب فيها الدول والحكومات، علامة على الحيوية والصحوة في العالم الإسلامي.

لو كان العالم الإسلامي متحدًا!

للأسف، فإن عدم وجود آلية سياسية لتمثيل حساسيات العالم الإسلامي هو لب المشكلة. ومع ذلك، فمن الممكن أن تتحول أحداث الشر هذه إلى مناسبات تمهد الطريق للخير في بعض الأحيان؛ حيث نتج عن احتجاج العالم الإسلامي على تلك الإساءة أن رد حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم بشكل غير متوقع فأصدر بيانًا مفاده أن الحزب يحترم جميع الأديان، ويعارض بشدة أي أيديولوجية تسيء إلى أي مذهب أو أي ديانة. وعلق الحزب عمل نوبور شارما المتحدثة باسمه، وفصل نافين كومار جندال من وظيفة المسؤول الإعلامي للحزب في دلهي.

وهكذا اتخذ العالم الإسلامي موقفًا استثنائيًّا مشتركًا في مكافحة موجات الإسلاموفوبيا بجميع شعوبه ودوله، على الرغم من كل الخلافات القائمة بينهم؛ مما دفع الهند إلى أن تتراجع خطوة إلى الوراء.

والحقيقة أن هذا الحدث يجب أن يكون مثالًا يحتذى به من حيث إمكانية خلق أفق سياسي جديد للعالم الإسلامي في التعامل مع العديد من القضايا الأخرى. ومع بالغ الأسف، فإن دماء المسلمين، هي أسهل دماء يمكن أن تراق، وإن جاز التعبير فهي أرخص دماء في العالم اليوم. وأسهل الحقوق التي يتم انتهاكها هي حقوق الإنسان لدى المسلمين. وللأسف أيضًا، فإن الدول الإسلامية نفسها تنتهك حقوق المسلمين، وتسفك دماءهم أكثر من غيرها. فدماء المسلمين في سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق، لا تُسفك من قِبل حكام الدول الأخرى، وإنما تسفك جراء النزاعات الواقعة بين الدول الإسلامية نفسها.

لا تشعر الدول الإسلامية على وجه الخصوص بأدنى مسؤولية تجاه شعوبها فيما يتعلق بالالتزام بأي مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان. وهناك مئات الآلاف من الأشخاص محتجزون بشكل تعسفي في سجون الدول الإسلامية، دون مراعاة لكرامة الإنسان أو أي معايير قانونية.

وإذا كانت الدول الإسلامية تتعامل مع شعوبها الإسلامية بهذه الطريقة، فكيف تحمي المسلمين الذين يعيشون أقليات في الدول الأخرى؟ ومع ذلك، فمن الممكن إنشاء عالم جديد، ويجب على هذا العالم أن يبدأ في المقام الأول بنهج يحترم كرامة الإنسان، وحقوقه، وقوانينه في سلوك الدول الإسلامية تجاه شعوبها.

ندوة تركستان الشرقية في إسطنبول

عُقدت ندوة تركستان الشرقية، التي بدأت الجمعة 10 يونيو/حزيران الجاري، واستمرت فعالياتها حتى الأحد، في إسطنبول تحت عنوان “المؤتمر العالمي الأول لنصرة قضية تركستان الشرقية”، بمبادرة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وناقشت الندوة انتهاكات الصين الشديدة لحقوق الإنسان ضد المسلمين في تركستان الشرقية في جميع الجوانب. لكن الجانب الأكثر أهمية، في اعتقادي، كان اللامبالاة التي أبدتها الدول الإسلامية بشأن هذه القضية.

في الواقع، فإن الدول الإسلامية لديها قوة كامنة قوية جدًّا. فالصين بحاجة إليها أكثر مما تحتاج هي إلى الصين، لكن يبدو أنها إما غير مدركة لهذا الأمر، أو أنها لا تُظهر وجودًا ملموسًا؛ لأن كلًّا من هذه الدول يتحرك بمفرده. واليوم، أصبحت دول الخليج، والدول الإسلامية في شمال أفريقيا وآسيا، حلفاء مستهدفين لا غنى عنهم بالنسبة للصين التي تبحث عن بناء عالم جديد.

ومع هذه العلاقات، فلم تفكر هذه الدول مطلقًا في فتح قضية الإيغور أمام الصين، وقامت كثير من هذه الدول بتسليم الإيغور إلى الصين بعد أن كانوا لاجئين فيها، وقد تم التسليم دون قيد أو شرط، بل إن بعض هذه الدول لديها مراكز احتجاز خاصة للإيغور نيابة عن الصين.

لدى الصين حججها الخاصة حول قضية الإيغور، لكن هذه الحجج لا تغير حقيقة وجود انتهاكات ممنهجة ضد حقوق الإنسان، ولا يمكن إنكارها أو إخفاؤها. ولو تم طرح هذه القضية على الأقل كملف يجب مناقشته في العلاقات مع الصين، فستفكر الصين في إعادة النظر في سياستها بشأن هذه القضية.

بالطبع، لا بد أن تكون هناك إرادة مشتركة، وحساسية، وتعاون بين العالم الإسلامي بشأن هذه القضية في المقام الأول. لا شك أن ثمة خلافا بين دول العالم الإسلامي حول بعض القضايا، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن العالم الإسلامي عندما يتحد حول بعض القضايا، فإنه يشكل محورًا له قوة رادعة لا يمكن تجاهلها.

فإذا كانوا يريدون متابعة الآفاق المفيدة المحتملة لهذا المحور، فعليهم الإصغاء إلى الصوت الذي رفعه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في “المؤتمر العالمي الأول لنصرة قضية تركستان الشرقية”.

المصدر : الجزيرة مباشر