قصة العنكبوت والحمامة في الهجرة النبوية صحيحة أم لا؟

من أشهر ما ارتبطت به حادثة الهجرة النبوية قصة غار ثور، وما حدث فيه للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الكريم، وأن رجال قريش حين وصلوا إلى الغار الذي اختبآ فيه، وجدوا عليه عنكبوتًا ويمامة قد رقدت على بيضها، فصرفهم ذلك المشهد عن البحث في الغار. تلك قصة شهيرة، نراها في كل الأفلام والمسلسلات الدينية التي كانت تعرض أيام اهتمام الفن والسينما بالأحداث الدينية، والتي ما خلا منها عهد سياسي إلى السنوات الأخيرة من زمن مبارك، ثم اختفت تماما.

وكنت ترى على معظم التقويمات التي تعلق على حوائط البيوت في مصر، صورة مرسومة لعنكبوت ويمامة ترقد على بيض، وهي إشارة للعام الهجري،  فما صحة هذه الحادثة؟ وهل فعلا نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الجندي غير المتوقع: العنكبوت والحمامة؟

رواية القصة

أما عن رواية القصة، فقد وردت كما يلي في أشهر الروايات:

1ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} (الأنفال: 30). قال: “تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح، فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك، فبات عليٌّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليًّا، يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليًّا، ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا، لم يكن ‌نسج ‌العنكبوت ‌على ‌بابه، فمكث فيه ثلاث ليال”.

2ـ وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله عز وجل شجرة، فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش، من كل بطن رجل، بعصيهم وهراويهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم بقدر أربعين ذراعا، فجعل رجل منهم لينظر في الغار، فرأى حمامتين بفم الغار، فرجع إلى أصحابه، فقالوا له: ما لك لم تنظر في الغار؟ فقال: رأيت حمامتين بفم الغار، فعلمت أنه ليس فيه أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فعرف أن الله عز وجل قد درأ عنه بهما، فدعاهن النبي صلى الله عليه وسلم فسمت عليهن، وفرض جزاءهن، وانحدرن في الحرم”.

مواقف العلماء من هذه الروايات

وقد اختلفت مواقف العلماء من هذه الروايات التي وردت بشأن وجود نسيج العنكبوت، أو وجود حمامتين، أو شجرة في وجه النبي صلى الله عليه وسلم. أما رواية ابن عباس فقد رواها أحمد في المسند (3251)، وعبد الرزاق في المصنف (9743)، والطبراني (12155)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/191)، وأخرجها أبو نعيم في دلائل النبوة (154)، وغيرهم.

وقد اختلف العلماء في صحة سندها، فقد حكم بحسن إسنادها كل من: ابن كثير في البداية والنهاية (3/221)، وابن حجر في فتح الباري (7/236)، وأخذ بتحسينهم بعض المعاصرين، ومنهم: دار الإفتاء المصرية في الفتاوى المصرية (54/404-406). ولكن ضعفها علماء آخرون من القدامى والمعاصرين، مثل: الهيثمي في مجمع الزوائد (7/27)، وأحمد شاكر في تحقيق المسند (3/388)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد (5/301-303)، والألباني في السلسلة الضعيفة (3/263،262). ولعل هذا الرأي هو الأقوى والأرجح.

أما الرواية الثانية رواية المغيرة بن شعبة، فقد رواها الطبراني والبزار، والعقيلي في الضعفاء الكبير (3/422)، وأعلها بأحد رواتها، وبراو آخر مجهول.

وجهة نظر من دافع عن الحديث من المعاصرين

بعض المعاصرين ممن كتبوا في السيرة النبوية، لم يجعل من القصة موضع نقاش وجدل طويل، من حيث الوقوف على سندها وصحتها أو ضعفها، بل ناقش الأمر من حيث المعجزة، وهل هي ممكنة أم لا؟ ومن هؤلاء محمد الغزالي إذ يقول في فقه السيرة ص 175: “والجنود التي يخذل بها الباطل، وينصر بها الحق، ليست مقصورة على نوع معين من السلاح، ولا صورة خاصة من الخوارق، إنّها أعم من أن تكون مادية أو معنوية، وإذا كانت مادية فإنّ خطرها لا يتمثّل في ضخامتها، فقد تفتك جرثومة لا تراها العين بجيش ذي لجب {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}” (المدثر: 31).

وكذلك محمد الصادق عرجون في كتابه محمد رسول الله (2/532)، إذ يقول: “وبالتأمل في قول الله عز شأنه: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}، نجده بعمومه المشعر به تنكير لفظ “جنود”، يدل على أن كل ما حمى الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من كيد أعدائه هو من جند الله، ويدل لذلك ما رواه أبو نعيم عن محمد بن إبراهيم التيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل العنكبوت، وقال: “إنها من جنود الله” ولا وجه لتخصيص جند الله بالملائكة في هذا الموضع وأمثاله”.

موقفنا من الحادثة

والذي نطمئن إليه بعد هذا التطواف حول الذين قبلوا بهذه الحادثة، ومن رفضوها، أنها لا تصح سندًا، وأنه لا إشكال في روايتها، ولكن أدلة من يحسّنون الحادثة من حيث السند ضعيفة، بل من حيث الأدلة الأخرى التي ساقوها من أن العنكبوت والحمامة والشجر وغيره من جنود الله التي نصر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، واستدلالهم بقوله تعالى: “وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا” هو دليل ينفي وجود العنكبوت والحمام، وهو ما استدل به القرضاوي على عدم صحة القصة، بأن الله أيد رسوله بجنود لا ترى، والعنكبوت والحمام كائنات يراها الإنسان، وهنا المعجزة الحقيقية أن ينصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من دون الأدوات المادية التي يفكر فيها البشر.

المصدر : الجزيرة مباشر