وخاب ظن بعض العرب من حرب صينية ضد تايوان!

رئيسة مجلس النواب الأمريكي بيلوسي في تايوان

 

هدأت العاصفة في بحر الصين، أنهت بيجين مناوراتها وتهديداتها بغزو تايوان، وأوقفت الجزيرة الصغيرة استنفارها العسكري، الذي حركته في وجه التنين.

خاب ظن كثير من العرب الذين توقعوا حربا عالمية ثالثة، تخبئ في سعيرها، فشلهم في إدارة أزماتهم. منهم جنرالات وأساتذة جامعات، كتبوا وقالوا ما لا علاقة له بالواقع، وما يدور خلف الكواليس. ومن هؤلاء من أفتى بضرورة دعم الصين، إذا اندلعت حرب، اعتقادا بضرورة الانتصار على من يعاديها، وقليل هم المحبون حقيقة للصين، ممن تسيطر على أذهانهم نشأتها الأولى، دون أن يعوا أن الصين تغيرت، وتغير كل ما فينا.

فرحة العاجزين

رفضت تايوان الخضوع لبيت الطاعة على النظام الشيوعي بالقوة، وكان الرفض كفيلا بأن يدفع العرب إلى النظر، لماذا تحوّل أهل الجزيرة، من الرغبة العارمة في العودة إلى أحضان الوطن الأم، منذ 10 سنوات فقط، وأصبحت الأغلبية الكاسحة تعارض ذلك منذ 6 سنوات، ويفضلون مواجهة حرب شاملة، على ألا تأخذهم بيجين عنوة؟!

لو دقق العرب النظر في الأزمة، لعلموا أن جلهم جرى وراء دافع مريض للانتقام من طرف ثالث، لا يقدرون على مواجهته، وصفه الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، في إحدى مقالاته العظيمة، بالعاجز الذي لا يقدر على مواجهة خصمه، فيبحث عن طرف ضعيف يذكّره بهذا الضعف، يحاول القضاء عليه، اعتقادا بأن إسكاته هو السبيل الوحيد للقضاء على عجزه.

سيناريو الحرب

تعاملت الصين مع الأزمة ببراغماتية شديدة، في أمر مصيري لقادتها وشعبها. أنهت معركة سياسية ساخنة بـ” كتاب أبيض”، قالت فيه “نحن على استعداد لخلق مساحة للتعاون من أجل تحقيق إعادة التوحيد السلمي مع تايوان”. قد لا يعلم جهابذة العرب الذي توقعوا حربا لا ينتظرها إلا الأغبياء، أن سيناريو التصعيد في مضيق تايوان أمر كان مخططا له، قبل زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، بعدة أشهر، وهناك موافقة أمريكية محسوبة، للرد عليه.

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، الجمعة الماضية، بعض مشاهد السيناريو السابق التجهيز، عندما حذر الرئيس شي جين بينغ، خلال مكالمته للرئيس الأمريكي جو بايدن، قبيل سفر الزعيمة العجوز إلى تايوان بساعات “إننا لا ننوي خوض حرب مع الولايات المتحدة، وإن كلينا بحاجة إلى الحفاظ على السلام والأمن”، ورد عليه بايدن “إن واشنطن ملتزمة بسياسة صين واحدة، ولكن للمشرعين الحق في زيارة تايوان”.

بينت الأحداث المتلاحقة أن “قادة الصين سعوا إلى ضبط ردهم على الزيارة، ليكون قويا، ولكن من دون أن يثير رد فعل تصعيديا من قِبل واشنطن وحلفائها، إذ يسعى (شي) إلى ضمان الاستقرار قبل اجتماع الحزب الشيوعي الصيني الخريف المقبل.

سيطرة بدون تكلفة

تُظهر المعلومات، البراغماتية الشديدة التي يتميز بها النظام الصيني في علاقاته الدولية، فالأمور بالنسبة لقادته واضحة وضوح الشمس. “يريدون توحيد الدولة بدون تكلفة موجعة”، و”الرخاء الاقتصادي”، والسيطرة على الأسواق الدولية “بدون حرب مكلفة”. لم تعد نظرتهم إلى الدول على طريقة العرب بـ”المحبة والصداقة”، قدر الاستفادة المباشرة التي ستجنيها خزائن الدولة، وفرص العمل التي ستوفرها للشباب المعرّض للبطالة حاليا.

لذلك لم يكن غريبا أن تدعم الصين الموقف الروسي بقوة في حربها ضد أوكرانيا، بينما تتراجع شركاتها خطوة إلى الوراء خوفا من الحظر الأمريكي عند تعاملها مع الأسواق الدولية. حظرت عن روسيا صادرات التكنولوجيا وتعاملات البنوك الرئيسية، بينما توسعت في استيراد البترول والغاز. ولِمَ لا وتجارتها مع روسيا لا تزيد على 140 مليار دولار سنويا، بينما يرتفع حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة إلى 700 مليار دولار، ومع حليفتها أوربا 650 مليار دولار.

تعلم الصين أن الحماس العربي، يوفر لها أكبر موارد البترول من السعودية وغيرها، وأسواقا واسعة لسلعها الجيدة والرديئة، ولكن لن يغنيها ذلك عن” أشباه الموصلات” التي تنفرد تايوان بإنتاج 90% من الكميات التي يحتاجها العالم سنويا. تمنحها تايوان التكنولوجيا ورأسمال المال، ويتقارب حجم التبادل التجاري مع جزيرة سكانها 22 مليون نسمة، مع إجمالي تعاملاتها مع الدول العربية التي تضم 400 مليون نسمة. بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والعرب عام 2021، نحو 330 مليار دولار، وتايوان 273 مليار دولار.

الحماس العربي اللافت، لا يراعي قدرة الصين على التعامل مع ألد خصوم العرب في المنطقة بأريحية شديدة، فهي تدير علاقاتها بقوة مع إيران، وتمنح إيران تكنولوجيا إنتاج الصواريخ، وصناعة معدات الطاقة والتقنية العالية. أصبحت الشريك التجاري الأول لمصر، بينما أقل الدول الحليفة استثمارا بأراضيها، تصدّر إلى القاهرة مخلفات المصانع، وتصنع مع إسرائيل المعدات الحربية الفائقة التكنولوجيا، والأقمار الصناعية وطائرات التجسس من دون طيار. تبني عقارات في مصر، وسدودا ومناطق صناعية في أثيوبيا.

أفريقيا تنتفض

لن ينفع الغزل العربي مع دولة شديدة البراغماتية، ما زال بعض قادتها يعتقدون أن “العرب شعب عديم القيمة، يملك الأموال، وينفقها في سفاهة، ولا يعرف كيف يستفيد من ثرواته”. فهذا الغزل ودّعته شعوب كثيرة تعاملت مع الصين في عصر الثورات الشعبية، القرن الماضي. فها هي أفريقيا الفقيرة تحارب الوقوع في “فخ الديون الصينية”، تخلصت من نظرتها التقليدية إلى الصين، رغم تبوئها المصدر الأول للاستثمار في القارة، بمبلغ 254 مليار دولار عام 2021، وأكبر دولة تطور البنية بها.

تراجعت شعبية الصين، خاصة وسط الشباب بين 18-25 عاما، وفقا لبحث استقصائي شمل 34 دولة، أجراه مركز “أفريقيا باروميتر” العام الماضي. يبدي 48 ألف مبحوث -بنسبة 63% من الأفارقة- مخاوفهم من استخدام الأموال الصينية في إفساد المسؤولين، ودعم الأنظمة الاستبدادية، وربطهم بين عدم الوفاء بالديون والسيطرة على أصول حيوية بالدولة، تنال من سيادة شعوبها.

المصدر : الجزيرة مباشر