فيلم الشيماء.. الدراما ليست وثيقة تاريخية

 

الشيماء أخت الرسول في الرضاعة في مضارب بني سعد التي قضى فيها الرسول الكريم سنوات طفولته الأولى، ومنذ غادر النبي -صلى الله عليه وسلم- ديار بني سعد لم يلتقِ بأخته في الرضاعة وأخيه عبد الله بن الحارث إلا في العام الثامن من الهجرة في غزوة حنين، وبعد أن انتصر المسلمون كانت الشيماء ممن تم أسرهم، وعندما أخبرت المسلمين أنها أخت الرسول قائلة “أنا أخت صاحبكم” أخذوها إلى الرسول الكريم، فأكرمها وأطلق سراحها.

بعد إسلام الشيماء بنت الحارث، صارت تقول الأشعار في النبي، وتكتب القصائد في مدحه عليه الصلاة والسلام، وقامت الشيماء بالدفاع عن الإسلام بعد أن ارتدت قبيلتها عن الإسلام بعد وفاة الرسول حتى انتهت الفتنة.

الشيماء بين التاريخ والدراما

تلك هي قصة الشيماء أخت الرسول في الرضاعة التي جاءت في قصص السيرة والتاريخ الإسلامي، وهذه الرواية التاريخية تختلف تمامًا عن القصة التي كتبها علي أحمد باكثير وقدمتها السينما المصرية عام 1972 من إنتاج الهيئة العامة للسينما، وبطولة سميرة أحمد وأحمد مظهر الذي لعب دور بيجاد زوج الشيماء، ومن إخراج حسام الدين مصطفى.

الفيلم سيناريو وحوار أحد كتّاب القصة والحوار المهمين في السينما المصرية هو صبري موسى الذي لم يعتمد على الرواية التاريخية، بل يمكن أن نقول إنه لم يقترب منها، ولم تقترب منها رواية باكثير الذي اشتهر بكتابة الروايات التاريخية سواء للمسرح أو الرواية حيث قدم 37 عملًا مسرحيًا وثماني روايات أشهرها (وا إسلاماه) التي قدمت سينمائيًا أيضًا، ويذكر أن روايته عن الشيماء قُدمت مسرحيًا بعنوان (الشيماء شادية الإسلام).

يطرح الفيلم نقاشًا ومجادلة كبيرة حول الدراما وعلاقتها بالتاريخ، وهل يمكن أن نعتمد الدراما مصدرًا لتوثيق التاريخ أم ننتهي إلى إن العمل الدرامي هو عمل خاص بالمؤلف والسيناريست والمخرج؟ أميل إلى وجهة النظر الثانية كون العمل الدرامي ليس مصدرًا للتاريخ، ولا يحاسب كوثيقة حتى لو اقترب من الأحداث التاريخية.

رسم الشخصيات الدرامية هو إبداع خاص بمؤلفه، وإن سمي بعمل تاريخي الأقرب أن نقول اقتبس منه أو من ملامح الشخصية والحدث التاريخي، وفي مدرسة جديدة للسينما هناك ما يسمى إعادة تمثيل الواقع، وهذه الأفلام تعتمد اعتمادًا كليًا على الكتب التاريخية، ومذكرات الأشخاص الذين كانوا جزءًا من الحدث نفسه، وإن كنت اعتقد أن تلك المذكرات قد تكون وجهة نظر للشخص الكاتب لها أو هو التاريخ كما رآه الكاتب، فالتاريخ عنوانه بحث المؤرخين ووثائقهم.

ملامح شخصية الشيماء في الفيلم

استطاع كاتب رواية الشيماء أن يلتقط من القصة الحقيقية لحذافة بنت الحارث بن عبد العزى (الشيماء) ملمحين الأول هو كونها أخت النبي في الرضاعة، وخلق من خلال ذلك عالمًا خياليًا من علاقة بين أهلها الأم حليمة السعدية، الأب، الأخ والزوج بيجاد.

الملمح الثاني هو أن الشيماء كانت شاعرة، وجعلها في الفيلم تنشد وتغني في محمد منذ شبابها، وربما هنا نقل أشعارها بعد إسلامها إلى ما قبل الحدث، ويمكن أن نقول إن الفيلم هو حالة الغناء الذي كتبه الشاعر الكبير عبد الفتاح مصطفى، ولحنه ثلاث من كبار ملحني مصر هم محمد الموجي وعبد العظيم محمد وبليغ حمدي، وستكون لهذا الغناء وقفة في هذا المقال لما فيه من إبداع في النص الغنائي، وأداء فريد للمطربة الكبيرة سعاد محمد.

شخصيات ينقصها الكثير

فيلم الشيماء من الأفلام التي أخرجها حسام الدين مصطفى، ويبدو أن مصطفى الذي اشتهر بأفلام الحركة والاستعراض في هذه الفترة لم يهتم كثيرًا ببناء شخصياته، خاصة شخصيات قريش قبل الإسلام، فلم نرَ منها سوى شخصية عكرمة بن عمر بن هشام (ابن أبي جهل) أما شخصية مثل أبي سفيان بن حرب فلم يكلف الكاتب ولا السيناريو عبء كتابتها، فالشخصيات كلها في الفيلم شخصيات أحادية الجانب خاصة شخصية بيجاد زوج الشيماء، وهو شخصية محورية في الفيلم تلك الشخصية التي تناصب العداء للرسول، ويتصور أنه يشاركه حب زوجته (حسب الفيلم)، هذا العداء الذي يرفض معه أي تفكير حتى إسلامه بعد غزوة حنين، حيث أطلق الرسول سراح أهله جميعًا، وكانت تلك نهاية الفيلم، وبعد أعلن إسلامه في ختام يحسب للفيلم على أغنية رائعة لعبد الفتاح مصطفى:

كم ناشد المختار ربه.. في هدي إنسان أحبه

لكن وحي الله جاء.. إنك لا تهدي الأحبة

والله يهدي من يشاء

هذا المشهد لأحمد مظهر يذكرنا بمشهد آخر له في نهاية فيلم الناصر صلاح الدين يبدو المشهد مكررًا بحركته وتمثيل مظهر مع اختلاف الموقف الدرامي.

أحادية الشخصية معظم شخصيات فيلم الشيماء، عبد الله بن الحارث، حليمة السعدية الذي لم يجتهد النص السينمائي في كتابتها، وكذلك الحارث والد الشيماء، إضافة إلى تناقضات الفيلم، فلو انتبهنا لمشاهد غناء الشيماء للرسول في أهلها وتجاوبهم معها، ثم خروجهم لمحاربة الرسول مرات عدة في الفيلم، وهناك مشهد نقاش غنائي بين الشيماء وبيجاد وأهلها أعيد مرتين في سنوات مختلفة قبل فتح مكة وبعدها، وهو أيضًا مشهد يبرز ما قدمه عبد الفتاح مصطفى شعريًا وهو حوار غنائي بين الشيماء وبيجاد:

رويدكم بني أبي.. ويا عيون العرب

أرى لعمري حشدكم.. ولا أرى لي سبب

ترجو قريشًا ثأرها.. ونحن بعض الحطب

إنا قطعنا عهدنا.. وقد رضيتم مذهبي

بالله لا تندفعوا.. بثورة من غضب

لا تتبعوا شيطانكم.. إلى الرضى والعطب

هكذا يستمر الحوار بين العقل والغضب ينتهي بانتصار العقل ممثلًا في الشيماء.

الأشعار والغناء والموسيقى

لقد استطاع عبد الفتاح مصطفى وثلاثي التلحين مع صوت عربي بحجم سعاد محمد أن يقدموا للفيلم الأغنية منذ بدايته حتى النهاية، ومن قبل مقدمة الفيلم تنشد سعاد محمد:

أيها الهادي إلى أكرم دين

يا رسول الله بالحق المبين

يا بن عبد الله يا نعم الأمين

نحن فزنا بختام الأنبياء

وفي مشهد الهجرة ونوم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إنشاد عبد الفتاح مصطفى بصوت سعاد محمد:

تسللوا تحت الدجى وبيتوا للموقعة

والوحي جاء أطلعه ثبته وشجعه

يس كانت حصنه ودرعه الممنعة

فغشيت أبصارهم وظل كل موضعه

ومر بين جمعهم وحسبه الله معه.

أخذ عبد الفتاح مصطفى أغنية استقبال أهل المدينة للرسول قادمًا من مكة، وهي طلع البدر علينا ليعيد تقديمها في حالة صوفية فريدة ومتجددة، وقد برع حسام الدين مصطفى في تصوير الأغاني كافة مستفيدًا من مناخ الصحراء والواحات التي صور فيها، وتغني الشيماء بلسان سعاد محمد:

طلع البدر مبينًا.. رحمة للعالمين

وبشيرًا ونذيرًا.. منقذًا دنيا ودين

نحن بالله هدينا.. واستجبنا فحيينا

أيها المبعوث فينا.. جئت بالأمر المطاع.

من المشاهد التي قدمت في مستوى عال مشهد إصابة بيجاد في أحد المعارك ضد المسلمين، حيث كانت الشيماء (حسب الفيلم) بين نارين زوجها المشرك المصاب وهي المسلمة التي يجب عليها مداواته، وهنا أيضًا أغنية تنشدها بجوار زوجها متألمة:

وآ جريحاه.. وما يدري جراحي

كم قتيل في الهوى.. دون سلاح

كنت لي زادًا وريًا.

إن فيلم الشيماء رغم كل ما يشوبه سواء في القصة التاريخية وأصلها، وما يبدو من ضعف في بعض شخصياته ومدى رسمها بحنكة، ورغم أحادية الشخصيات خيرًا أو شرًا إلا أنه فيلم يصنع حالة وجدانية دينية متميزة تجعلنا نتطهر بها وجدانيًا، وهذا جزء من رسالة الدراما بكل أشكالها، أما تاج هذا الفيلم ودرة ما قدمه فهي حالة الإبداع الغنائي.

المصدر : الجزيرة مباشر