من السد إلى حريق الكنيسة.. وبينهما التعديل الوزاري!

عزاء ضحايا الماس الكهربائي بكنيسة إمبابة

ثلاثة أحداث مرت بها مصر خلال أيام قليلة تشترك في خيط رفيع هو الألم من استمرارها أو نتائجها.

الأول هو سد النهضة، فقد أعلنت إثيوبيا عن إنجاز الملء الثالث بنجاح، مما يعني مواصلة مشروعها من دون أن تعبأ بمخاوف مصر والسودان، ومن دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، كما تكرر القاهرة دومًا، حتى أصبحت هذه العبارة مُستهلكة ومثيرة للألم العميق.

الواضح أن قضية السد أصبحت محسومة إثيوبيًّا، إذ أعلنت منذ الملء الأول أن النيل الأزرق ينبع من أراضيها، وأنه صار بحيرة إثيوبية، وأن إنشاء السد حق أصيل لها ولن تتنازل عنه، وأنها ماضية في الانتهاء منه وفق خططها وأهدافها ولن يثنيها أحد عن ذلك!

وبالفعل، تتصرف إثيوبيا بأريحية كاملة، ولا تشعر بأي ضغط أو تهتم بأي مواقف إقليمية أو دولية، والحقيقة أنه لا مواقف ذات قيمة داعمة لمصر والسودان، باستثناء تصريحات وبيانات عربية فاقدة الأثر على إثيوبيا.

ومجلس الأمن أصدر بيانًا رئاسيًّا باهتًا يدعو فيه مصر والسودان وإثيوبيا إلى التفاوض في الإطار الإفريقي بعد أن اشتكت القاهرة إليه، وكنا في مصر نأمل أن يكون هناك قرار ملزم، لكن مواقف العواصم الكبرى صاحبة الفيتو داخل المجلس كانت مائعة، متهربة، ترمي المشكلة داخل ملعب الاتحاد الإفريقي، وهذا الاتحاد غير الفاعل لم يقدم شيئًا طوال سنوات من رعايته للتفاوض العبثي في القضية الأخطر على مصر. فالنيل هو مصدر المياه الوحيد لشعبها وزراعتها وحياتها، وكل الإجراءات التي تتخذها السلطة في محاولة لتدبير مياه من مصادر أخرى غير النهر مكلفة ماليًّا، ولا تعوض جانبًا محدودًا من مياه النيل.

غياب قوة الردع تجاه إثيوبيا

القاهرة تبدو كما لو أنها وصلت إلى النهاية، وسلمت بأن وجود السد واقع لا فكاك منه، فلا مؤشرات لديها عن حلول حاسمة، والسلام والحوار والتفاوض لم يكن يعني استبعاد وسائل الضغط والردع، ومنها القوة.

والقوة لا تعني بالضرورة الحرب، لكنها تبعث برسائل للطرف الآخر بأننا قادرون على الفعل عندما نصل إلى حائط مسدود أو تُهدَّد المصالح القومية، وليس لمصر مصلحة قومية أهم من المياه.

هذه قضية دونها الموت، ومن المؤسف أن مسار السياسة في هذا الملف هو الليونة والمراهنة على المجتمع الدولي، رغم أنها قضية فيها الحق القانوني والتاريخي لمصر، وإثيوبيا استنتجت أن القاهرة ستظل تدور في مربع التفاوض فاستراحت واستمرت في مشروعها وقامت بالملء الأول والثاني والثالث بكل اطمئنان، وبعد أقل من ثلاث سنوات ستعلن إنجاز السد وافتتاحه نهائيًّا، وفي هذا اليوم سيكون صنبور المياه في يديها لتبدأ المرحلة التالية وهي التحكم في الحصص، وبعدها ترسل إشارات بشأن بيع المياه.

وفكرة البيع كامنة في العقل الإثيوبي الذي يقيسها على قاعدة أن المياه مورد طبيعي لديه مثل موارد الطاقة في البلدان المنتجة لها.

حكومات بلا صلاحيات حقيقية

ومن ألم السد إلى تعديل وزاري لحكومة مصطفى مدبولي، وقد تمت دعوة البرلمان إلى اجتماع طارئ، وهو في إجازة، وتراوحت التكهنات بين نظر تعديل وزاري، أو تفويض الرئيس بالتعامل مع أزمة سد إثيوبيا، والبديهي أن الرئيس لديه من الصلاحيات ما يجعله يتصرف في موضوع السد دون أي تفويض، ففي يديه الخروج من اتفاق الخرطوم لعام 2015 الذي لم تحقق القاهرة فائدة واحدة من ورائه، بل جعل موافقة إثيوبيا ضرورة لحل أي مشكلة تنشأ، وهو أخطر ورقة مُقيدة للقاهرة، ومع هذا هناك إصرار على التمسك به.

أخيرًا كان الاجتماع لإقرار تعديل وزاري في حكومة لم تحل مشكلة، ولم تُحسن أوضاع الناس، وتغييرها كاملة لا يقدم حلولًا جذرية للأزمات، العقدة هنا في السياسات العامة وطريقة صنعها.  ومعروف أن كل الحكومات في مصر جهاز تنفيذي يطيع الأوامر، فالسلطة التنفيذية تتركز في أيدي الرئيس منذ إعلان الجمهورية عام 1953، وخلال الملكية كان السلطة في أيدي الحكومة المنتخبة، وفق دستور 1923 الذي ينظم العلاقة بينها وبين الملك، ويحدد مسؤوليات كل طرف.

الحكومات تتغير أو يتم تعديلها بدعوى أنها لم تحقق المستهدف، فهل لها دور في إدارة السياسة العامة؟ قيل في أدق وصف إنها سكرتارية عند الرئيس، وبالتالي فمسؤولية اقتراح وصياغة السياسات ووضع الخطط والقرارات ترجع تاريخيًّا إلى الرئيس وحده في جمهورية مصر، لكن هذا ليس مبررًا لإعفاء الحكومات من جانب من المسؤولية طالما أنها تصير وحدها ساحة التصويب، إذ إن عليها التحلي بالشفافية والصراحة مع الشعب، وصاحب القرار لإبراء ذمتها.

ذهبت حكومة، وجاءت أخرى، وتم تعديل حكومات ولا جديد، فالأزمات تتزايد وتتعقد والألم وغياب اليقين مستمران.

حريق الكنيسة كاشف عن مخاطر

والحدث الثالث المحزن كان حريق كنيسة إمبابة، وإذا كان الحريق قدريًّا حتى ساعة كتابة هذا المقال، فإنه كاشف عن مشاكل أخرى يتم تجاهلها أو تسقط مع حالة الإهمال والتراخي، وهي غياب عوامل سلامة وأمان الأفراد.

الحريق يعيد التنبيه بقوة إلى مخاطر عدم الالتزام باشتراطات الدفاع المدني وأمان المنشآت مهما كانت طبيعة عملها أو حساسية دورها.

الحريق لم يكن ليوقع كل هذه الخسائر في البشر لو كانت الكنيسة قد التزمت بكل ما يحفظ الأرواح في المبنى، ولهذا فمن الضروري مراجعة كل ذلك. نعم الكنائس للعبادة، لكن أرواح المُتعبدين فيها مسؤولية الدولة، لا أسقف كل كنيسة، وهكذا المساجد أيضًا.

هذه الكارثة يجب أن تكون محركًا لتفعيل دولة القانون بكل صرامة في تفتيش المنشآت؛ كبيرة أم صغيرة، مدنية أم دينية، رسمية أم أهلية، حضرية أم ريفية، وفرض الالتزام بكل متطلبات وشروط الحماية والسلامة العامة والأمان والدفاع المدني.

متى تغادرنا أيها الألم، أو على الأقل لا تقترب منا بكل هذا القدر المزعج؟

المصدر : الجزيرة مباشر