بنت الشاطر

عائشة الشاطر معتقلة منذ عام بتهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية"

 

ابتليت مصر بانقلاب عسكري تعمد كسر كل خطوطها الحمراء وتجاوز جميع الحدود التي اختطها المجتمع لنفسه واستقرت فيه جيلاً بعد جيل وقام -ربما- بما لم يستطع الاحتلال الأجنبي القيام به.

عبّرت الثقافة المصرية عن حماية تلك الخطوط بوازع الدين أو العرف أو التقليد بعباراتٍ شعبية تترجم حرص المجتمع وانتباهه لحماية الفئات الضعيفة أو التي يري ضرورة تمتعها بمزيد حماية.. فكنت تجد الناس في الحواري الشعبية والقري البعيدة يقومون بزجر من يهم بالاعتداء علي طفل حتى إن كان أباه، بعبارة (حتضرب عيل صغير ده قد رُكبتك!) يزيد الزجر لو كان الطرف الضعيف في الموقف امرأة (عيب، دي واحدة ست).

حرص الانقلاب العسكري علي كسر تلك الحدود عنوة وعن سابق قصد ورسخها آلية عقاب لمجتمع يتم خلخلته وإبعاده عن مواطن تميزه وقهره حتى لا يقوى على مقاومة ظلم أو يتجرأ على المطالبة بحق مجتمع منزوع الكرامة منتهك الحرمات لا يأمن على ابنة أو زوجة أو أخت، يبتلع إهانة العجائز والأمهات رغماً عنه.

في سجون الانقلاب سيدات وبنات مصريات يعانين أشد المعاناة في ظرف تاريخي كئيب تحولت فيه الدولة المصرية لآلة قمع دنيئة سادية تتلذذ بالانتقام من معارضيها في بناتهم ونسائهم وذويهم تلفيقاً للاتهامات وتعنتا في ظروف الحبس والزيارة والعلاج. تسعي بكل سبيل لكسر أنوفهم وتحطيم ألبابهم

في الأيام القليلة الماضية خرج علينا أحد ابواق النظام “أحمد موسي” بادعاءات عجيبة مررها له سادته عن كون عائشة ابنة خيرت الشاطر مريضة مرضاً وراثياً ساءت معه حالتها في زنزانتها الانفرادية!

ردت عليه بشأن ذلك والدتها المكلومة في أهلها جميعاً السيدة عزة توفيق نافية هذه المعلومات مفندة بأسلوبها المهذب وصبرها الجميل ادعاءات النظام التي رددها هذا الكاذب.

الحديث عن مرض عائشة إثباتاً ونفياً ليس بيت القصيد وإنما هو حديث عن عرض من أعراض المرض الذي ابتليت به بلادنا من استباحة الأعراض والحرمات.

حثت الشرائع جميعا والأعراف علي حق الرجل في حماية أهله بل واعتبرته إن مات دونهم شهيداً.

لكن، إن غاب الرجل قسرا عن مواطن نصرة أهله بأن سُجِن قبلهم أو غاب عن بيته مطاردا مهاجرا أو كان ضعيفاً عن فعل ذلك فلمن ينتقل الواجب؟ وعلى عاتق من يترتب المطلوب؟

هناك من الواجبات ما يجب أن يتضامن المجموع في تحصيله لأنه إن وقع في حق أحدهم وعجز عنه فكأنما أصاب الكل لأن من تجرأ على إيقاعه سيعاود الكرة مرة بعد مرة في غيره..

إثم النكول عن نصرة هذه الحقوق كبير والحساب عليها عسير في الدنيا قبل الآخرة

النساء في سجون الانقلاب سُبة في جبين الكل والتحرك لنصرتهن أوجب الواجبات.

خطوط المجتمع الحمراء في الجاهلية منعت أبا جهل، وهو من هو في الظلم والجبروت، من الاعتداء على حرمة بيت النبي صلي الله عليه وسلم

عائشة مثال صارخ للتعنت والفجور في الخصومة فهي محبوسة كونها ابنة الشاطر، فهي ومثيلاتها من زوجات وبنات وأمهات معارضي الانقلاب يصفي النظام حساباته عبرهن مع ذويهم.

تكاتف الكل في قضية إخراج النساء من سجون الانقلاب واجب الوقت الذي تأخر كثيراً رغم أنه من القضايا المجمع عليها والتي لا تدخل بأي حال في دائرة الخلاف التي تمنع القوي السياسية ونخب الثورة والمجتمع ومنظمات حقوق الإنسان وجمعيات المرأة من التركيز عليها والاجتماع على الإنجاز فيها مهما سعر الانقلاب لتلوينها وتسميتها

مجابهة الانقلاب والثورة عليه بشكلٍ عام لا يجب بأية حال أن يشغلنا عن ترتيب الأولويات وتصنيف القضايا الواجب نصرتها، وإن قمنا بذلك الآن فسيكون العمل على خروج النساء من معادلة الانتقام وعودة الخط الأحمر كسابق عهده أولى الأولويات.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها