العدالة والتنمية والأسئلة الشائكة

 

بعد ما حصل في الجولة الأولى من انتخابات المئوية التركية التي أطلقنا عليها انتخابات القرن، وتابعها العالم أجمع باهتمام بالغ والنتائج التي خرجت من هذه الجولة بإعادة الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية وإقرار الأغلبية البرلمانية لتحالف الجمهور الحاكم بقيادة العدالة والتنمية، برزت عدة أسئلة شائكة ومهمة، وربما تختلف إجاباتها عما قد يظهر للمتابعين من خارج الشأن التركي.

خسارة إسطنبول

على رأس هذه التساؤلات كانت إسطنبول، وهل فقدها أردوغان كما يدعي البعض؟ لقد قالوا قديما إن البينة على المدعي، فالزعم بأن الرئيس أردوغان قد خسر إسطنبول لا يتم إلا بالتشكيك في نتائج انتخابات الـ14 من مايو/أيار، ولذلك فنحن بحاجة إلى طرح عدة أسئلة تفصيلية تؤدي إلى الإجابة عن هذا السؤال الكبير:

ما هو الحزب الذي حصل على أكبر كتلة تصويتية في إسطنبول؟ وما الفارق بين عدد الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية وتلك التي حصل عليها أقرب منافسيه؟

الإجابة عن هذه الأسئلة تشير إلى تقدم حزب العدالة والتنمية، ولذلك فإن الحديث عن الخسارة لا مكان له هنا، وترديد عبارات حول هذه الخسارة المزعومة ما هو إلا دليل على ضبابية الرؤية، إذ إن النظرة الدقيقة إلى المشهد العام الذي عاشته مدينة إسطنبول والخروج بنتائج حقيقية صادرة عن أرض الواقع تقودنا بلا أدنى شك إلى أن تركيا لديها حقيقة ثابتة، هي أن رجب طيب أردوغان الذي أعطاه الشعب ثقته قد فاز بالفعل في كل الانتخابات التي دخلها لأكثر من 20 عاما.

وهذا واقع من الضروري لكل باحث أن يعطيه الأهمية التي يستحقها.

الفوز ببلدية إسطنبول

السؤال الثاني الذي أثاره المتابعون كان حول الانتخابات البلدية القادمة وعما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيتمكن من الفوز ببلدية إسطنبول في انتخابات المحليات عام 2024؟

والحقيقة أن انتخابات المحليات على الرغم من أنها لم تُجر بعد فإنها بالنسبة لنا قد اكتملت بالفعل، بل يمكنني القول إنه قد تم الفوز في انتخابات إسطنبول 2024، التي لم تتمكن من الحصول على خدمات تليق بها طوال السنوات الأربع الماضية، وهي فترة ترؤس حزب الشعب الجمهوري لها حتى الآن.

وفضلا عن ذلك، فإن فوز أردوغان الذي ستسجله انتخابات 28 مايو سيكون له دور كبير في ضبط ووضع جميع كوادر المعارضة ومؤسساتها المؤثرة في إطارها المناسب. وفي تقديري فإن 2024 هو عام تفكك المعارضة بوجه عام لا سيما في إسطنبول، وربما يتساءل البعض عن مرجعية هذا التحليل وماذا إذا لم تتفكك المعارضة؟ والجواب بالأرقام من الميدان هو خير دليل على ذلك، ففي الانتخابات السابقة التي خسرت فيها الحكومة إسطنبول كان هناك فارق بين المرشحين مقداره 800 ألف صوت، وفي انتخابات 14 مايو انخفضت الفجوة بين مرشحي الحكومة والمعارضة إلى 190 ألف صوت فقط، ولذلك فلا داعي للقلق من خسارة إسطنبول بل إنها ستعود إلى الكوادر المتخصصة التي تحسن إدارتها مما يعني عودتها إلى كوادر حزب العدالة والتنمية.

وبالتالي، فإن السؤال عن تخلّي سكان إسطنبول عن دعم وتأييد حزب العدالة والتنمية هو بمثابة تحليق خارج السرب الآن، إذ ليس هناك أي مجال للتفكير في التخلي عند دعم العدالة والتنمية ليس في إسطنبول وحدها بل في عموم تركيا وإلى أمد بعيد، لذلك ليس هناك ما يسمى مقاطعة الحزب أو حتى التفكير في التخلي عن دعمه. إن أمتنا تقف بجانبنا وتدعمنا كما عهدناها دائما.

ما لدي الحزب

وهنا يجب أن اختم بالسؤال عن القادم الذي يسأل الجميع عنه، وماذا لدى حزب العدالة والتنمية ليقدمه إلى تركيا وللعالم في عشرينيته القادمة؟

وقبل الإجابة عن هذا السؤال أود تصحيح شيء بسيط، وضبط بعض المفاهيم في مسألة العشرينية السابقة أو القادمة لحزب العدالة والتنمية، وهو أن الحزب قد نجح بالفعل أن يصبح حزبا سياسيا وحركة سيتجاوز امتدادها قرونا قادمة. والآن بعد ذلك الضبط للمفهوم، أؤكد أن حزب العدالة والتنمية قد استوعب جيدا أهمية التجديد واللحاق بالمستجدات، وأنه تمكن فعليا من تجديد نفسه، وأكبر مؤشر على ذلك هو دعم الأجيال الشابة للحزب ووجودها بين كوادره. كما أؤكد أننا حزب وحركة بذلنا جهودا كبيرة ليكون القرن القادم هو قرن تركيا.

وعليه فإن أعظم ما يعِد به الحزب الأمة التركية هو مواصلة التفاني في العمل وبذل الجهود لتحقيق ذلك، وليكون القرن القادم هو قرن تركيا.