لماذا يتابع الجمهور برامج المقالب؟ ولماذا يرضى ضيوفها بالإذلال والإهانات؟

جانب من برامج المقالب في رمضان هذا العام
جانب من برامج المقالب في رمضان هذا العام

تختلق برامج المقالب الكوميديا عبر اجترار الألم الإنساني، فلماذا يضحك الجمهور عليها؟ وكيف يتحمس لمشاهدتها مع كل التسريبات عن حياكة المواقف والاتفاق المسبق مع “الضحايا” بمقابل باهظ؟

المفارقة أن الضيوف “الضحايا” قد تحولوا بقدرة قادر إلى مقدمي برامج مقالب منافسين، يعرضون غيرهم للمواقف العصيبة التي قد تعرضوا لها من قبل، وأطلقوا لأنفسهم العنان في السباب والضرب لمن وضعوهم في هذه المواقف!

تنحدر هذه البرامج بفن الكوميديا، وتخرج كثيرا عن حدود اللياقة، وتحول بعض الفنانين إلى مهرجين لاستثارة الضحك بأي وسيلة ممكنة، ولو تطلب الأمر تعريض حياة الآخرين للخطر، وتجريعهم كؤوس الألم والخوف والإذلال.

لا توجد نقابات مهنية تقوِّم أداء هذه البرامج، تحت شعار: افعل ما شئت طالما لم تتناول السياسة والشأن العام، كما أن الفضائيات قد تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية، وترصد ميزانيات ضخمة لحياكة المقالب؛ في مقابل الملايين التي تدرها من المعلنين والرعاة.

تعيش في وجدان الأسرة المصرية حتى الآن الشخصيات الكوميديا التي ظهرت خلال شهر رمضان منذ عقود (رويترز)

 

دراسة: الجمهور يحتقر هذه البرامج

أجرت الباحثة رشا عبد النبي في دراستها للماجستير بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، استطلاعا لآراء الجمهور المصري حول برامج المقالب، ووجدت ارتفاعا كبيرا في نسبة مشاهدتها بنسبة 90% من المشاركين في الدراسة.

وكشفت عن قناعة 79% منهم أنها لا تلتزم بالقيم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، وأن ضيوف هذه البرامج يصدرون ردود فعل غير أخلاقية مثل التطاول بالألفاظ الجارحة، الضرب، السب والقذف للمذيع، وتكسير للمعدات والأجهزة.

إذن.. فالجمهور يشاهد هذه البرامج، ويحتقرها في آن واحد! فلماذا يكيل بمكيالين؟.. طرحنا هذه الأسئلة على بعض المختصين في لقاء مع موقع الجزيرة مباشر، لمحاولة وضع تفسيرات بشأن أسباب إقبال الجمهور على مشاهدة برامج المقالب رغم الانتقادات الموجهة إليها:

الحاجة إلى الضحك

يبحث الجمهور العربي عن ابتسامة بشق الأنفس، في ظل المناخ النفسي والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تدعو إلى الهزل من فرط الأسى.

وقد كشفت برامج المقالب والأفلام التجارية عن وجود أزمة حقيقة في الكوميديا، فهي أصعب الفنون على الإطلاق، وتتطلب حسا فنيا رفيعا وذوقا إنسانيا عاليا.

يرى مدون الفيديو الكوميدي محمود غازي أن أكثر ما يميزنا – كبشر- أننا كائنات ضاحكة، نبحث عن الابتسامة في كل المواقف، والدليل أن أقل موقف في العزاء قد ينقلب إلى موجة من الضحك، تخفيفا للألم والوجع.

وأضاف أن الصراع والمواقف العدائية تخلق أحيانا حالة من الكوميديا، نجدها مثلا في الصراعات بين الحماة وزوجة الابن، والمطاردات بين توم وجيري.

وأوضح الاستشاري النفسي تامر جمال أن أحد أسباب إقبال الجمهور على هذه البرامج، هو حبه للمقالب نفسها، حتى في المواقف الحياتية العادية، فنحن نمارس لعبة المقالب منذ الصغر، وتصبح فعالة جدا في الكبر عندما نتحلى بالطفولة، ونقوم بعمل “مقلب” في أحبائنا.

الوجه الآخر للمشاهير

ويطرح محمود غازي تفسيرا آخر، وهو شغف الجمهور برؤية الجزء الحقيقي في شخصية المشاهير، بعيدا عن الكاميرات التقليدية والسيناريوهات المكتوبة حتى لو يعيبها الافتعال والترتيب المسبق، فالجمهور قد يتخيل أن هذا النجم في موقف ضعف حقيقي لم تخطه يد كاتب سيناريو، ويرغب في رؤيته وهو يعبر عن مشاعره الصادقة.

راحة الضمير

يرى تامر جمال أن تسريب معلومات عن فبركة المقالب يمنح المشاهد قدرا من راحة الضمير في اللاشعور، فيستمتع بالموقف، ولا يشعر بأدنى تعاطف مع “الضحية” لأنها قد ارتضت على نفسها هذا الموقف، بل وقبضت الثمن غاليا.

مشاهدة المسلسلات والبرامج الرمضانية من الخيارات الترفيهية القليلة المتاحة أمام الأسر العربية في ظل أزمة كورونا (رويترز)
الشماتة

ليس الحب وحده ما يدفع المشاهد لرؤية نجمه المفضل، بل الكره أيضا. فقد يكره البعض نجما متعجرفا ويرغب في رؤيته خارج أغلفة المجلات واللقاءات التليفزيونية التي تحتفي به، ويريد هذه المرة أن يراه في وضع مقيت ينال منه.

ويعتقد محمود غازي أن الجمهور يحب أحيانا أن “يشمت” في النجم الذي لا يحبه، ويكسر أنفه، ويفرح في ألمه وصرخاته.

غياب البديل

يشير تامر جمال إلى أن غياب البديل أكبر دافع لمشاهدة هذه البرامج، فالمشاهد يجلس على الأريكة ليسترخي ويبحث بين القنوات عن وسيلة للترفيه، وقد يجد أثناء التقليب أن مشاهدة هذه البرامج أفضل خيار متاح للترفيه وسط أفراد الأسرة.

وأحيانا -بحسب جمال- يتناقض الجمهور مع نفسه، فهو ينتقد أفلام العري، ولكن يشاهدها لأنه لا يوجد أمامه بديل آخر مناسب.

ويرى أن خطورة هذه البرامج تكمن في قتلها للذوق العام، وترويجها للجرأة على الحياة الشخصية.

الدعاية الضخمة

تحظى برامج المقالب بميزانيات ضخمة سواء في الإنتاج أو الدعاية، كما أن الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي يلعب دورا – من حيث لا يدري- في الترويج لها، وفق لما ذكره تامر جمال.

وأضاف أن هذه البرامج كانت تحظى قبل سنوات بمشاهدات أقل، ولكن تبادل الجمهور للنقاشات والانتقادات حولها على صفحات التواصل الاجتماعي قد دفع أصدقائهم لمتابعتها من قبل الفضول أو المشاركة في إبداء الرأي.  

اقرأ أيضا:

النكتة أم المنهج.. هل تلبي قنوات تعليم الإنجليزية احتياجات الشباب العربي؟

“اللهم إني صائم”.. لماذا تحولت المقولة الإيمانية إلى تهديد ووعيد؟

في الضحك والهم.. كيف تحولت عبلة كامل إلى “أيقونة إنترنت”؟

“طعم البيوت” في “يوميات حمدي ووفاء”

“العيال كبرت”.. ماذا فعل “عصومي ووليد” بعد نجومية “طيور الجنة”؟

حصدت أكثر من مليار مشاهدة.. ماذا تعرف عن “عصابة بدر”؟

عمرو مسكون يعيد الدراما السورية إلى الأضواء بيوميات “أم سوزان”

المصدر : الجزيرة مباشر