كيف تعلّم طفلك أن يتحدث عن نفسه بإيجابية؟

الحديث عن أنفسهم بإيجابية يعزز ثقتهم في أنفسهم ويعلمهم المرونة وحل مشكلات الحياة وتحدياتها بحكمة (غيتي)

من الشائع أن تكون لدى الأطفال أفكار سلبية عن أنفسهم، خاصّةً إذا كانوا يتعرّضون للتنمّر، أو لديهم صعوبات دراسية، أو يواجهون مشكلة في تكوين صداقات، ويصعب عليهم مواجهة تلك التحديات، لذلك يلومون أنفسهم مباشرة.

ويمكن للأبوين مساعدة الأطفال في التعامل مع هذه الأفكار والمشاعر السلبية من خلال تعليمهم كيفية الانخراط في الحديث الذاتي الإيجابي، وكيفية إعادة صياغة تفكيرهم والتركيز على نقاط قوتهم أو الدروس التي تعلموها من التحديات.

نشر موقع (فيري ويل فاميلي) المتخصص في التربية، تقريرًا عن طريقة تعليم طفلك الانخراط في الحديث الذاتي الإيجابي، وتمكينه من مواجهة تحديات الحياة بمرونة وثقة في النفس.

ما الحديث الذاتي الإيجابي؟

يعد الحديث الإيجابي عن النفس في جوهره آلية تكيّف تمكّن الأطفال من إعادة صياغة تفكيرهم، وتغذّي لديهم المرونة، وتبني احترام الذات.

والحديث الإيجابي عن الذات جزء أساسي من التعلم الاجتماعي والعاطفي، وهو أكثر بكثير من مجرد تعزيز الموقف الإيجابي.

ويعد الهدف الأساس من الحديث الإيجابي مع النفس هو تدريب الدماغ على التعرف إلى نقاط القوة وفرص تطويرها.

يتعلم الأطفال أنهم لا ينبغي أن يتركوا التحديات تعرقل أهدافهم أو أحلامهم (غيتي)

ترى مشرفة التعليم السريري للصحة السلوكية جينا ماكدويل، أن “الحديث الإيجابي مع الذات يمكن أن يبدو مختلفًا من طفل لآخر، ويحدد بعضهم نقاط قوتهم، والأشياء التي يقومون بها بشكل جيد، والسمات التي يمكن أن يفخروا بها، وجوانب شخصيتهم التي يحبونها، وعندما يتمكنون من الحديث عن أنفسهم أو تحديد الإيجابيات، فإننا نصف ذلك بأنه ثقة في النفس”.

عندما يعلّم الآباء أطفالهم الحديث عن أنفسهم وإبراز نقاط قوتهم في سنّ مبكرة، فإنهم لا يقومون فقط بتمكين أطفالهم، ولكن أيضًا يجعلونهم أكثر مرونة.

ويتعلّم الأطفال أنهم لا ينبغي أن يتركوا التحديات تعرقل أهدافهم أو أحلامهم، ويبدؤون أيضًا في فهم أن ما يجب عليهم تقديمه للعالم هو أمر إيجابي، وأن لديهم مجموعة من نقاط القوة يمكنهم الاستفادة منها في الأوقات الصعبة.

فوائده

الأطفال جميعهم، وخاصة المراهقين، عرضة للشك في الذات، ولديهم الكثير من الرسائل والأفكار السلبية التي ترهقهم وتزعزع احترامهم لذواتهم، وعلى سبيل المثال من المألوف أن يفكر الأطفال ويقولون أشياء سلبية عن أنفسهم مثل: “أنا فاشل للغاية” أو “أنا لست جيدًا في الرياضيات”.

هذه الأمثلة للحديث السلبي مع النفس ضارة بثقة طفلك في نفسه ومرونته، إذا قيلت هذه الأشياء مرارًا وتكرارًا، فقد يبدأ في تصديقها، ولكن إذا شجعت طفلك على أن يكون أكثر إيجابية في آرائه عن نفسه وعلى الانخراط في حديث إيجابي عن النفس، فيمكنك مساعدته على أن يكون أكثر إيجابية وثقة بالنفس وأكثر مرونة وأكثر استعدادًا لمواجهة التحديات وجهًا لوجه.

الحديث الإيجابي عن النفس له تأثير كبير في بناء الثقة (غيتي)

تقول ماكدويل: “تلعب الثقة التي نتمتع بها دورًا كبيرًا في صحتنا العقلية، ويمكن أن تساعد الأطفال على تجاوز الأوقات الصعبة -أوقات خيبة الأمل- عندما لا تنتهي الجهود التي بذلوها بالنتيجة الأكثر إيجابية التي كانوا يتوقعونها”.

أظهرت الأبحاث أن الحديث الإيجابي مع النفس يمكن أن يساعد الأطفال أيضًا على تحسين طريقتهم في حل المشكلات واتخاذ القرار تحت الضغط، بالإضافة إلى زيادة التعاطف مع الذات وتنمية السلوك.

وقالت كريستين رينهارت خبيرة الصحة السلوكية إن “الحديث الإيجابي عن النفس له تأثير كبير في بناء الثقة”.

وأضافت “يمكن أيضًا استخدام الحديث الإيجابي مع النفس لإنجاز المهام الروتينية وللتحضير للمواقف التي تخلق قلقًا استباقيًّا”، وأكدت أنه يمكن أن يؤدي أيضًا إلى الشجاعة والثقة بأن كل ما يحدث يمكن تحقيقه سواء كان صعبًا أو سهلًا.

علاقته بالرياضيات

وجدت دراسة أن استخدام الحديث الإيجابي مع الذات كان له تأثير إيجابي في أداء الرياضيات لدى الأطفال الذين لديهم مستويات منخفضة من الثقة بالنفس في قدراتهم فيها.

وأجرى باحثون من 4 جامعات الدراسة على 212 طفلًا تبلغ أعمارهم 10 سنوات تقريبًا، وتم تقسيم الطلاب إلى 3 مجموعات.

شاركت المجموعة الأولى في “حديث ذاتي عن الجهد” وركزت على كيفية تأثير جهدهم في أدائهم في الاختبار: “سأبذل قصارى جهدي”.

تم تخصيص المجموعة الثانية لـ”القدرة على الحديث الذاتي” إذ ركزوا على عبارات مثل “أنا جيد في هذا”، والمجموعة الثالثة لم تتلق أي تدريب على الحديث الذاتي.

كرر الأطفال في المجموعات ذات الحديث الذاتي الإيجابي تصريحاتهم لمدة 30 ثانية على الأقل، ثم دوّنوا العبارة وكرروها أثناء إجراء الاختبار.

ما وجده الباحثون هو أن أولئك الذين بذلوا جهدًا في الحديث مع النفس (سأبذل قصارى جهدي) حققوا أفضل أداء في اختبار الرياضيات.

وخلصوا إلى أن مساعدة الطلاب المتعثرين في التركيز على جهودهم بدلًا من افتقارهم إلى القدرة قد يساعدهم على الأداء بشكل أفضل في الاختبارات والمشاريع الصعبة.

قد يكون تعليم أطفالك كيفية الانخراط في حديث إيجابي عن النفس، أمرًا محرجًا بعض الشيء في البداية، لكنك وطفلك ستتعلمان مهارة تأقلم جديدة، وإن كان يصعب على عقلك إعادة صياغة الأفكار، فإنك تتقنها مع الممارسة حتى تكون مهارة حيوية.

خلق الوعي

يبدأ الحديث الإيجابي مع الذات بالتعرف إلى الأفكار والرسائل السلبية التي يقولها الأطفال لأنفسهم وإدراكها.

لا يدرك العديد من الأطفال حديثهم السلبي عن النفس وتأثيره في حياتهم، ومن واجب الأبوين مساعدتهم عندما يفكرون أو يقولون أشياء سلبية عن أنفسهم، كما تقول رينهارت.

فقد أوضحت أنه يجب عليك مساعدتهم على التعرف إلى شكل الحديث الإيجابي مع النفس أيضًا، وتنصح خبيرة السلوك باستخدام القدوة والأفلام والكتب لمساعدتهم على التعرف إلى كيفية استخدام الكلمات الإيجابية لتشجيعهم على الحديث الذاتي الإيجابي.

وتابعت “ذكّرهم بأن تعلم استخدام الحديث الإيجابي مع الذات يتطلب تدريبًا وأن بعض الأيام تكون أسهل من غيرها”.

تساعد المحادثات في إنشاء روابط مهمة بينك وبين أطفالك (غيتي)

الانخراط في المحادثات

ترى ماكدويل أن إجراء محادثات منتظمة مع طفلك ليس فقط حول الحديث الإيجابي عن النفس، ولكن أيضًا حول ما يشعر به أو كيف سارت الأمور في المدرسة؟ يمكن أن تساعد على أن يكون الحديث الذاتي الإيجابي عادة أو ممارسة يومية.

وتوضح أنه من السهل جدًّا التفكير في الخطأ الذي حدث على مدار اليوم، أما الحديث الإيجابي عن النفس فيجعلهم يدركون أيضًا ما سار بشكل جيد أو ما فعلوه بشكل جيد.

وتساعد هذه المحادثات في إنشاء روابط مهمة بينك وبين أطفالك، إذ يمكنك مشاركتهم الأهداف والأحلام، والأمر مهم بشكل خاصة عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط له.

وتقول ماكدويل إن “التحدث بانتظام” يمنحهم مساحة آمنة تجعلهم يعرفون أنهم يستطيعون القدوم إليك عندما لا يشعرون بالراحة أو الثقة”.

التعرف إلى نقاط القوة

يعتقد الأطفال في كثير من الأحيان أنه من المفاخر أو عدم التواضع التعرف إلى نقاط قوتهم أو تحديد ما يجيدونه، لكن معرفة أين يتفوقون؟ وأين يحتاجون إلى المزيد من العمل؟ هي مهارة حياتية سيتم استخدامها طوال حياتهم.

وتقترح ماكدويل أن تسأل طفلك عن أكثر ما يحبه في نفسه، وقد تحتاج في البداية إلى مساعدتهم على تحديد نقاط قوتهم أو العثور على شيء يجيدونه، فقد لا يتمكنون من رؤية هذه الأشياء على الفور، ويمكنك أيضًا توجيههم نحو الأنشطة التي تتوافق مع اهتماماتهم.

وتضيف ماكدويل “إتقان مهارة ما هو معزز كبير لثقة الأطفال في أنفسهم”.

يلعب الحديث الذاتي الإيجابي والثقة دورًا كبيرًا في الرفاهية النفسية (غيتي)

ركز على الجهد

من المفيد جدًّا التركيز على جهود طفلك في المواقف أكثر من أي شيء آخر، والامتناع عن إبداء تعليقات حول النتيجة النهائية. على سبيل المثال فبدلاً من التركيز على درجاتهم في الرياضيات، علّق على مدى صعوبة دراستهم ومقدار العمل الذي قاموا به.

تقول ماكدويل “امدح مجهود طفلك وليس النتيجة النهائية”، فالأهم أنهم عملوا بجد ولم يستسلموا، اجعلهم يركزون على جهودهم وأنه لا بأس في أن لا يحصلوا على النتيجة التي أرادوها.

الرفاهية النفسية

من تحدي الحديث الذاتي الإيجابي التوقفُ لمدة دقيقة وإلقاء نظرة على الطريقة التي نتواصل بها أمام أطفالنا، يتعلّم الأطفال الكثير من خلال مشاهدة والديهم ومراقبتهم، لذلك عندما تواجه موقفًا صعبًا أو محبطًا، تحدث عن نفسك بشكل إيجابي في حياتك.

تقول ماكدويل إنه يجب أن يفهم الآباء أنه يمكننا استخدام هذه المهارة أيضًا، فالحديث الإيجابي عن النفس هو حقًّا معزز للمرونة، ويلعب كل من الحديث الذاتي الإيجابي والثقة دورًا كبيرًا في الرفاهية النفسية.

يمكنك أيضًا أن تمثل لهم نموذجًا لكيفية الانخراط في الحديث الذاتي الإيجابي من خلال تبادل الأفكار معهم بطرائق مختلفة للتعامل مع موقف صعب، وعلى سبيل المثال، إذا اضطروا إلى الكتابة وشعروا بأن مهاراتهم في الكتابة ليست جيدة، يمكنك تذكيرهم بأنهم قد لا يكونون كتابًا جيدين حاليًّا ولكن مع العمل الجاد والممارسة سوف يتحسنون.

يتطلب الأمر تدريبًا، إذ يتم “قصف” الأطفال كل يوم برسائل سلبية يلتقطونها ويستوعبونها بسهولة، ولكن مع الممارسة والتشجيع والتوجيه منك، يمكن أن يكون الحديث الإيجابي عن النفس طبيعة ثانية وعدسة يستخدمها أطفالك عند مواجهة موقف صعب أو مهمة صعبة.

إذا وجدت أنه على الرغم من بذل قصارى جهدك، فإن طفلك لا يزال يعاني من الأفكار والمشاعر السلبية، فقد يكون هناك شيء آخر يحدث، وربما يكون عليك التواصل مع مقدم الرعاية الصحية أو مختصّ بالصحة النفسية، لأن الطفل يمكن أن يعاني من مشكلة مثل الاكتئاب أو القلق.

المصدر : الجزيرة مباشر