‏شهود عيان يتهمون جيش الاحتلال.. من قتل سكان مستوطنات غلاف غزة خلال “طوفان ‏الأقصى”؟ ‏

دمار كبير بمستوطنة بئيري في غلاف غزة
دمار كبير بمستوطنة بئيري في غلاف غزة (غيتي)

كيف قُتل أكثر من 1400 إسرائيلي خلال عملية طوفان الأقصى؟ وما سبب الدمار الواسع لعشرات المنازل في مستوطنات غلاف غزة؟

أسئلة كانت إجابتها واضحة في البداية.‏ الجيش الإسرائيلي قال بوضوح إن مقاتلي كتائب القسام مسؤولون عن كل الدمار. لكن بيانات متكررة للناطق باسم كتائب القسام والمكتب السياسي لحركة حماس قالت إن مقاتلي الحركة لم يقتلوا مدنيين بشكل ممنهج عكس الادعاءات الإسرائيلية.

في اليوم الثالث “للطوفان” بدأت صور الدمار والجثث تخرج تباعًا من مستوطنات الغلاف، جثث إسرائيليين مقيدة الأقدام تحت أنقاض منزل في مستوطنة “بئيري” وجثث أخرى محروقة في مستوطنة “كفار عزة”. هذه الصور كانت المادة الرئيسية التي اعتمدت عليها مجموعات تلغرام المؤيدة للرواية الإسرائيلية قبل أن تتناقلها وسائل الإعلام العالمية.

دفعت فظاعة الصور إسرائيل إلى تنظيم زيارة لبعض الصحفيين الإسرائيليين والأجانب لهاتين المستوطنتين لربح معركة الدعاية، ولكن أسئلة الصحفيين وشهود العيان أدت إلى ظهور سردية أخرى سلطت بعض الضوء على ما جرى.

في هذا التقرير سنحاول استعراض السردية الأخرى، نقلًا عن شهود العيان الإسرائيليين، المستوطنين والعسكريين، وهم من سيروون ماذا حدث فعلًا صبيحة عيد “بهجة التوراة”.

دمار في مستوطنة بئيري في غلاف غزة
دمار في مستوطنة بئيري في غلاف غزة (رويترز)

موقع إيريز العسكري

بعد عبور مقاتلي القسام تحصينات الخط الدفاعي الإسرائيلي شمال غزة، وانهيار الجدار الذي بلغت تكلفة معداته التسليحية والدفاعية نحو مليار دولار، توجه مقاتلون إلى موقع إيريز العسكري إضافة إلى المعبر، واستطاعوا اقتحامهما بعد اشتباكات عنيفة كما أظهرت الصور التي نشرتها كتائب القسام لاحقًا.

صحيفة هآرتس الإسرائيلية نقلت جانبًا مما حدث ذلك اليوم. الجنرال آفي روزنفيلد قائد فرقة غزة كان موجودًا بنفسه أثناء الاقتحام داخل موقع إيريز العسكري وسمع أصوات الرصاص. حاول المدافعون تنظيم أنفسهم أمام هجوم القسام لكن دون طائل، بعدها علم أن مقاتلي القسام استطاعوا السيطرة على المعبر وقتل وإصابة عدد من الجنود فاختبأ روزنفيلد داخل مخبأ محصن تحت الأرض واتخذ قرارا وصفه “بالاضطراري”، وهو طلب ضربات جوية على الموقع العسكري لقتل كل من على الأرض، سواء من مقاتلي القسام أو من الجنود الإسرائيليين الذين كانوا ما زالوا في حالة الاشتباك، إضافة إلى المصابين.

بروتوكول هانيبال

محرر موقع “موندويس” الأمريكي يعلق على هذه الحادثة بأنها أعادت إلى ذهنه ما حدث في أغسطس/آب 2014، عندما دكت إسرائيل أحياءً سكنية كاملة بعد أسر مقاتلي القسام الجندي في لواء جعفاتي “هدار غولدن”.

عمليات القصف المكثفة كانت تهدف لقتل الجندي، إضافة إلى آسريه، وأدت عمليات القصف إلى استشهاد نحو 200 مدني فلسطيني، طبقًا لتقديرات العفو الدولية.

وتوجيه هانيبال هو اسم كودي عسكري يطبقه الجيش الإسرائيلي منذ عام 1986 في حال أسر أحد الجنود. ويسمح البروتوكول بمنع الآسرين من اختطاف أسرى، حتى وإن شكل ذلك تهديدًا لحياة الأسير الإسرائيلي.

ما حدث في معبر إيريز من قِبل قائد فرقة غزة هو تطبيق حرفي ومعلن لهذا البروتوكول، ولكن هل توقف استخدام البروتوكول في عملية طوفان الأقصى على العسكريين فقط؟ شهود عيان إسرائيليون يفيدون بعكس ذلك.

مستوطنة بئيري

ضمن المستوطنات التي هوجمت خلال عملية طوفان الأقصى، برز اسم “بئيري” بسبب مقتل عدد كبير من المستوطنين داخلها، وتدمير عدد كبير من المنازل. لاحقًا نظمت سلطات الاحتلال زيارة ميدانية لصحفيين داخل المستوطنة لتوثيق “أفعال حماس”.

ضمن المقابلات التي أجراها الإعلام الإسرائيلي مع شهود العيان، تحدثت المستوطنة ياسمين بورات للإذاعة ولقناة كان الإسرائيلية وحكت سردية مختلفة عما أشيع في الصحافة. قالت: “مقاتلو حماس احتجزونا لساعات وعاملونا بإنسانية لم يرغبوا في قتلنا بل أرادوا أن يأخذونا رهائن ‏إلى قطاع غزة لتأمين انسحابهم قبل الإفراج عنا”.

وأضافت ياسمين أن قوات الشرطة اشتبكت مع المقاتلين الفلسطينيين، وأطلقت قذائف الدبابات على المقاتلين والرهائن وقتلت الجميع، رغم علمها بوجود رهائن لدى المسلحين، وأنها شاهدت قتل قوات اليمام (القوات الخاصة الإسرائيلية) مدنيين إسرائيليين خلال تبادل إطلاق النار.

حديث بورات عن استخدام الدبابات ضد مقاتلي القسام داخل المستوطنات، رغم وجود رهائن، يؤكده صحفي في جريدة الغارديان البريطانية، قال إنه شاهد مباني كثيرة مدمرة نتيجة استخدام الدبابات في القتال.

الصحفي نير حسون من صحيفة هآرتس التقى بدوره إيرز، وهو نائب قائد كتيبة مدرعات، ونقل على لسانه أنه قاتل رفقة وحدته بالدبابات من منزل إلى آخر داخل المستوطنة. لكن المثير أن حسون قابل توفال، أحد السكان المحليين الذي فقد شريكته في قتال بئيري، والذي قال له إن شريكته كانت محاصرة في ملجأ منزلها. ووفقًا لتوفال: “القادة الميدانيون للجيش الإسرائيلي اتخذوا يوم الاثنين قرارًا صعبًا يقضي بقصف المنازل مع سكانها من أجل القضاء على الإرهابيين دون اعتبار لحياة الرهائن وسلامتهم، عندها فقط استطاع الجيش الإسرائيلي السيطرة على كيبوتس بئيري، وكان الثمن باهظًا؛ أكثر من 130 مستوطنًا قتلوا”.

كلاشينكوف أم دبابات؟

هذه الشهادة من زوج قتيلة إسرائيلية تطرح نقطة ضوء جديدة، وهي أنه بعد يومين كاملين من “طوفان الأقصى” كانت هناك مجموعات من المسلحين ما زالت تحتجز رهائن وتحاول التفاوض مع القوات الإسرائيلية.

وطبقًا لهذا الجدول الزمني الجديد، فإنه من المعقول في بيئة عسكرية أن يسقط قتلى عن طريق الخطأ خلال تبادل إطلاق النار في الاشتباك الأوّلي الذي أعقب وصول القوات كما في شهادة ياسمين بورات. ولكن أن يسقط قتلى خلال يوم 9 أكتوبر، أي بعد وضوح الرؤية لدى القوات المهاجمة وتقديرها العسكري، يصبح من الواضح أن الجيش نفذ بروتوكول هانيبال على المدنيين الإسرائيليين هذه المرة، مثلما حدث في موقع إيريز العسكري قبلها بيومين. وهذا يتفق مع معطيات البيئة العسكرية، لأن مقاتلي القسام لم يكن لديهم الوقت أو الذخيرة الكافية لإحداث كل هذا الدمار.

فشل عسكري مركب

إضافة إلى فقدان الحس الاستخباري لدى جيش الاحتلال وغياب التنبؤ بعملية طوفان الأقصى، فإن الانهيار السريع لفرقة غزة بمعظم مواقعها العسكرية أمام مقاتلي القسام أدى إلى حالة من السيولة سمحت بتقدم مقاتلي الفصائل الأخرى ومدنيين إلى داخل مستوطنات غلاف غزة؛ مما نتج عنه “حالة من الفوضى” سقط فيها “مدنيون إسرائيليون” وأسر آخرون، طبقًا لتصريحات صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، بعد عدة أيام من بدء “الطوفان”، مبررًا بذلك عدد القتلى الكبير من المستوطنين. لكنه أكد نفس النقطة التي سلطت الشهادات الضوء عليها، وهي تنفيذ قوات الجيش الإسرائيلي لخطة هانيبال وتدمير الأخضر واليابس (الأسرى والآسرين). وطبقًا لوصف العاروري، فإن الجيش الإسرائيلي لم يفشل فقط في حماية نفسه ومدنييه بل قتلهم أيضًا.

مذبحة للمدنيين أم هزيمة عسكرية؟

تتعلق أهمية توثيق كيفية مقتل 1400 مستوطن وجندي، بأن إسرائيل من خلال هذا الرقم تحاول التصرف وكأنها تعرضت لمذبحة “للمدنيين”، لمحاولة إخفاء أنها خرجت من هزيمة عسكرية ثقيلة خلال الساعات الأولى من صبيحة السبت، وانهيار خطها الدفاعي وسقوط فرقة غزة القتالية بين قتيل وجريح وأسير وهارب.

لكن هذه الشهادات ترجح سرديات أخرى وتصرفات ميدانية “غير أخلاقية” من الجيش الإسرائيلي على حساب مواطنيه وجنوده، وربما تكون هذه التصرفات هي المسؤولة عن نسبة لا يستهان بها من أعداد القتلى خلال ما وصفته هآرتس “بالأيام الأكثر سوادًا في تاريخ إسرائيل”.

نقلا عن صحيفتي هآرتس الإسرائيلية، والغارديان البريطانية، وموقع موندويس الأمريكي وقناة كان الإسرائيلية، وموقع آي نيوز البريطاني.

المصدر : الجزيرة مباشر