من الهوس بإسرائيل إلى الكفر بها.. مُخرج فيلم “العقيدة الإسرائيلية” يروى للجزيرة مباشر قصة تحوله (فيديو)

كان المخرج الأمريكي اليهودي إيرين آكسلمان داعمًا متعصبًا لإسرائيل خلال نشأته، حتى التقى مدرّسًا له في المرحلة الثانوية ففوجئ الأخير بهوسه، فأعطاه كتبًا ألفها مؤرخون فلسطينيون وإسرائيليون يساريون.

تلك كانت اللحظة الفارقة في حياته، لأنها المرة الأولى التي يسمع فيها قصة الفلسطينيين، ليدرك بعدها حجم ما ترتكبه إسرائيل من أخطاء، وفق ما يقول آكسلمان في حواره مع الجزيرة “القصة التي تعلمناها لا تذكر الفلسطينيين، لقد قالوا لنا إنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

مركزية إسرائيل عند اليهود الأمريكيين

“نحن فريق شبه كامل من اليهود يروون قصتهم” أوضح آكسلمان كيف تتشابه قصص صناع الفيلم مع قصص أبطال العمل المثير للجدل، الذي يحمل اسم “العقيدة الإسرائيلية”، واستمر إنتاجه 7 سنوات، ويتناول الفيلم تحوّل شابين يهوديين أمريكيين من التلقين الذي تلقياه عن دعم الصهيونية في صغرهما والولاء المطلق لإسرائيل، مرورًا بالمناظرات والنقاشات الحادة التي كانت تدور في الجامعات الأمريكية، والتساؤلات والحيرة بشأن أخلاقية الأفعال الإسرائيلية، وانتهاءً بانتقادها علنًا ومحاربتها بعد وعيهما بمعاني الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري.

قال المخرج الأمريكي إيرين آكسلمان للجزيرة مباشر “40% من اليهود دون سن الأربعين يصنفون إسرائيل بأنها ترتكب جرائم”، مشيرًا إلى أن مئات الآلاف من اليهود الأمريكيين تعلموا عن فلسطين من وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفًا “ما يحدث بحق الفلسطينيين مروع، ونرفض أن يُرتكب باسمنا”.

لكن قبل وسائل التواصل الاجتماعي، سمعت بطلة فيلمه الشابة اليهودية سيمون زيمرمان كلمات مثل (الاحتلال، الاستيطان، الفصل العنصري، التطهير العرقي)، وذلك لأول مرة في عامها الأول بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، حين قرر اتحاد الطلاب الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل بسبب سياستها العنصرية والاستعمارية.

لكن زيمرمان، التي نشأت على الدفاع عن إسرائيل في مدارسها اليهودية، لم تجد أي إجابات أو ردود على مزاعم اتحاد الطلاب لدى أصدقائها وزملائها ومعلميها في الاتحادات اليهودية بعدما سألتهم “أليس لدينا حجة مضادة جيدة غير المعايير المزدوجة ومعاداة السامية؟”.

لم تعثر على أي إجابة سوى ما قاله آبي فوكسمان، المدير السابق للمنظمة الصهيونية المعروفة (ADL) “طالما أن إسرائيل تحت التهديد، نؤجل النقاش الفلسفي إلى وقت آخر”.

ورغم التحذيرات التي تلقتها، قررت زيمرمان محاولة اكتشاف حقيقة الأوضاع بنفسها، وسافرت إلى فلسطين بعد عامها الجامعي الأول، وجعلت هذه الزيارة مختلفة عن الزيارة التي خاضتها في مراهقتها، حين لم تتجاوز جدار الفصل العنصري، ولم تكتشف ما وراء الأسوار الإسرائيلية.

اتهام الساميين بمعاداة السامية

بعد عام من عرض الفيلم لأول مرة، ستشارك سيمون زيمرمان صورة لها وسط طلاب يهود في جامعة كولومبيا بينما يحتفلون بعيد الفصح في اعتصام، لاحقه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون بتهمة معاداة السامية.

الاتهامات نفسها سبق أن طالت فريق الفيلم، الذي واجه هجومًا وانتقادات عدة، بينما تلقت الجامعات رسائل بريد إلكتروني كثيرة تحذر من الفيلم، وتسلم طلاب في جامعة بنسلفانيا تهديدات بسحب تمويلهم بعد عرضه، كما أوضح آكسلمان “اتُّهمنا بمعاداة السامية رغم أن فريقنا مكوَّن بشكل شبه كامل من يهود”، مضيفًا “شارك معنا بريطاني يهودي خدم في الجيش الإسرائيلي ثم أدرك أنه يسهم في نظام الفصل العنصري”.

جيش لا أخلاقي

تتماثل قصة هذا البريطاني مع قصة الأمريكي إيتان، البطل الثاني في الفيلم الوثائقي، فحين تخرّج الفتى اليهودي المحافظ إيتان من مدرسته الثانوية، كشف لوالده عن قراره بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي بدلًا من دخول الجامعة، لأنه أراد الدفاع عما يَعُدها بلده، مشيرًا إلى أنه يتأقلم ويندمج في إسرائيل أكثر من مسقط رأسه في الولايات المتحدة.

وخلال خدمته العسكرية، أُرسل إيتان إلى الضفة الغربية، وطُلب منه العمل في الحواجز وتفتيش الفلسطينيين، والصعود إلى أسطح البنايات الفلسطينية والبقاء هناك بحيث يراهم الفلسطينيون، لكي يدركوا “أننا موجودون ونراقبهم” ولإبقائهم في حالة رعب وشلل دائمين، وشهد إيتان عشرات المواقف التي لفّها العنف في التعامل مع الأسرى والمعتقلين.

لم تختلف نشأة إيتان عن نشأة سيمون، فكلاهما زار إسرائيل في مراهقته، وكلاهما مُنع من مناقشة وجود الفلسطينيين في مدارسهما اليهودية، وتعلّما أن إسرائيل كانت أرضًا قاحلة فارغة بناها اليهود، لكن الفلسطينيين يريدون قتلهم.

قبل أيام، نشر الإعلام العسكري التابع لكتائب القسام مقطعًا لأسير أمريكي في غزة ينتقد فيه حكومة نتنياهو، ويشن عليها هجومًا لاذعًا بعد فشلها في تحريره خلال أكثر من 200 يوم.

كان يمكن لإيتان، اليهودي الأمريكي، أن يكون مكان هذا الأسير، لكنه كان أوفر حظًّا، فبعدما خدم في الجيش الإسرائيلي، أدرك لا أخلاقية عمله ومهامه اليومية، بيد أنه تردد في التحدث حتى لا تتم شيطنته كما حدث مع آخرين.

الإدراك المبكر لدى الجيل الجديد من اليهود يحبط المساعي الصهيونية

ولم يكن مفاجئًا لدى إيرين آكسلمان ما تشهده الجامعات الأمريكية من حراك طلابي مطالب بوقف الحرب على غزة، فوفق المخرج الأمريكي اليهودي، فإن عناصر عدة أسهمت في هذا الحراك.

وقال “أمر أساسي أننا نعيش في عصر التواصل الاجتماعي، لم يعد بإمكان شخص أن يعيش في فقاعة طيلة حياته، مئات الآلاف من اليهود الأمريكيين تعلموا عن فلسطين ‘أون لاين’ أو التقوا فلسطينيين في الواقع، سمعوا قصة الفلسطينيين، لقد أدركنا أننا نتعاطف مع السردية الفلسطينية وواجهنا الأبارتهايد (الفصل العنصري)، وذلك يُذكّرنا بتاريخنا ويجعلنا نتحول بطريقة عميقة”.

وأضاف “سببان آخران برأيي لتحول اليهود الأمريكيين، أولهما هو اليمين المتطرف الأمريكي الذي يدعم اللوبي الإسرائيلي (أيباك) وغيرها من المنظمات الداعمة لإسرائيل، ودونالد ترمب برأيي مسؤول عن النازية الجديدة”. وتساءل آكسلمان “لماذا تخشى الجامعات أن يعبّر الطلاب عن قيمهم؟”.

يلفت الفيلم الوثائقي أيضًا إلى الفجوة بين أفكار الأجيال اليهودية، فكبار السن مهتمون بتثقيف الفتيان اليهود وتشجيع الأطفال على زيارة إسرائيل، إذ اقتبس عن أحد الحاخامات أن العديد من جيل الألفية محبطون من إسرائيل، مما يعني أن “لدينا عملًا أكبر للقيام به”، على حد تعبيره.

ويعبّر آبي فوكسمان في الفيلم عن إحباطه من مطالبة اليهود بالعدالة للفلسطينيين بدلًا من مطالبتهم بالعدالة لإسرائيل، لأن ذلك يعني “الفشل في تعليمهم”.

وتابع آكسلمان “اليهود التقدميون يستخدمون الفيلم الوثائقي في شرح قضيتهم”، مشيرًا إلى أنهم “يرون إسرائيل تتماشى مع قيمهم التقدمية، لكنهم حين يرونها تضطهد الفلسطينيين يقررون الاصطفاف مع قيمهم ضد إسرائيل”.

المصدر : الجزيرة مباشر