ما تأثير انضمام الحركات المسلحة إلى الجيش السوداني في حربه على الدعم السريع؟

انتظرت تلك الحركات حوالي 5 أشهر قبل أن تترجم موقفها بشكل عملي

طرأت متغيرات عديدة على المشهد السوداني مع قرب دخول الحرب في البلاد عامها الثاني، فقد نشأت تحالفات جديدة وظهر اصطفاف وخاصة من ناحية الطرف الثاني في الحرب وهو الجيش السوداني، بانضمام حركات مسلحة إليه في قتاله لقوات الدعم السريع.

وفي هذا الشأن، انخرط عدد من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا (تم التوقيع عليه بعد الإطاحة بحكم عمر البشير) التي تتخذ من دارفور غربي البلاد معقلًا لها، إلى جانب الجيش في حربه للدعم السريع.

وفي حين بقيت بعض الحركات المسلحة الأخرى في دارفور في موقف الحياد، إن لم تكن أقرب إلى قوات الدعم السريع، اختارت بعض الحركات الاصطفاف إلى جانب الجيش.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” (الفرنسية)

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت كل من حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وعدد من الحركات المسلحة الأخرى، تخلّيها عن موقف الحياد والانضمام إلى الجيش في حربه على الدعم السريع.

ومع ذلك، انتظرت تلك الحركات حوالي 5 أشهر قبل أن تترجم موقفها بشكل عملي بالانضمام إلى الجيش، وترافق ذلك مع خطاب سياسي عدائي مباشر ضد الدعم السريع.

بعد انخراطها في الحرب، بدأت تثار التساؤلات حول مدى تأثير خطوة الحركات المسلحة الجديدة في مجرى الحرب، وعن إمكانية رجحان كفة الجيش السوداني، أو تفاقم حدة الصراع.

عسكريون من قوات حركة العدل والمساواة في طريقهم إلى ولاية الجزيرة وسط البلاد (الجزيرة مباشر)

هل تغير موازين المعادلة العسكرية؟

يعتقد محللون سياسيون ومختصون في الشأن الدارفوري أن لخطوة الحركات المسلحة ما يبررها، وأنها ستؤثر في مسار الصراع المسلح الدامي في السودان الذي تجاوز عامًا، غير أن قوات الدعم السريع ترى أن قتال الحركات إلى جانب الجيش لن يغير موازين المعادلة العسكرية على الأرض.

يرى أنور إسحاق سليمان وزير الثروة الحيوانية السابق بولاية شمال دارفور المختص في شؤون الإقليم المضطرب منذ أكثر من عشرين عامًا، أن انحياز بعض الحركات المسلحة له تأثير كبير على مستوى الأرض في الميدان وعلى المستوى السياسي.

سياسيًّا، يعتقد أن الانحياز كشف زيف شعارات محاربة المركز ودولة 56 التي تتخذها قوات الدعم السريع سببا رئيسيا للحرب، مشيرًا إلى أن انضمام الحركات المسلحة التي هي في الأصل صاحبة هذه الشعارات، يسقط هذه الورقة من يد الدعم السريع باعتبار أنهم أصحاب هذا المشروع وظلوا يقاتلون أكثر من 20 عامًا.

واعتبر سليمان في حديث للجزيرة مباشر أنه لو كانت هذه الدعاوى متماشية مع هذه الشعارات لكانت الحركات المسلحة انحازت إلى صف الدعم السريع، لافتًا إلى أن قيادات الدعم السريع سعت سعيًا حثيثًا لاستقطاب الحركات إلى صفها والقتال معها، لكن الأخيرة تمسكت بموقف الرفض.

نائب قائد الجيش السوداني شمس الدين الكباشي (يمين) ومناوي خلال تخريج قوات عسكرية (الجزيرة مباشر)

كما يرى سليمان أن انحياز الحركات المسلحة له تأثير على مستوى القتال والميدان، مشيرًا إلى أنه من المعروف أن قوات الدعم السريع تم تكوينها لمجابهة الحركات المسلحة في دارفور، وأسلوب قتالها هو نفس أسلوب الحركات المتمثل في الهجوم السريع والنيران الكثيفة والانقضاض ثم الانسحاب، وبالتالي يعني انحيازها سد نقص وخلل الإجراءات البيروقراطية التي ينتهجها الجيش بالتحرك والمناورة البطيئين في القتال.

وأضاف المسؤول السابق أن الانحياز له أثر كبير على المستوى السياسي والميداني، وستظهر نتائجه قريبًا بدحر الدعم السريع من كل المناطق سواء في وسط السودان أو في الخرطوم أو أجزاء من إقليم دارفور، بحسب قوله.

وأوضح سليمان أن البعد الأخير متعلق بمسألة الإمداد، إذ إن قوات الدعم السريع تعتمد اعتمادًا كبيرًا في دخول الأسلحة والذخائر على طرق عبر تشاد، لافتًا إلى أن تلك الطرق تقع ضمن وجهات وسيطرة هذه الحركات لوجود حواضنها الاجتماعية في هذا الشريط، كما أن المكونات الاجتماعية التي تنطلق منها الحركات المسلحة هي نفسها المكون الاجتماعي الحاكم في دولة تشاد؛ مما يضعف نفوذ تشاد في دعمها للدعم السريع.

أما الخبير العسكري، أمين إسماعيل مجذوب، فلم يستغرب انضمام الحركات المسلحة إلى جانب الجيش السوداني، خاصة أن بعضها دمج قواته في الجيش السوداني من قبل مثل الحركة الشعبية -شمال بقيادة مالك عقار الذي يتولى حاليًّا منصب نائب رئيس مجلس السيادة خلفًا لحميدتي.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط قواته (رويترز)

وأرجع مجذوب ذلك إلى توجّس الحركات بعدما اجتاح الدعم السريع عددًا من ولايات دارفور بجانب ما حدث للمساليت في غرب دارفور بأيدي قوات الدعم السريع؛ مما جعل الحركات المسلحة متخوّفة من دخولها إلى مدينة الفاشر وهي العاصمة التاريخية للإقليم.

واعتبر الخبير العسكري في حديث للجزيرة مباشر أن الدعم السريع فقد حاضنة ضخمة جدًّا في دارفور، في حين ارتفعت معنويات الجيش السوداني بعد دخول عدد مقدر من القوى البشرية والآليات والمعدات القتالية والأسلحة إلى جانب الوحدات العسكرية الموجودة هناك.

ومع ذلك، قال مجذوب إن الأمر يحتاج أيضًا إلى ضبط وسيطرة، داعيًا إلى إصدار قرار بضم هذه القوات إلى الجيش مباشرة وليس باسم حركاتها المسلحة وقياداتها.

من منظور أخلاقي

في هذا السياق يقول عبد الباسط الحاج المحلل السياسي المختص في شؤون دارفور والخبير القانوني، إنه من منظور أخلاقي فإن قوات الدعم السريع ارتكبت فظائع خطيرة، بدءًا من غرب دارفور مرورًا بكل قرى ومدن دارفور حتى إقليم كردفان، بما يمكن أن يرقى إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد إثنية المساليت في غرب دارفور.

وأشار كذلك إلى ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الخرطوم، كما تقوم حاليا بممارسات وانتهاكات خطيرة للقانون الدولي ضد المدنيين في ولاية الجزيرة.

وقال “اتضح جليًا أن الدعم السريع لا تحارب سوى المواطنين المدنيين الأبرياء وهو ما يدفع هذا الطيف من الحركات المسلحة لاتخاذ موقف إما بحماية المدنيين أو بالانخراط في العمليات العسكرية بجانب الجيش السوداني”.

ورأى الخبير القانوني أن موقف الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا تحديدًا بالانحياز إلى جانب الجيش موقف مرجح ومفهوم بطبيعة الحال، وعزا هذا الموقف إلى سببين.

وقال إن السبب الأول هو ارتباطها بالتزام دستوري، متمثل في اتفاق سلام جوبا الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020 الذي حازت بموجبه على مناصب رفيعة في الحكومة الانتقالية السابقة واحتفظت بها حتى بعد الانقلاب الذي قام به الشق العسكري في أكتوبر 2021.

نزوح كبير من سكان مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور جراء الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع (رويترز)

الحركات المسلحة “في أضعف حالاتها”

أما السبب الثاني؛ بحسب الحاج، فهو عدم تمكنها من دعم قوات الدعم السريع التي تمردت، إضافة إلى انعدام أي مستقبل سياسي للدعم السريع؛ إذ لا تمتلك شرعية معترفًا بها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

في المقابل يقول يعقوب نورين مستشار قائد قوات الدعم السريع، إن انضمام الحركات المسلحة للقتال إلى جانب الجيش لا يغيّر في موازين المعادلة العسكرية على الأرض، مضيفًا أن الحركات المسلحة نفسها في أضعف حالاتها حاليًّا ولا تملك قوات كافية، متهمًا إياها بتجنيد من سمّاهم البسطاء والمساكين الموجودين في المشاريع الزراعية، لافتًا إلى أن هؤلاء لا علاقة لهم بالحرب.

وأكد نورين للجزيرة مباشر أنه ستتم معاملة الحركات المسلحة في المناطق العسكرية التي تدور فيها العمليات “معاملة العدو”، واتهم البرهان بأنه زج بالحركات المسلحة حتى يحول الحرب من مناطقها الحالية في الخرطوم وغيرها من الولايات إلى دارفور لتصبح حربًا أهلية.

وختم بأن ما سمّاه خطة الجيش لتحويل الصراع إلى حرب أهلية في دارفور ستكون وبالًا عليهم، مؤكدًا عدم استجابة أهل دارفور لها، كما قوات الدعم السريع لن تستجيب لها.

المصدر : الجزيرة مباشر