نصف عام من حرب غزة.. إسرائيل تواجه خسائر اقتصادية هائلة تتصاعد باستمرار

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (غيتي)

في تقديرات سابقة وصفتها بأنها “متفائلة”، نشرت صحيفة كالكاليست الإسرائيلية في نوفمبر/تشرين الأول الماضي، نقلًا عن مصادر في وزارة المالية الإسرائيلية، أن تكاليف الحرب في غزة لن تقل عن 200 مليار شيكل (50 مليار دولار).

وكانت التقديرات وقتها أن التكلفة ستصل إلى ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، الذي بلغ نحو 525 مليار دولار في عام 2022، حسب بيانات البنك الدولي.

وتشمل هذه التكاليف المفترضة نحو مليار شيكل يوميًّا من النفقات المباشرة للجيش الإسرائيلي، ما يعني تقريبًا 260 مليون دولار يوميًّا.

وبُنيت هذه التقديرات على أساس افتراضات عدة، منها أن الحرب لن تمتد إلى مواجهة أوسع في لبنان وسوريا واليمن، وأن جنود الاحتياط المشاركين فيها -وعددهم نحو 350 ألف فرد- سيعودون إلى وظائفهم في أقرب فرصة، وهي افتراضات لم يتحقق أغلبها.

وفي مطلع العام الجاري، وبعد نحو 3 أشهر من بداية الحرب، رفع بنك إسرائيل المركزي تقديراته لتكاليف الحرب إلى نحو 58 مليار دولار، حسب ما نقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن رئيس البنك أمير يارون، الذي حذر حينها من “التأثير الاقتصادي السلبي الكبير” الذي تتعرض له إسرائيل نتيجة الحرب.

جيش الاحتلال الإسرائيلي بدأ بسحب بعض الفرق والألوية من قطاع غزة (رويترز)

شكوك في الأرقام الإسرائيلية

غير أن هناك شكوكًا في الأرقام التي تعلنها إسرائيل عن تكلفة الحرب في غزة، كما يقول خبير الاقتصاد السياسي والمستشار السابق بصندوق النقد الدولي زيان زوانه “بسبب رغبة إسرائيل في المحافظة على صورتها كما كانت قبل العدوان (بلد جاذب للاستثمار)، علمًا بأن الدلائل المرئية عكس هذا تمامًا”.

وأضاف زوانه للجزيرة مباشر أن “حكومة إسرائيل وكبار المسؤولين أصبحوا في نفس قارب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتمثل في إطالة العدوان وإخفاء الحقائق لأسبابهم الشخصية والحزبية، لذلك يستمرون في إخفاء تداعيات العدوان الاقتصادية وتكاليفه المتزايدة، آملين أن يحققوا أي صورة نصر يبرر لهم هذه التكاليف أمام شارعهم الذي يتصاعد غضبه”.

ويرى زوانه أن التكلفة الإجمالية للعدوان على غزة، بما فيها التكاليف المباشرة وغير المباشرة، قد تصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، أي نحو 80 مليار دولار، خلال الفترة الماضية من الحرب، وقد تزيد مع استمرار العدوان.

ويلفت زوانه النظر إلى عناصر مهمة لخسائر الحرب، منها استمرار تهجير السكان على الحدود مع لبنان وغلاف غزة، والتعويضات التي تدفعها لهم الحكومة الإسرائيلية، والإغلاق شبه الكامل لميناء إيلات، وتراجع قطاعات اقتصادية مهمة، كالسياحة التي توقفت بشكل شبه كامل، والنقل والتكنولوجيا.

يُذكر أن صحيفة واشنطن بوست أشارت في تقرير لها مطلع العام الجاري إلى أن خسائر إسرائيل بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي، ستصل إلى نحو 20 مليار دولار بشكل ربع سنوي، وذلك حسب تقديرات النائب السابق لمحافظ (بنك إسرائيل) زيفي إيكستين، وهو ما يعني 40 مليار دولار خلال الأشهر الستة الماضية.

القسام تفجر دبابة بالقرب من مستشفى الشفاء شمالي غزة
القسام تفجر دبابة بالقرب من مستشفى الشفاء شمالي غزة (منصات التواصل)

تصاعد التكاليف

ويرى الخبير العالمي في اقتصاديات النفط والطاقة الدكتور ممدوح سلامة أن خسائر إسرائيل نتيجة الحرب في غزة، مع افتراض استمرارها لستة أشهر قادمة، قد تصل إلى ما بين 180 مليارًا و200 مليار دولار.

وقال سلامة للجزيرة مباشر إن التكاليف التي أعلنتها جهات إسرائيلية تركز أساسًا على التكاليف المباشرة للحرب، وهي أساسًا تكاليف الذخيرة والوقود وقطع الغيار ومرتبات العسكريين، التي لا تقل في تقديره عن 70 مليار دولار في الأشهر الستة الماضية، ولا تشمل الخسائر غير المباشرة جراء الحرب.

ومن بينها -كما أوضح سلامة- توقف حركة السفن نحو ميناء إيلات، وتراجع الصادرات الإسرائيلية التي تُقدَّر خسائرها بنحو 25 مليار دولار، والخسائر نتيجة استدعاء أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط التي تصل إلى 35 مليار دولار، إضافة إلى تكاليف إجلاء أكثر من 200 ألف إسرائيلي من الحدود مع لبنان وقطاع غزة.

أضرار لحقت بمناطق في مستوطنة كريات شمونة الإسرائيلية جراء صواريخ حزب الله قبل أيام
أضرار لحقت بمناطق في مستوطنة كريات شمونة الإسرائيلية جراء صواريخ حزب الله قبل أيام (رويترز)

وأوضح سلامة أنه بنى تقديراته لخسائر إسرائيل الإجمالية، المباشرة وغير المباشرة، على أساس أنها لا تقل عن 20 مليار دولار شهريًّا.

ومن ثم، يرى سلامة أن تكلفة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الأشهر الستة الماضية لا تقل عن 120 مليار دولار، وإذا استمرت الحرب ستة أشهر أخرى فقد تصل إلى 200 مليار دولار.

ويؤكد سلامة أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه مشكلات كبيرة بسبب الحرب في غزة، غير أنه “يتلقى دعمًا مستمرًّا من طرفين، الأول هو الولايات المتحدة، والثاني هو دعم خفي من شركات يمتلكها يهود في الغرب”.

وأكد سلامة أن نتنياهو تحت ضغط كبير بسبب التكاليف المرتفعة للحرب، لكنه يحرص على إطالة أمدها لأنه يعرف أنه مع نهايتها قد يدخل السجن، ولهذا يتحالف مع اليمين المتطرف الذي يرغب في مواصلة الحرب.

وتشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر حربًا مدمرة على قطاع غزة، خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية ودمارًا هائلًا للبنية التحتية.

المصدر : الجزيرة مباشر