طهران وواشنطن وجهاً لوجه: ما الجديد؟

 

 

تتزايد وتيرة الحرب الكلامية بين واشنطن وطهران بحيث أصبح الحديث عن الحرب كأحد السيناريوهات المحتملة بنسبة عالية. ووسط التصعيد الكلامي المرتبط ببعض الحوادث على الأرض كالتفجيرات التي طالت أربع سفن في ميناء الفجيرة الاماراتي، ثم استهداف أحد خطوط تصدير النفط السعودي داخل المملكة من قبل جماعة الحوثي في اليمن. بالطبع رافق كل ذلك تحركات لقطع عسكرية أميركية باتجاه الخليج.

كل هذا يحدث مستنداً الى سيناريو وحيد أن الأمور تتجه للتصعيد بناء على حروب سابقة شهدتها منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والاشارة هنا الى تحدير الكويت في العام ١٩٩١، ثم الحرب على أفغانستان في العام ٢٠٠١ ثم الحرب على العراق في العام ٢٠٠٣.  في هذه المقالة يرى الكاتب أن ما يحدث الان بين طهران وواشنطن مختلف جذرياً عن كل المواجهات التي شهدتها المنطقة، وأن فهم سبب هذا الاختلاف سيقود بالضرورة الى خلاصة/ خلاصات مختلفة لما تشهده المنطقة من تصعيد.

مواجهة ثنائية وليست دولية

تستند هذه المواجهة بالأساس الى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه في العام ٢٠١٥ بين طهران والقوى الكبرى دائمة العضوية في مجلس الامن (اميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين) بالإضافة الى ألمانيا. الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تبعه جمله من الاجراءات الأحادية الجانب لكن دائرة الملتزمين بها يمكن أن تتسع إذا ما ارادت واشنطن معاقبة الدول التي تتعامل مع إيران. هذه الإجراءات شملت عقوبات على شركات وشخصيات إيران وكذلك اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، كما شملت العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترامب قطاعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس التي تشكل 10% من مجمل صادراتها.  كما مضت الإدارة الأميركية في خطتها لما أسمته تصفير صادرات النفط الإيراني اعتباراً من مايو ٢٠١٩، وذلك عبر وقف قائمة الاستثناءات التي يسمح لها بشراء النفط الإيراني والتي كانت تشمل كل من اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا واليونان وتايوان وإيطاليا. هذا التصعيد من جانب الإدارة الأميركية لا يحظ بدعم الأوروبيين والصين وروسيا، كما أنه يثير حفيظة الدول الخمس الموقعة على الاتفاق النووي والتي ترى أن الاجراءات الأميركية قد تدفع إيران الى عدم الالتزام الكامل بالاتفاق وبالتالي معاودة الأنشطة النووية التي كانت كل تلك الدول ترى فيها خطاً أحمر.  وقد حصل ما توقعته بعض الدول الأوروبية، فقد أعلنت طهران عن تخليها عن إجرائيين وذلك لمدة شهرين: الأول يتعلق بوقف البيع الذي كان متفق عليه في الاتفاق النووي والمتعلق بتخصيب اليورانيوم حيث كان الاتفاق على أن تبيع ايران كل مقدار تخصيب اليورانيوم عندما يزيد عن 300 كيلوغرام، حيث كانت ايران تحصل في المقابل على الكعكة الصفراء. أما الاجراء الثاني فهو وقف طهران بيع المياه الثقيلة والتي كانت مقررة إذا ما تجاوزت كمية المياه الثقيلة 130 طنا. الإجراءات الإيرانية زادت من وتيرة التصعيد لكنها بقيت في دائرة ردة الفعل على القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق وعدم جدية الأوروبيين في تقديم بدائل لإيران للمحافظة على الاتفاق كما كان في ٢٠١٥. وجهة النظر الإيرانية هذه وضعت الأوروبيين في دائرة ادانة القرار الإيراني لا سيما مع عدم الجدية في تطبيق الآلية التي اقترحها الأوروبيون والمسماة أنستكس والتي تضمن حصول إيران على المواد الغذائية والأدوية عبر القنوات الاوربية وتجاوز القنوات المالية الأميركية.

لا يمكن مقارنتها بحرب الخليج

بناء على ما تقدم فإن الازمة فعلياً بين واشنطن وبين طهران، لا يمكن مقارنتها بحرب الخليج الثانية ١٩٩١ والتي حصلت بعد الاجتياح العراقي للكويت في العام ١٩٩٠ والذي يعتبر مخالفة للقانون الدولي وتجاوز على دولة ذات سيادة، حيث تمت بمباركة الأمم المتحدة وبتحالف دولي قادته الولايات المتحدة شارك فيه الأوروبيون ودول إقليمية بما فيها إيران.  ولا تبدو الحرب على أفغانستان التي حصلت بعد هجمات سبتمبر ٢٠٠١ والتي استهدفت نيويورك وواشنطن والتي استهدفت فيه واشنطن فذهبت الى الحرب على طالبان بإجماع وتحالف دولي. أما الحرب على العراق في العام ٢٠٠٣ فقد تمت في ظل الحرب المستمرة على العراق بعد العام ١٩٩١ وبقرار مجلس الامن ١٤٨٣، ولكنها تميزت بانها استندت الى اتهامات للعراق بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل.  في هذا السياق جميع تلك الحروب تمت في ظل توافق داخل الجهات التشريعية في الولايات المتحدة والدولة الأوروبية المشتركة رغم الجدل الكبير حول مدى شرعية تلك التوافقات وقبولها كمرجعية لشن الحروب.

بسبب كل ما سبق تبدو المواجهة الدائرة بين واشنطن وطهران مختلفة، الامر الذي يمكن أن يقود الى خلاصات مختلفة أيضا، فالمقدمات متباينة جداً، كما أن الفترة الزمنية وطبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية تجعل منها مختلفة عما سبقها.  هذا التباين على كل المستويات يمكن أن يقود الى سبل مختلفة للتعامل مع التصعيد المتزايد، ومن ذلك ما يلي:

اولاً:

لا تبدو إدارة دونالد ترامب راغبة في مواجهة في ظل الازمات التي يوجهها الرئيس الأميركي داخلياً، هذا الامر يستند أيضا الى أن الرئيس الأميركي فعل كل الإجراءات لأجل دفع إيران للتفاوض على اتفاق آخر. وهو أمر لا يبدو مستبعداً ايرانياً بالنظر الى منطق شراء الوقت الذي اتبعته إيران منذ العام ٢٠٠٢ وحتى العام ٢٠١٥ وهو العام الذي تم فيه توقيع الاتفاق النووي. فالمنطق الإيراني يمكن أن يستند الى أن تمرير فترة الرئيس ترمب والتي لن تتجاوز خمس سنوات خيار أفضل من الدخول في مواجهة عسكرية. في نفس السياق فإنه لا يبدو أن ترامب يريد أن يضع نفسه ومعه الحزب الجمهوري أمام اختبار جديد بعد حروب قاد فيها رؤساء جمهوريون فكانت النتيجة الدفع بالديمقراطيين الى البيت الأبيض.

ثانياً:

طهران من جهتها لا تسعى الى إعطاء خصومها الإقليميين وحلفاء واشنطن الفرصة للنجاح بالدفع الى خيار الحرب، وتستند في ذلك الى قناعتها أن لديها ما تقدمه لواشنطن رغم الخلافات وبأنها يمكن أن تتحول الى حليفاً فاعلاً وليس عبئاً، وقد حصل ذلك في أفغانستان وفي العراق وفي ملفات أخرى. مثل هذا قد يخفف التصعيد ويدفع الأطراف الى إعادة مصالحها الثنائية وليس مصالح الأطراف الأخرى. إعادة التموضع هذا ستلقى قبول من الأطراف الأوروبية والصين وروسيا، وهي بالضرورة لا تعني تنازلات مؤلمة من أي طرف.

ثالثاً:

ثمة تيار قوي الحضور في واشنطن ضمن المؤسسات الأميركية او ما تسمى “الدولة العميقة” يؤمن أن الإجراءات التي فرضها الرئيس هي أكثر فاعلية من الحرب على المدى القصير والطويل، ويمكن أن تدفع بإيران الى خيار التفاوض لتفادي تلك الاثار السيئة للعقوبات. إضافة الى التكلفة الاقتصادية والأمنية للمواجهة مع إيران على كل المستويات. فواشنطن تحاول او تفكك غزلها في أفغانستان وفي العراق وهما البلدان الذين استنزفا قدرات اقتصادية وعسكرية أميركية منذ العام ٢٠٠١.  من جهة أخرى فإن إدارة ترمب تبدو منقادة في سياساتها مع إيران الى وعود الرئيس الأميركي الانتخابية، فهي تكاد تكون شخصية، وعليه فالرئيس في تقييمه سيبقى متأثر بمدى تأثير نتيجة قراره على مستقبله السياسي وإذا ما كان هذا سيدعم شعاره ” أميركا اولاً”. وهذا يعني الحد من احتمالية أن تؤثر أي مواجهة محتملة على الاميركيين لا سيما قاعدته الانتخابية، وهذا يشمل عدم السماح لأسعار البترول بالارتفاع وهو الامر الذي سيحدث إذا ما حصلت أي مواجهة عسكرية. ناهيك عن الخسائر البشرية المحتملة.  يجب التذكير أن تغيير سلوك النظام السياسي في إيران هو الهدف الأميركي المعلن، وقد يكون تغيير النظام، لكن كلاهما بالنسبة لهذا التيار ويشاركهم في ذلك إسرائيل يمكن أن يتحقق بمزيد من الضغوط السياسي والاقتصادية التي ستدفع الى تغيير داخلي.

رابعاً:

من المستبعد أن تدخل إدارة ترمب في مواجهة مع إيران فقط لإرضاء حلفاء لها، فهذه إدارة تسعى الى جعل حلفاءها يتحملون قدر أعلى من المسؤوليات والادوار التي يمكن أن تكون عالية الكلفة بالنسبة لواشنطن، كما أنها لا تمانع منحهم مساحات للعمل تحقق استراتيجيتها، وهذا قد يشكل حلاً وسطاً بالنسبة لإدارة ترمب في احترام العلاقة مع الحلفاء وتحقيق شعاره الانتخابي جعل اميركا عظيمة من جديد.

خامساً:

أي تراجع في التصعيد الإعلامي وحرب التصريحات، لا يعني وقف مستويات المواجهة الأخرى والمتمثلة في حرب المعلومات وحرب الاستخبارات والهجمات الالكترونية والتي يبدو أن كل الأطراف منشغل بها لكن من المستحيل أن يعترف أي من الأطراف أنه يقوم بمثل هذه المواجهات غير التقليدية.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه