سـلاماً أهـل عُـمان

السلطان هيثم بن طارق

في الوقت الذي يكون فيه العالم على شفا جرف هار، تكون عُمان واحة للرخاء والاستقرار، وفي الوقت الذي تكون فيه المنطقة على شفير الهاوية، تكون عُمان قبلة للسلام والهدوء، وفي الوقت الذي تئن فيه منطقة الخليج تحديداً من الفتن والمؤامرات، تسعى عُمان للتوفيق هنا والمصالحة هناك.

كنت دائماً أتوقف أمام هذه الحالة مندهشاً ومتسائلاً دون إجابات: أهي شخصية السلطان قابوس، أم هي الشخصية العمانية عموماً، أهو السلطان الذي حبا الله عُمان والعمانيين به على مدى نصف قرن من الزمان، فانتقل بها من غيابات وغياهب، إلى أنوار ومسالك، ومن صراعات لا معنى لها، إلى تعليم ومستقبل زاهر، أم أنها الشخصية العمانية المتميزة المؤهلة للانطلاق، وكانت فقط بحاجة إلى القيادة الحكيمة، هل هو التراث العُماني والثقافة العمانية، أم أنها كل ذلك معاً، مما جعل من عُمان بالفعل حالة مختلفة، ليس عن دول الجوار فقط، بل ما هو أبعد من ذلك.

 إنها يا سادة سياسة السلطان قابوس، طيّب الله ثراه، وها هي مستـمرة في ظل قيادة خلفه السلطان هيثم بن طارق

بالفعل هي حالة مثيرة للحسد والغيرة، مما حدا بآخرين أن يسعوا إلى إشعال فتيل الهرج والمرج في شوارع وطرقات عمان، بدلاً من أن يتعلموا من إخوانهم العمانيين فنون الهدوء والتعقل والتسامح، هذه هي الحقيقة، التي عانت عُمان منها خلال العقدين الأخيرين، وبشكل خاص من الأشقاء، سياسياً تارة، وطائفياً تارة أخرى، وأمنياً تارة ثالثة، إلا أن الأحقاد والضغائن كانت العامل المشترك طوال الوقت.

ولِمَ لا وقد احتضنت العاصمة العمانية مفاوضات سرية دامت ستة شهور بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، أسفرت عن ذلك الاتفاق النووي الشهير، الذي ما كان يمكن التوصل إليه في عاصمة أخرى بخلاف مسقط، وتحتضن عمان طوال الوقت مفاوضات الأشقاء اليمنيين بطوائفهم المختلفة، سواء مع بعضهم البعض، أو مع الجانب السعودي، أو حتى مع الأمم المتحدة، وقد توسطت عُمان فيما مضى بين العراق والكويت، وبين العراق والولايات المتحدة، وبين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين، وقبل كل ذلك كان لها ذلك الموقف المختلف من المقاطعة العربية لمصر، إبان ما يعرف باتفاقية السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩، حيث كانت الدولة العربية الوحيدة التي لم تقطع علاقتها بمصر.

إنها يا سادة سياسة السلطان قابوس، طيّب الله ثراه، وها هي مستـمرة في ظل قيادة خلفه السلطان هيثم بن طارق، إلا أن البعض لا يروق له أن تعيش المنطقة في هدوء، فأعلنت عُمان أكثر من مرة خلال حكم السلطان الراحل الكشف عن شبكات تجسس لحساب إحدى الدول التي استهدفت أمنها واستقرارها، وها هي تعاود الكرّة من جديد فيما يبدو بنفس الأساليب البالية، إلا أن الحكمة المتوارثة للسلطان الجديد استوعبت أيضاً الموقف ببراعة، بهدف تفويت الفرصة على مَن أرادوا شيطنة الأحداث.

لن نزايد أبداً على الإخوة العمانيين أو شباب عُمان في مطالبهم، فهم يستحقون حياة كريمة من كل الوجوه

ربما لا تمتلك سلطنة عمان المقومات نفسها التي يحظى بها الآخرون نفطياً واقتصادياً بشكل عام، إلا أن التطور الذي شهدته البلاد على مدى خمسة عقود، جعل منها واحة للتقدم والازدهار ونسب النمو، بشهادة المنظمات الدولية المتخصصة، ذلك أن كل مداخيل البلاد عادت على أبنائها وعلى تطور بنيتها التحتية والاقتصادية، في الوقت الذي كان فيه آخرون ومازالوا ينفقون ثروات بلادهم على إشعال الفتن والحروب وسفك الدماء هنا وهناك.

أعتقد أن الأشقاء في عمان فطنوا إلى ذلك الذي يجري، أو ذلك الذي يُحاك بهم، لم يعد ممكناً التغرير بهم، خاصة أنهم يرون ما يعانيه العالم -كل العالم- من أزمات متعددة، نتيجة تلك الجائحة التي ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة، خاصة الاقتصادية منها، وما يتعلق بها من توفير فرص العمل وارتفاع الأسعار وخلافه، مما ساعد على عدم التفاعل مع تلك الأحداث الطارئة، التي احتوتها القرارات السلطانية، كما هو متوقع دائمًا في مثل هذه الظروف.

لن نزايد أبداً على الإخوة العمانيين أو شباب عُمان في مطالبهم، فهم يستحقون حياة كريمة من كل الوجوه، ولا نسامح أبداً من يسئ إليهم، إلا أننا في الوقت نفسه سوف نظل نستنكر كل تدخل خارجي -سراً وعلناً- في الشأن العُماني ونتصدى له، ذلك أن الشعار العُماني دائماً وأبداً كان (عدم التدخل في شؤون الآخرين)، مما يجعل من حق الدولة العمانية المعاملة بالمثل، حتى تظل عُمان واحة للسلام والوئام والمصالحات، في منطقة مشحونة بالصراعات المستحقة أحياناً بحُكم أهميتها، والمصطنعة في معظم الأحيان بحُكم كشف البعض عن وجههم القبيح في السنوات الأخيرة بشكل خاص.

حما الله عمان، وكتب السلامة لأهل عمان، وحفظ سلطان عمان، اللهم آمين.

المصدر : الجزيرة مباشر