الأسباب الحقيقية لرفض أنقرة تنفيذ برنامج واشنطن لنقل اللاجئين الأفغان

أردوغان وبايدن

الرفض القاطع الذي أبدته تركيا لمسألة تولي تنفيذ برنامج الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بنقل اللاجئين الأفغان إلى أراضيها عبر دولة ثالثة، فيما يعرف بـ”برنامج قبول اللاجئين الأفغان العاملين مع الولايات المتحدة وعائلاتهم” الذي أعلنت عنه الإدارة الأمريكية، جاء بمثابة صدمة حقيقية للسياسيين الأتراك المعارضين، والمحللين المتابعين لتطورات ملف العلاقات التركية الأمريكية.

إذ توقع الجميع قبول أنقرة تلك المهمة، بل والترحيب بها في إطار مساعيها الرامية لاسترضاء واشنطن وإزالة التوتر الذي يسود علاقات البلدين، الأمر الذي انعكس سلبا على التحركات التركية في العديد من الملفات الإقليمية، كالعراق وسوريا وليبيا وشرق المتوسط، خصوصا وأن الرغبة الأمريكية تلك جاءت في أعقاب الاقتراح الذي تقدمت به تركيا بشأن بقاء قواتها العاملة في أفغانستان لتأمين وحماية مطار كابل الدولي، عقب إتمام عملية الانسحاب الأمريكي من هناك، وهو المقترح الذي لاقى قبول الإدارة الأمريكية، وموافقتها على تقديم جميع أنواع الدعم السياسي واللوجيستي والاستخباراتي الذي طلبته تركيا لتنفيذ مقترحها.

قرار منفرد سيسبب أزمة كبيرة في المنطقة

ورغم إعلان الخارجية الأمريكية التشاور مع تركيا في هذا الشأن، إلا أن المتحدث باسم الخارجية التركية نفى ذلك بصورة حادة، مؤكدا أن الإدارة الأمريكية اتخذت قرارها دون العودة إلى أنقرة، أو اطلاعها على تفاصيل تطبيقه قبل الإعلان عنه، موضحا أن ما تسعى واشنطن لتطبيقه سيؤدي إلى حدوث أزمة هجرة كبيرة في المنطقة التي تعاني أصلا من جراء تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، وأنه من غير المنطقي أن ينتظر أحد من تركيا -التي استضافت أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم خلال السنوات السبع الماضية- تحمل عبء المزيد من المسؤوليات الخاصة باللاجئين وحل أزمات الهجرة، مع الأخذ في الاعتبار أن بلاده لا تملك القدرة على تحمل أزمة هجرة جديدة نيابة عن دولة ثالثة، وأنه إذا أرادت أمريكا نقل هؤلاء المهاجرين إلى أراضيها فيمكنها القيام بذلك عبر نقلهم مباشرة بالطائرات.

الإدارة الأمريكية التي سبق أن أوضحت على لسان وزير خارجيتها أن الإجراء الذي ترغب واشنطن في القيام به هدفه حماية الأفغان الذين من المحتمل أن يكونوا هدفا لمقاتلي طالبان بسبب ارتباطهم بالولايات المتحدة، أشارت إلى صعوبة استقبالهم جميعا في الوقت نفسه، لكون غالبيتهم غير مؤهلين للحصول على برنامج تأشيرات إعادة التوطين لهم ولأفراد أسرهم طبقا للقوانين الأمريكية، الأمر الذي يقتضي وصولهم إلى دولة ثالثة قبل أن يتقدموا بطلب الحصول على وضع لاجئ في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يمكن أن يستغرق أكثر من عام بسبب صعوبة عملية التدقيق الأمني الصارم الذي تقوم بها الجهات الأمنية المعنية.

 الآلاف من المرتزقة الأفغان يبحثون عن حل

ووفقا للمعلومات المتداولة إعلاميا فإن هناك عشرات الآلاف من المرتزقة الأفغان والمتعاونين مع الولايات المتحدة في أفغانستان خلال العقدين الأخيرين، الذين في أصبحوا في أمس الحاجة إلى الخروج من البلاد حفاظا على أرواحهم، وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت أنها ستستقبل عددا منهم، وستمنحهم صفة لاجئ، خصوصا أولئك الذين عملوا في وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وعوائلهم، كما سيتم تهريب جزء آخر إلى الدول المجاورة للحدود الأفغانية، ومن المتوقع أن يقوم العدد الأكبر منهم بمحاولة العبور إلى تركيا عبر الأراضي الإيرانية بهدف التوجه إلى أوربا بحرا عن طريق اليونان.

وبينما تخشى تركيا أن تؤدي هذه الموجة الجديدة من اللجوء الأفغاني إلى زيادة حدة التوتر القائم بالفعل بينها وبين اليونان بسبب زيادة محاولات اللجوء إلى أوربا التي يقوم بها اللاجئون السوريون والعراقيون وبعض المواطنين الأفارقة بصفة شبه يومية، فإن الخطة الأمريكية تعتمد على قيام تركيا بإقامة مخيمات حدودية داخل أراضيها، وتولي قواتها الأمنية مهمة قطع الطريق أمامهم، ومنعهم من الوصول إلى الأراضي الأوربية، وهو التعهد الذي قطعته واشنطن على نفسها لأثينا، مقابل قيام الأخيرة بفتح أراضيها أمام النفوذ العسكري الأمريكي للتمركز هناك، في إطار زيادة حجم التعاون العسكري والاستراتيجي بين الدولتين.

أسباب الرفض التركي الحقيقية

ويبدو أن الاتفاق غير المعلن بين أمريكا واليونان هو السبب الحقيقي وراء قرار أنقرة رفض القبول بتنفيذ البرنامج الأمريكي، أو أن تكون جزءا منه، كون ذلك سيصب في صالح اليونان، وسيجعل منها الأمين على راحة أثينا، باستخدام جنودها وتسخيرهم للقيام بتلك المهمة، وليس مسألة زيادة عدد اللاجئين، الذين تستقبل المدن التركية العشرات منهم بصورة شبه يومية.

إذ تتخوف تركيا من فرضية أن تكون الإدارة الأمريكية، وفي إطار معاقبتها لأنقرة، قررت تحويل اليونان فعليا إلى قاعدة عسكرية استراتيجية بديلة، لخدمة أهدافها ومصالحها في بحر إيجه وشرق المتوسطـ، خصوصا وأن واشنطن قامت قبل عام، في ذروة خلافهما بسبب شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية إس-400، بحشد 1800 آلية عسكرية و150 مروحية، إضافة إلى عدد غير معروف من الجنود في ميناء ألكسندر وبولس اليوناني الذي أنفقت عليه أكثر من مليوني دولار لترميمه، ولا يبعد عن الحدود التركية سوى عشرات الكيلومترات، إذ ترى واشنطن أن الميناء أصبح من أكثر المواقع استراتيجية ولوجستية، إلى جانب حشودها العسكرية في جزيرة كريت.

كما قامت بتوقيع اتفاقات استراتيجية وعسكرية جديدة مع أثينا، وتعديل بعض نصوص المعاهدات القديمة، وإضافة بنود جديدة لها تمنحها المزيد من النفوذ والسطوة من الناحيتين العسكرية والاقتصادية والقدرة على الانتشار في القواعد العسكرية لحلف الناتو داخل الأراضي اليونانية.

وهي التحركات التي حظيت بموافقة أوربية كاملة، إذ يرى الاتحاد الأوربي أن زيادة قوة القواعد العسكرية الأمريكية، وقدرتها الفائقة على الانتشار البري السريع يمكن أن يمثل حائط صد يوفر الحماية لأثينا في مواجهة أي اعتداء تركي محتمل عليها، لتكون تلك الموافقة الضمنية بمثابة تفويض للولايات المتحدة الأمريكية عبر الناتو للقيام بهذه المهمة عوضا عنها، رغبة منها في تفادي الدخول في أي مغامرة عسكرية مع تركيا، أو في مواجهة التمدد الواضح للنفوذ الروسي في البحر الأسود وشرق المتوسط، وخطر قاعدته العسكرية الاستراتيجية في ميناء اللاذقية السوري.

واشنطن والسعي لمعاقبة تركيا عن طريق اليونان

ويبدو أن الفرضية التركية لها ما يبررها ويمنحها المصداقية، فواشنطن لم تستطع أن تتخطى عدم انصياع تركيا لموقفها الرافض للتواجد العسكري التركي سواء في العراق أو سوريا أو ليبيا، كما أنه سبق لها وأن حذرت أنقرة من مغبة استمرار تعاونها مع كل من إيران وروسيا على الصعيد الاقتصادي -متخطية بذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما- بل وسعيها إلى زيادة حجم علاقتها معهما عسكريا وإقليميا، وهي التحذيرات التي تجاهلتها أنقرة، ومضت قدما في عقد تحالفاتها الإقليمية بما يحقق مصالحها الاستراتيجية، ويحافظ على أمنها القومي، ويحفظ لها حدودها الجغرافية، لذا كان البحث الأمريكي عن بديل منطقي وحليف محتمل لا يقل أهمية استراتيجية عن تركيا، وهل هناك من هو أنسب لتلك المهمة، والقيام بهذا الدور أكثر من اليونان!

وهي الخطة التي من المرجح أنه تم الاتفاق بشأنها بين الولايات المتحدة الأمريكية واليونان، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، حينما قررت واشنطن تقديم مساعدات مالية لأثينا بقيمة 2.5 مليار دولار، مع بداية التوتر في العلاقات التركية-الأمريكية. ومن هذا المنطلق يمكن فهم صمت واشنطن تجاه التقارب الإسرائيلي-اليوناني في شرق المتوسط، وموافقة الأخيرة على إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية على أراضيها، وكذلك عدم اعتراضها على التقارب المصري-اليوناني، ووقوفها ضد المصالح التركية في شرق المتوسط، ودعمها لموقفي أثينا وجنوب قبرص في قضية تقسيم ثروات المنطقة، كون كل تلك التحركات تصب في صالح تحقيق أهم أهدافها، وهو خلق نوع من التوازن الاستراتيجي تجاه التحرك التركي في شمال أفريقيا، وإغلاق تلك الفجوة الخطيرة التي أحدثها التقارب التركي-الروسي.

تركيا ومراقبة التطورات العسكرية اليونانية

ورغم أن تركيا تحاول التهدئة وتحسين الأوضاع مع الإدارة الأمريكية، متجاهلة التعاون المتزايد بينها وبين وأثينا، بإدراك تام لحقيقة أن التحركات الأمريكية في إيجه وشرق المتوسط هدفها الأول هو مواجهة روسيا، مع تنامي الدور الروسي على السواحل الشمالية والشرقية لأوراسيا سياسيا واقتصاديا، فإنها لا تستطيع تجاهل أن تلك التحركات رسالة مبطنة لها أيضا لحثها على التراجع عن خططها في شرق المتوسط وإيجه وقبرص عقابا لها على خروجها عن الدور المرسوم لها، وعلى تعاونها مع روسيا وتهديدا مباشرا لدورها الإقليمي والمحوري في المنطقة.

لذا فهي تراقب بدقة التطورات على الساحة اليونانية، وحجم صفقات الأسلحة الذي تقوم بشرائه رغم أزمتها الاقتصادية، والاتفاقيات الاستراتيجية التي يتم توقيعها مع الدول الإقليمية والأوربية لتحديث منظومتها الدفاعية والقتالية، وزيادة عدد القواعد العسكرية على أراضيها.

المصدر : الجزيرة مباشر