الحرب على غزة.. توحد بين أمريكا والصين!

الرئيس الصيني شي جين بينغ (رويترز)

 

بينما تشتعل الحرب في غزة، مؤججة أجواء حرب عالمية ثالثة، اختارت الصين الارتماء في أحضان خصمها اللدود الولايات المتحدة، ووضع نهاية لحرب باردة جديدة. أسفر لقاء الرئيسين الصيني شي جين بينغ والأمريكي جون بايدن، خلال قمة المجموعة الاقتصادية لدول آسيا والمحيط الهادي “APEC” في سان فرانسيسكو الأسبوع الماضي، عن تحولات هائلة للعلاقات بين البلدين. شمل الاتفاق ضمان تدفق السلع، ووضع ضوابط لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والصناعات العسكرية لمنع اندلاع حرب عن طريق الصدفة بين البلدين، ومكافحة تدفق مخدر “الفنتانيل” الصيني الذي تعادل مادته 50 ضعفا للهيروين، المنتشر استخدامه -في ظاهرة مخيفة- بين الشباب الأمريكي.

امتد الاتفاق إلى التزام الصين بعدم التدخل بالانتخابات التي ستجري في “تايوان” بعد أسابيع، مقابل تعهد أمريكي بوحدة الأراضي الصينية وعودة تايوان إلى أحضان الوطن، دون وجود سقف زمني لهذه العودة سلميا. عادت خطوط الاتصال على الهواتف الحمراء لتبقى مفتوحة، بين قيادات الجيوش والرئيسين، ليتمكنا من التحدث مباشرة وفورا عند حدوث أي أزمة، على طريقة بايدن في “إدارة المنافسة” بطريقة مسؤولة وضمان عدم تحولها إلى صراع، ووفقا لقول شي “كوكب الأرض كبير بما يسع نجاح البلدين”.

إيران وحماس

ما يهمنا في لقاء وصفه أطرافه بأنه “مثمر وبنّاء” استمر 4 ساعات، ونزهة في منتجع ريفي على انفراد بين الرئيسين، أن الحرب في غزة كانت محورا رئيسا لمباحثات عادت بعد عام من الاضطراب السياسي، و6 سنوات من مقاطعة “شي” لزيارة الولايات المتحدة. عندما طلب “شي” أن تكف واشنطن عن تسليح تايوان، عاجله “بايدن” بألا تسهم الصين في تفاقم الأزمات الكبرى، كالحرب في أوكرانيا، وأن تعمل من خلال علاقاتها مع إيران على منع اتساع الصراع في الشرق الأوسط، بتصعيد الحرب بين “إسرائيل وحماس”، وألا تمثل قضية العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية أي تهديد وتدهور للعلاقات بين البلدين.

حصل الرئيس الأمريكي على ضمانات أن تعمل الصين على دفع إيران إلى منع جماعة الحوثي في اليمن، المرتبطة بطهران بالعراق وسوريا ولبنان، من تهديد إسرائيل، وعدم تأجيج الحرب في غزة والممرات المائية بمضيق هرمز الذي يمر منه 17.5 مليون برميل نفط يوميا تتجه أغلبها إلى الصين، وباب المندب الذي يمر منه 4.5 ملايين برميل يوميا، بما يؤدي إلى رفع أسعار النفط، ويضر بمصالح أوروبا وحلفاء أمريكا الدوليين.

في تصريح لوزير الخارجية الصيني (وانغ يي) عقب لقاء الرئيسين الأربعاء الماضي، أكد إبلاغه الأمريكيين بما بذله من جهد لتهدئة الأوضاع على الجانب الإيراني، والتخلص من أخطار توسع الحرب. تفسر كلمات “يي” حالة تراجع الجماعات المرتبطة بإيران ودول عربية عديدة عن المشاركة في تخفيف الضغط العسكري عن قطاع غزة، عقب تدخل الصين بما تملكه من وسائل ضغط وعلاقات اقتصادية قوية مع دول المنطقة، وتوظيفها الأزمة في صالحها أملا أن تحل محل الغرب المتراجعة شعبيته في المنطقة، بعد تدخله المباشر بدعم العدوان الوحشي الإسرائيلي على الأراضي المحتلة.

التقارب الصيني الأمريكي

تمر الصين بأزمة اقتصادية عميقة، ومخاوف انجرافها من عواقب توسع نفوذها السياسي، والمخاطرة بمصالحها في اللعب مع شركائها التجاريين الكبار بالغرب، مع ذلك لا تعكس التحولات العنيفة في سياساتها تجاه الولايات المتحدة تغييرا مفاجئا، فقرار التقارب وعودة الصين إلى أحضان واشنطن طواعية، اتخذته بيجين منذ أشهر، رغم حالة التوتر السائدة على السطح بين الطرفين، بينما كان البعض يتصور اندلاع حرب عالمية ثالثة تنهي تربع الولايات المتحدة على قمة العالم.

ظهرت تحولات الصين مع بداية العام الحالي، حينما أدرك “شي” أن سياسة عزل بلاده عن العالم، لمدة 3 سنوات، أثناء انتشار وباء كوفيد-19، أوقعته في مشكلات اقتصادية واجتماعية تهدد مستقبل الحزب الشيوعي في السلطة، وتراجع الزخم المالي الذي تمتع به، وأن “الصراع والمواجهة” التي يؤججها بدوافع قومية لها عواقب لا تطاق.

ترك “شي” لمجموعة الخبراء المنتشرين بالحزب والجامعات ومراكز البحوث، دراسة إدارة العلاقة بين بيجين وواشنطن. قبل لقاء بايدن وشي، استضاف منتدى الابتكار العالمي الثامن لمراكز الفكر الصينية في بيجين (23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) جوزيف ناي Josef Nye أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، وأبو مصطلح “القوة الناعمة”، ليشارك مع أعضاء بمجلس نواب الشعب وجمعية الصداقة الصينية مع الدول الأجنبية ومركز الصين والعولمة CCG، في وضع رؤية لإدارة الصين للعلاقة مع الولايات المتحدة. خلص الخبراء إلى أن النظام العالمي الحالي لا يشبه الحرب الباردة أو التعددية القطبية، وإنما يعتمد على الترابط العابر للحدود الوطنية، والتحديات المشتركة، كأساس لـ”القوة مع” بدلا من “السلطة على”، قائم على المنافسة بين القوى العظمى، ليحل محل عصر الاشتباك واستراتيجية الاحتواء التي سادت أثناء الحرب الباردة.

دعا جوزيف ناي إلى التوفيق بين المنافسة والتعاون، أو ما يطلق عليه “التعايش التنافسي”، في ظل وجود قوة عسكرية وحيدة مهيمنة على العالم، هي الولايات المتحدة، بينما الصين لديها القدرة على المنافسة الاقتصادية، وتحتاج إلى التعاون مع الغرب في بقائها ونموها ووضع الضوابط للمشكلات التي تواجه العالم.

يشير “ناي” إلى أن الحرب الباردة بمفهومها العسكري ظلت قائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في وجود استنفار عسكري دائم، ولم يكن هناك اعتماد اقتصادي بينهما، على خلاف السائد بين الصين والولايات المتحدة من تعاون اقتصادي هائل وتجارة بقيمة نصف تريليون دولار، وترابط اجتماعي قوامه 300 ألف طالب يدرسون في الولايات المتحدة.

الصين واختبار غزة

قبل سفر “شي” للقاء بايدن، أصبحت أفكار الخبراء منهجا، فاختفى الخطاب المناهض للولايات المتحدة من الإعلام الصيني. أصبح الأمريكيون في الصحف رفقاء سلاح، يُستشهد بمواقفهم المشتركة أثناء الحرب العالمية الثانية في مواجهة الفاشية اليابانية والنازية. تكلم “شي” عن عدم رغبة الصين في تجاوز الولايات المتحدة أو إزاحتها من قمة العالم، وأن صعود الصين لن يتحقق إلا في بيئة دولية سليمة ومستقرة. يدعو “شي” رجال الأعمال إلى التفاؤل بــ”عصر الأمل”، ولذلك لم يتوقف كثيرا أمام هفوة وعجرفة بايدن العاشق للصهيونية، عندما وصفه في مؤتمره الصحفي بــ”الديكتاتور”. تظل الحرب في غزة مختبرا لإدارة الصين لأزمات متفجرة، وتحديا لقدرتها على السير في بحر مضطرب، تتعادل فيه مصالحها الاقتصادية مع رغبتها في توسيع نفوذها بالمنطقة والعالم.

المصدر : الجزيرة مباشر