عودة الابن الضال

هل حان الوقت للتخلي عن بشار الأسد واستبداله بصديق طفولته؟

مناف طلاس وبشار الأسد

فجأة ظهر مناف طلاس “ابن وزير الدفاع السوري في حقبتي حكم الأسد الأب والابن مصطفى طلاس” على الساحة السياسية بعد غياب طويل ليدلي ببيان يطالب فيه بـ “مرحلة انتقالية في سوريا تقوم بجمع السلاح والحفاظ عل السلم الأهلي من أجل الوصول إلى حلٍ سياسي”.

لماذا ظهر مناف طلاس في هذا التوقيت بالذات؟ وهل حقًّا بإمكانه تحقيق أيّ تقدّم في الملف السوري؟ هل يمكن أن يقوم بانقلاب عسكري مدعوم من جهات خارجية، ويطيح بالأسد، ويستلم حكم سوريا مكانه؟

ربّما كان هذا السيناريو مقبولًا منذ سنوات حين انشقَّ مناف طلاس عن النظام، وغادر سوريا، وظهر في الإعلام على أنه بديل مقبول عن الأسد من جميع الأطراف المتصارعة. علمًا بأنّ تاريخ مناف طلاس وأبيه في خدمة عائلة الأسد وتوطيد حكمهم خلال ثلاثين عامًا من حكم الأسد الأب وبضع سنوات من حكم الابن، والدور الذي قام به مصطفى طلاس في تثبيت حكم بشّار يطرح العديد من الأسئلة حول انشقاق مناف، ومغادرته سوريا، والترويج له كبديل للأسد عن الجهة التي كانت وراء ذلك الانشقاق!

لا شك أنّ مناف طلاس يمتلك مقومات وكاريزما تجعله منافسًا قويًا على الرئاسة فيما لو خاض انتخابات سياسية قبل ثورة الكرامة والحرية. بالإضافة إلى وسامته وانتمائه للأغلبية السورية. لكنّ الوضع الحالي بعد سنوات عجاف أطاحت بالثورة، وأخمدت نارها، وقتلت ثوارها الحقيقيين، وغيّبت الباقي في المعتقلات، يجعلنا نتوقف عند هذه العودة التي لم يعد لها قاعدة شعبية تستند عليها، كما أنّ الطروحات الهزيلة عن شكل سوريا المستقبل غير مشجعة لقبول هذا الظهور.

رفاق الطفولة والشباب

المدقق في صور وفيديوهات تجمع الرفيقين في مراحل من حياتهما يلاحظ بسهولة أنّ بشّار الأسد يبدو أبله ومهزوزًا ومن المؤكد أنّه حين أرسله حافظ الأسد إلى بريطانيا أُرسل للعلاج، لا كما أشيع أنه كان يدرس طب العيون هناك. بينما يمتلك مناف حضورًا جميلًا وثقة بالنفس بادية في ملامحه لا يمكن للعين أن تخطئها. ولو قيّض لمناف في تلك الفترة أن يكون في دولة ديمقراطية، ويترشّح للرئاسة لفاز بالأغلبية الساحقة ولما كان لبشّار أيّ دور في الحكم وأيّ قيمة. لكنّه وجد في دولة “الأسد” القائمة على الإرهاب، والقتل، وسحق كلّ معارض، وإخفائه في المعتقلات حتّى يتعفن، ويموت، وينساه الناس. كما حدث مع رفاق حافظ الأسد الذين قاموا بالانقلاب معه، وأبرزهم صلاح جديد صديق حافظ الأسد ورفيق دربه!

المجلس العسكري الانتقالي، هل هو حل للقضية السورية؟

الحضن باريس والمجتمعون من المعارضة السورية في الخارج والداخل وبالأخص “الساحل السوري” وتلك كناية عن الطائفة التي ينتمون إليها. ومصدر الخبر صحيفة القدس العربي نقلًا عن عضو المجلس العسكري المُقدَّم أحمد القناطري! الذي أكّد على وجود توافق بين ضباط الداخل والخارج، وتنسيق عالي المستوى بينهما. وقد حضر الاجتماع وفد أمريكي “رفيع المستوى”.

المضحك المبكي في هذه التصريحات ذلك التنسيق بين الضباط المنشقين في الخارج وضباط النظام السوري الذين ما يزالون على رأس عملهم “لكنهم ينتقدون أداء المؤسسة العسكرية وخطفها للسلطة”! هذه الكوميديا السوداء التي تستبعد دائمًا إرادة الشعب السوري المنتفض، والمشرّد، والمضطهد، ولا تقيم له اعتبارًا. المهم أن يتوافق الضباط في “المؤسسة” العسكرية في الخارج والداخل، وأن يكون للطائفة الكريمة الدور الفاعل والأساسي في الحل، وأن يستمرَّ حكم العسكر لسوريا مهما كانت الأضاحي التي ستبذل في سبيل ذلك. وماهمَ؟ ما دام الشعب هو الذي سيدفع الثمن حتى آخر قطرة من دمه!

“أكّد المجتمعون على حق العودة للاجئين ووحدة البلاد!” هذه الفقرة بالذات هي قمة الكوميديا السوداء الحاصلة الآن والتي لا يمكن تحقيقها مطلقًا. أيّ وحدة للبلاد في ظلّ هيمنة عدّة دول على الأراضي السورية؟ وأيّ عودة للاجئين وسط اختفاء من عادوا طوعًا ومن عادوا قسرًا من الدول المجاورة!

كما أكّد المصدر أنّ الدول العربية تدعم روح القرار 2254 لكنّ الخلاف القائم بينها ينصبُّ على آلية تنفيذ الخطوات لأنّها تشكك في مواقف الأطراف السورية. بما يعني أنّ الشكّ لا يطال النظام السوري فقط بل جميع الأطراف المتصارعة في الداخل والخارج.

والواقع الشديد الوضوح أمامنا أنّ هذا الطرح فاشل ولن يؤتي أكله كما يرجو المجتمعون ومن خلفهم، فالوضع العسكري في سوريا شديد التعقيد، ولا يمكن إيجاد حلول توافقية بهذه السهولة وإن اتفقت الدول المهيمنة على سوريا عليه فسيكون حلًا مفروضًا بقوة العسكر والسلاح الخارجي، ولن يكون سوريًا توافقيًا بين الأطراف السورية المتصارعة في الداخل والخارج.

إذن عودة مناف طلاس كانت في الوقت الضائع، عودة لا يرجى منها خيرًا لسوريا ولا لمناف نفسه الذي أكّد غيابه الطويل على فقده للقاعدة الشعبية التي كان من الممكن أن تقف خلفه وتوصله للحكم.

المصدر : الجزيرة مباشر