سجن للفاسدين في السلفادور.. آخر مشاريع الرئيس نجيب بوكيله

وصف نفسه بأنه ألطف ديكتاتور في العالم

رئيس السلفادور نجيب بوكيله يسير مع زوجته غابرييلا رودريغيز دي بوكيله

ألقى رئيس السلفادور نجيب بوكيله، الأسبوع الماضي خطابًا بمناسبة مرور أربعة أعوام على توليه منصب الرئاسة في 2019، وسط أجواء تأكد تمكّنه من مقاليد الحكم ونجاحه في وضع حدّ حاسم للقطبية التي عاشتها السلفادور في العقدين الأخيرين بين حزب أفاملن اليساري وأرينا اليميني. وقد أعرب الرئيس بوكيله عن رضاه عن سياسته في التصدي لبلطجة عصابات تجارة المخدرات والجريمة المنظمة ونجاح فكرة السجن الكبير الذي خصصه لمعاقبتهم، وتوعّد المتورطين في شبكات الفساد المالي أيضا بإنشاء سجن مماثل لهم.

قبل الخوض في مضمون خطاب الرئيس بوكيله، يجدر بنا التعليق على الإخراج الذي اتسم به الاحتفال، والتذكير ببعض المعلومات المهمة بشأن شخصية الرئيس لفهم المشهد الحالي. فقد حرص الرئيس وهو المتخصص في مجال الدعاية قبل تقلده منصب الرئاسة ومن قبله عُمدة العاصمة سان سلفادور، على أن تُرفع لافتات مناشدة له بإعادة الترشح طوال الخطاب، وأن يهتف الشباب الحاضرون باسمه بصفة متكررة على شكل “كوبليه” بين الفقرة والفقرة، إضافة إلى تجوّل الكاميرا لرصد حركة كل الحاضرين وهم يصفّقون بحرارة مدة طويلة إلى أن تأتي الإشارة منه بإيماءة ذكية تفسح له مجال مواصلة الخطاب، في لقطة تذكرنا بخطابات رئيس كوريا الشمالية. على صعيد آخر، يهتمّ الرئيس بوكيله في كل ظهور له على مرافقة زوجته له جنبا إلى جنب والثناء على حكمتها ووطنيتها وحتى تقبيلها على الملأ، في سلوك يروّج لصورته الشابة والعصرية لكسب أكثر نسب مشاهدات لدى جمهور الشاشة.

ألطف دكتاتور

وليست هذه التفاصيل بغريبة على شخصية الرئيس بوكيله، الذي عرّف نفسه يوما ما على حسابه في تويتر، بأنه “ألطف دكتاتور في العالم”، وقد برّر فعله الذي جلب له نقدا واسعا، بأنه كان مُجرد مزاح، لكن ناقديه رأوا أن بوكيله مع الوقت، أكد أنه كان جادّا في تعريف نفسه. ولهذا الرأي أسسه التالية، حيث إن بوكيله الذي فاز بالرئاسة في 2019، تمكّن مع الوقت من إحكام القبضة على السلطة القضائية والتشريعية، من خلال تصفية كل من يعارضه من المسؤولين في المناصب الاستراتيجية في الدولة، وتعويضهم بموالين له. وعبر ثغرة في الدستور، نجح في استغلالها قانونيا، استعدّ لإعادة ترشحه لمدة ثانية للرئاسة في انتخابات السنة القادمة، وسيكون بذلك أول رئيس يشغل فترتين متتاليتين في السلفادور، في حال انتخابه. ويبدو أن فوزه سيكون مريحا جدا، بفضل ارتفاع مستوى شعبيته وتصدرها المرتبة الأولى في المنطقة، بنسبة تشارف على 85%، وذلك لسجنه عناصر عصابات المخدرات عن بكرة أبيهم، بغض النظر عن التفاصيل والانتقادات الموجّهة إلى أدائه في المجال الاقتصادي والمالي.

مضمون الخطاب

أمّا عن مضمون الخطاب وبعيدا عن افتقاره إلى الأرقام المتعلقة بالجانب الاقتصادي، فقد تطرق لنقطتين أساسيتين هما: إعادة هيكلة البلديات والمحافظات، وتوعّد الفاسدين ببناء سجن لهم بمقاييس سجن عصابات المخدرات.

فقد قال الرئيس إن السلفادور على صغر مساحتها البالغة 21 ألف كيلومتر مربع، تتضمن  262 بلدية، بترسانة من العُمد ونواب المجالس والمستشارين والموظفين الذين يمثّلون حِملًا ماليًّا ثقيلًا، وعليه فإنه فقد قرّر تقليص عددها إلى 44 فقط، وتحويل فائض كلفتها المالية إلى ميزانية الدولة. وبنفس المنطق أعلن عن تقليص عدد نواب البرلمان أيضا من 84 إلى 60، مثلما كان عليه قبل عام 2000. وهي قرارات سيتم عرضها على البرلمان، ذي الأغلبية الحليفة، للتصويت عليها ودخولها حيز التطبيق قبل حلول موعد الانتخابات القادمة.

رغم أن هذه القرارات تبدو منطقية في ظاهرها، فإن معارضي الرئيس بوكيله يقولون إن حرصه على اعتماد هذه الهيكلة قبل حلول الانتخابات يعود إلى حسابات انتخابية خالصة وضعها الرئيس وحزبه الحاكم بعناية في رسم خريطة الأصوات لضمان النتائج القادمة لصالحهم.

أمّا في ما يتعلق بالحرب على الفساد، والتحضير لإنشاء سجن للفاسدين بنفس مقاييس القساوة المتوفرة في سجن عصابات المخدرات الأكبر في المنطقة، فقد كان الإعلان عبارة على لقطة سينمائية مكتملة. حيث قال الرئيس إن المدعي العام غاب عن الخطاب لأنه منشغل بإلقاء القبض على الرئيس السابق ألفريدو كرستياني، المنتمي لحزب أرينا اليميني ومصادرة كل أملاكه لصالح المال العام، ثم توجّه إلى نواب أرينا الحاضرين بالقول “ليس بغريب أن لا تصفقوا!!! خونة! سوف يجعلكم الشعب تدفعون الثمن غاليًا”، وبالتوازي، انتقلت الكاميرا لتصور نشوة باقي الحاضرين وتصفيقهم الحار.

القرار شخصي بامتياز

بعيدًا عن الانتقادات التي وجهتها المنظمات الحقوقية وجزء من النخبة السياسية الدولية إلى هذا القرار الأخير للرئيس بوكيله، بأنه قرار شعبوي لا يفقه الفصل بين السلطات والأسس القانونية لمكافحة الفساد، رأى بعض المعارضين داخل السلفادور أن القرار شخصي بامتياز.

حيث أعادوا نشر تغريدة للمتوفى أرماندو بوكيله، والد الرئيس، في 2014 وبالتزامن مع فوز ابنه برئاسة بلدية نويفو كوسكتلان، كتب فيها “الرئيس السابق كرستياني أراد أن يقتص من عائلتي، لكن الله حوّلنا إلى أقوياء أكثر، فليحاول الآن!!”. وبالتالي فإن هذا الرّأي يذهب إلى أن استهداف الرئيس كريستياني الذي حكم السلفادور بين 1989 و1994، بعينه، على الأغلب يمثل انتقاما من الرئيس بوكيله، وإهداء إلى روح والده في قبره.

مهما تكن نيات الرئيس بوكيله الكامنة وراء حربه على الفساد وترشيد مصاريف المؤسسات الحكومية، من خلال تقليص مواردها البشرية، فإن هذا لا يمنع وجود مخاوف حقيقية بشأن النرجسية الطاغية على شخصيته وتضاعف مؤشرات انفراده وحزبه بجميع السلطات، بشكل يغفر لناقديه تلقيبه “الدكتاتور الشاب”!!!

المصدر : الجزيرة مباشر