جنين لؤلؤة المقاومة الثانية وفك شفرة الضفة

عباس في مخيم جنين بعد انسحاب قوات الاحتلال منه

جاءت عملية جنين الأخيرة وانسحاب جيش الاحتلال مكسورا لتؤكد عدة ثوابت، منها الإصرار على المقاومة والتمسك بها باعتبارها خيارا استراتيجيا ورفض أي مسار تطبيع أو استلام.

والنقطة الثانية هي وحدة العمل المقاوم خاصة بين الفصائل الكبرى حماس وفتح والجهاد وأنه لن يكون هناك أي تفريق بين الدم الفلسطيني، ونقطة ثالثة هي  وحدة الساحات على الأقل داخل فلسطين إن لم يكن فتح الجبهات الأخرى على حدود فلسطين، ويأتي الإنجاز الأخير  للمقاومة والثبات البطولي والاحتفال الشعبي الكبير والحاضنة القوية ليعكس حجم الفرحة ليس بما تم مؤخرا، ولكن بتجذر المقاومة بجنين ومن حولها، نابلس وأخواتها  خاصة بعد أن استغرق تكوين هذه الكتائب المقاومة جهدا كبيرا ودماء غزيرة وسنوات طويلة، حتى يمكن القول إنه أصبح لفلسطين جناحَا مقاومة، جناح غزة وجناح جنين بالضفة.

حلم راود الجميع

وظل تفعيل المقاومة المسلحة بالضفة حلم يراود فصائل المقاومة بغزة، خاصة بعد الانتفاضة الثانية التي كانت آخر عهد للضفة بالعمليات المسلحة، وكان موقف السلطة المتمسك باتفاقية أوسلو والتفاوض والتنسيق الأمني مع الكيان المحتل عائقا كبيرا، إضافة إلى موقف الكيان المحتل الرافض لأي عمليات مسلحة بالضفة نظرا لتماسها مع شرايين وأوردة المدن المحتلة وفلسطين الداخل، حيث توجد المستوطنات ومدينة القدس والمدن الكبرى مثل تل أبيب وغيرها، لهذا قاتل الكيان لعدم وجود أي عمل مسلح أو خلايا مقاومة بكل الطرق، ولكنه فشل في نهاية الأمر أمام إصرار المقاومة على نقل المواجهة إلى الضفة وعدم حصرها في غزة.

وفي محاولة شبه إبادة للمخيم لإنهاء المقاومة، قام الاحتلال عام 2002 بحصاره خلال الانتفاضة الثانية. وحوصر المخيم أكثر من شهر، وسط قتال عنيف أدى إلى استشهاد 52 فلسطينيًّا ومقتل 23 جنديًّا إسرائيليًّا.

ودُمّر في العملية أكثر من 400 منزل، وشُرّد أكثر من ربع سكان المخيم، حسب الأونروا، حتى وصف مندوب ممثل الأمم المتحدة ما جرى وقتها بأنه أبشع جريمة في التاريخ.

وحدة العمل المقاوم

وللتأكيد على وحدة المقاومة ضمن ثوابت الفصائل كانت بياناتها معبرة وواضحة وصريحة وكان بيان حركة حماس هو الأكثر وضوحا في هذا الصدد فقالت في بيانها الأخير “إن الشعب الفلسطيني المرابط الصامد موحّدٌ ومتمسّك بخيار المقاومة ومجابهة الاحتلال حتى دحره وتحرير الأرض والمقدسات”، كما أكدت “وحدة المقاومين من القوى والفصائل كافة، وتعزيز التنسيق الميداني المشترك في مواجهة الاحتلال وعصابات مستوطنيه، والتمسك بالخيار الاستراتيجي وهو المقاومة والمواجهة المسلحة”.

وهو ما أكدته سرايا القدس في بياناتها ولكنها أضافت تفاصيل عسكرية مهمة بقولها “واصل مجاهدونا المعركة على مدى أكثر من 40 ساعة من القتال والمواجهة والتصدي، استطاعت الكتيبة خلالها تفجير عدد كبير من العبوات الناسفة في آليات الاحتلال وإعطاب العشرات من الآليات وإلحاق أضرار جسيمة بعدد آخر منها”.

كما أدخلت وحدة الهندسة عبوات جديدة للخدمة منها عبوة “طارق 1” تيمنًا بالشهيد طارق الدمج، وتمكن المقاومون من خوض اشتباكات متفرقة على محاور عدة مع قوات الاحتلال أوقعوا خلالها قتلى وجرحى، حسب البيان.

فك شفرة الضفة

جاء تبني حماس لعملية تل أبيب مؤخرا وعدة عمليات أخرى بعد صمت طويل عن عمليات الضفة ومشاركتها في قتال جنين ليفك شفرة الضفة بالنسبة لحماس وباقي الفصائل، وبالنسبة لحماس تحديدا نادرا ما كان يعلن الجناح العسكري لحركة حماس مسؤوليته عن هجمات بالضفة في السنوات الأخيرة. ولكن يبدو أنها اختارت التوقيت المناسب لإعلانها الدخول على خط المقاومة بشكل واضح وصريح مع بقايا الفصائل مثل الجهاد وشهداء الأقصى وغيرهما، ويبدو أن الهدف كان بناء قواعد وخلايا مقاومة ولم يكن هناك استعجال للإعلان عن المشاركة، وبالفعل تحقق هذا مؤخرا بتشكيل خلايا مقاومة مثل عرين الأسود وغيرها في نابلس وجنين والمدن والبلدات الأخرى.

ونقل أرض المعركة والمواجهة إلى الضفة الغربية وعدم حصرها في غزة، يؤكد نجاح فصائل المقاومة في فرض النموذج المقاوم على حساب النموذج المهادن الذي يفضل الحوار والتنسيق الأمني واستمرار التفاوض، والذي أصبح في ركن بعيد وزاوية ضيقة. وجاءت القمم الأخيرة لتؤكد ذلك بوضوح وتكشف السلطة وتعريها تماما أمام الشعب الفلسطيني الذي يدفع من دماء أبنائه يوميا.

وعلى الطرف الآخر أصبح الكيان المحتل في مأزق حقيقي ولا يستطيع إيقاف عجلة المقاومة رغم كثافة العمليات العسكرية المستمرة طوال قرابة عام بشكل يومي، ويمكن القول إن فصائل المقاومة سجلت هدفا عزيز المنال في شباك المحتل قبل شباك السلطة.

المصدر : الجزيرة مباشر