المصريات ذوات الوزن الزائد.. مرفوضات بوظيفة معلمات رياض أطفال.. لماذا؟

أن تُمارس وزارة التربية والتعليم المصرية التنمر والتمييز، ضد مجموعة من السيدات المتقدمات للعمل بها، فهذا مأزق، إن لم يكن كارثة أو مصيبة.. ذلك أن الوزارة استبعدت متسابقات للتعيين بوظيفة معلم رياض أطفال، وابتدائي، بعد اجتيازهن الاختبارات، ورفضتهم بحجة أن لديهن وزن زائد (سمينات)، وأخريات بحجة أنهن حوامل.
ففي طلب إحاطة أمام البرلمان، مقدم من عضو مجلس النواب حنان حسني يشار، لوزير التربية والتعليم الدكتور رضا حجازي، انتقدت بشدة ممارسة الوزارة “تمييزًّا صريحًّا” وتفرقةً، بين المتقدمين لمسابقة تعيين 30 ألف معلم لـ “رياض الأطفال، ومدارس التعليم الابتدائي”. النائبة تناولت شروع الوزارة قبل عامين في إجراءات تعيين 150 ألف معلم على مدار خمس سنوات مُقبلة، بواقع 30 ألف معلم سنويا، بواسطة مسابقة تقدم لها 240 ألف متسابق، تم تصفيتهم إلى العدد المطلوب (30 ألفًا). استطردت، بأنه لم يتم تعيين الفائزين بالمسابقة في العام الماضي رغم اجتيازهم لجميع الاختبارات، نتيجة عدم وجود مخصصات مالية لرواتبهم في العام الدراسي (2022- 2023)، فتم تأجيل تعيينهم للعام الدراسي المقبل (2023- 2024).. ثم إجراء المسابقة مُجددًّا، واستحداث اختبارات أخرى.

“كشف الهيئة”.. ومهارة المتسابقين عقليا ومعرفيا

المتسابقون، وبخلاف الكشف الطبي (معُتاد، وقانوني)، خضعوا لدورات تربوية وذهنية، واختبارات إليكترونية، وإدارية (مقبول وجائز)، ورياضية وبدنية، وما يُسمى بـ “كشف الهيئة”، الذي يُعد بابا ملكيًّا لنفاذ الوساطات والمحسوبيات، كون معاييره مطاطة، يصعُب تحديدها قطعيا. هذه الرحلة الشاقة من سلسلة الاختبارات وأعمال التدريب استغرقت عاما كاملا، واستلزمت إنفاق المتسابق للكثير من الجهد والمال والتنقل بين مناطق مختلفة وعديدة. هذا العناء كله، مع فقدان المتسابقين للأشغال والأنشطة التي يعملون بها، نفاذا لشروط التعيين، لم يمنع الصاعقة التي سقطت على رؤوس الكثيرات من المتسابقات، استبعادا من المسابقة، بحجة أن لديهن وزن زائد، أو حوامل”(!!). هذا الاستبعاد للحوامل والمنسوب إليهن “السمنة”، دفع النائبة “يشار”، إلى وصف هذا المسلك بأنه “تمييز صريح”، يجافي الدستور والقانون، وأن التثبُت من كفاءة ومهارة المتسابقين عقليا ومعرفيا، هو الأنفع للعملية التعليمية.. لافتة إلى أن هذا يحدث في ظل وصول عجز المعلمين إلى 400 ألف معلم (يزيد سنويا بنحو 50 ألف معلم يخرجون على المعاش).

 التنمر والإيذاء النفسي للمتسابقات.. والتمييز محظور

هذا المسلك لوزارة التربية والتعليم، ليس إلا تنمرا على المستبعدين سواء كانوا ذكورا أو إناثا.. فما أصعب أن يُعيّر “إنسان” بالسمنة مثلا، أو زيادة الوزن، فهذا أمر مما يخرج عن إرادته، ومجرد استبعاده لهذا السبب هو “التنمر” بعينه وبلا مواربة. “التنمر” في قواميس العرب، هو إتيان الشخص “المُتنَمِر” سلوكا يشبه النمور، في الغضب والإيذاء. ووفقا لما هو متعارف عليه حديثا، فقد يكون (التنمر) بدنيا أو جسديا (الضرب مثلا)، أو لفظيا (سخرية وتسفيه أو معايرة باللون أو العرق أو الشكل أو الحجم، أو لقب مُسيء)، كما في حالة المتسابقات لوظيفة معلم، الموصوفات بالسمنة، حتى ولو لم تُعلن الوزارة ذلك رسميا، فإن الإيذاء اللفظي والنفسي قد طالهن، ما قد يجعلهن مثارا للاستهزاء والسخرية اجتماعيا.
من زاوية أخرى، فالمفترض حتما، أن وزارة التربية والتعليم، محكومة في مسارها، بشأن مثل هذه المسابقات، بالقوانين واللوائح المنظمة للتوظيف، إذ المُستفاد من نصوص قانون الخدمة المدنية (رقم 81 لسنة 2016)، أن شغل الوظائف المدنية عن طريق التعيين حق للمواطنين على أساس “الكفاءة والجدارة”, وأن “التمييز محظور” في تطبيق أحكام التوظيف، بسبب الدين أو الجنس أو لأي سبب آخر (المواد 1، 2، وغيرهما)، بما مفادُه، انعدام أي إشارة للاختبارات الرياضية والبدنية، عند تعيين المعلمين أو الموظفين بالعموم، فمثل هذه الاختبارات مقبولة.. بل وضرورية إذا كنا بصدد قبول طلاب لكليات الشرطة أو عسكرية، نظرا لطبيعة الأعمال والمهام المستقبلية لهم.

المعيار السري.. وأوزان أجساد المتسابقات

“آفة حارتنا النسيان” على قول أديب نوبل المصري العظيم الراحل نجيب محفوظ (1911- 2006). هذه الآفة تتجلى في حالتنا هذه.. إذ يبدو أن “فكرة” مراجعة أوزان أجساد المتسابقين والمتسابقات، وجعلها “معيارا سريا” للتعيين، خطرت على بال موظف كبير من عباقرة زماننا هذا، وسارع “مرؤوسيه” إلى تنفيذها، “ناسين” أو ربما مُتناسين كل موانع هذا المعيار المُخالف للقوانين واللوائح، والمُنافي للعقل والمنطق. يحق لنا التساؤل.. كيف تجري مسابقة تعيين 30 ألف معلم في عهد وزير التربية والتعليم السابق طارق شوقي.. ثم تُعاد ثانية، مع إضافة شروط واختبارات جديدة، منها ألا يكون المتسابقين من ذوي الوزن الزائد؟!. أين مصداقية الوزارة، عندما تُعيد إجراء المسابقة؟ وكيف تفرض شروطا على المتسابقين، دون الإعلان عنها مُسبقا، وبلا سند قانوني؟ مَنْ هو العبقري الذي شَرّع لهذا الشرط العجيب، بأن يكون المتسابق خفيف الوزن.. مع ملاحظة أن أحدا لا يعرف كم هو الوزن المطلوب؟ ألا يدري مسؤولو “الوزارة”، أن هذا مما ينال من هيبتها ومكانتها؟

كعب داير.. والمهارات التربوية والمعرفية

ألم يفكر المسؤول العبقري بوزارة التربية والتعليم، وهو يقرر إعادة مسابقة تعيين 30 ألف معلم، في الأعباء المالية من رسوم مصاحبة لكل اختبار، وكل مستخرج لوثيقة أو شهادة، ومصروفات التنقل والمشقة النفسية والجسدية التي لابد وقد عانى منها المتسابقون في المسابقة الأولى، كي تتكرر معاناتهم، وكأنهم في كعب داير (إجراء بوليسي قديم قبل اختراع الحاسب الآلي، لتمرير المتهم بجريمة على أقسام البوليس بحثا عما قد يكون له من سوابق)؟
ليت وزارة التربية والتعليم، تهتم بتطوير العملية التعليمة، وتولى اهتمامها للمهارات التربوية والمعرفية والعقلية للمتسابق.. ويكون جميلا لو تُبادر بالاعتذار للمستبعدات المنسوب إليهم الوزن الزائد، لما لحق بهن من إيذاء نفسي واجتماعي بهذا الشرط المُسيء.

المصدر : الجزيرة مباشر