ملف المعتقلين في سوريا.. وحفلات التعذيب

 

بمجرد أن تذكر كلمة “حفلة” يتبادر إلى ذهنك الفرح والبهجة والسرور، وتغزوك طاقة إيجابية تُهيِّئُك نفسيًا لهذا الحفل، لكن ماذا لو علمت أنّ هذا الحفل سينتهي بإزهاق عشرات الأرواح شنقًا؟ وذلك بعد رحلة تعذيب يشارك فيها كلّ من حضر من حُرّاس السجن.

هذه الحقيقة يعرفها السوريون كلهم، وتعرفها أيضًا منظمة العفو الدولية، وبإمكان أيّ مهتمٍّ أن يدخل موقعها على الشبكة العنكبوتية ليتأكد مما هو أفظع من ذلك بكثير. حدث الأمر ذاته في الثمانينيات، وقد تكرر خلال العقد السابق وما يزال، وحسب تقارير منظمة العفو الدولية أنّ ثلاثة عشر ألفًا من المعتقلين واجهوا هذا المصير منذ عام 2011 حتى الآن. هذا الرقم يشير إلى الأعداد الموثقة فقط، أمّا غير الموثق فقد يكون أضعافًا مضاعفة.

أجيال مغيبة في المعتقلات

هل يقتصر الاعتقال على المعارضة السياسية؟ وهل المعتقلون كلهم سوريون؟ بالتأكيد لا، فداخل السجون السورية تجد الأطفال والنساء والشيوخ إضافة للشباب والشابات، وتجد اللبناني والعراقي والأردني والأمريكي والبريطاني إلى جانب السوريين، والأمثلة لمن أراد التأكد كثيرة جدًا.

لا يتفاخر السوريون بأقدم معتقل على سطح هذه الأرض، وكذلك لا يتفاخرون بصاحب أطول مدة اعتقال، يذكرون ذلك بمنتهى الألم، واليوم بمنتهى الألم والخذلان، فملف الاعتقال ليس وليد الثورة السورية وإنّما يمتدُّ بجذوره إلى سنة 1970 عندما استولت عائلة الأسد على الحكم بانقلاب عسكري، وبدأت سلسلة الاعتقالات لتترك في ذاكرة السوريين ثقبها الأسود، ثقب العدم الذي ابتلع الطيّار “رغيد الططري” في الثمانينيات لرفضه الرضوخ إلى أمر عسكري بقصف حماة عام 1982، ليتم الآن عامه الحادي والأربعين في الاعتقال.

قرار أممي بإغلاق ملف المعتقلين في سوريا

الشعور الأقوى لدى السوريين اليوم لا يتجاوز اليأس والقنوط، لكن عندما تُبادر بعض الجهات أو المؤسسات الدولية لإنهاء هذا الملف، أو لتطبيق قرار أممي ينتابهم أمل ضعيف أنّه ربّما يوجد بقايا ضوء في نهاية هذا النفق، ينظرون بعين الشك واليأس إلى قدرتها على أن تكون واقعًا ملموسًا، فقد بات يقينًا لديهم أنّ هذا المصير صنعته إرادة دولية ما تزال مصرّة على تعفين البلد، هذه الإرادة بدت واضحة للبعض منذ أول حالة تردد مارسها الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية المدعو “أوباما”، واحتاج آخرون الكثير من الزمن كي يقتنعوا بذلك. أمّا ما يبعث الألم في نفوس السوريين ليس فقط إحساسهم باليأس، وإنّما في مواقف من كانوا يعدّونهم السند، وقد لا يكفي بيت طرفة بن العبد “وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد”.

قطر والكويت وموقف مشرّف

عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعًا لإنشاء مؤسسة دولية تُعنى بتوضيح مصير المعتقلين والمفقودين ومساندة ذويهم. حظي القرار بتأييد 83 دولة من بينهم دولتا قطر والكويت وصوتت 11 دولة ضده، بينما امتنعت عن التصويت 63 دولة، اللافت في الأمر أنّ من بينها بقية البلدان العربية، أيُّ عار هذا؟ -حدّ تعبير الصحفي ياسر أبو هلالة- وما مشكلة هذه الدول مع القضايا الإنسانية؟ ألا يكفي مليون قتيل أو أكثر؟ وثلاثة ملايين مشوه حرب وخمسة عشر مليون مهجّر، ودولة محتلة من خمسة جيوش أجنبية.

إنه بلا شك إمعان في الذل والمهانة لهذا الشعب مارسته الدول كلها التي رفضت القرار أو امتنعت عن التصويت، وهو بالتالي تعبيرٌ فاضح عن مدى الذل والمهانة لزعماء هذه الدول في تبعيتهم العمياء للدب الروسي صانع الجريمة الكبرى في سوريا.

تصف منظمة العفو الدولية سجن صيدنايا بأنّه السجن الذي يُعدم فيه الشعب السوري، وذلك كاستنتاج أولي إثر اعترافات “أبو محمد” أحد حراس السجن السابقين، ولا عجب لمن سكت وصمت عن هذه الجريمة أن يغض الطرف عن بضع مئات الألوف من المعتقلين، ولا عجب أن يخرج بعضُ مثقفي المقاومة والممانعة بأحاديث مضلّلة تبدأ بعبارة: “دمّر السوريون بلدهم الجميلة”، وما الصمت وغض الطرف عن المعتقلين سوى عقوبة على تمردهم على هذا النظام المقاوم. هكذا في “زمن التفاهة” تُدار الأمور، ولن ينتظر السوريون حلولًا ممن يحلّ مشاكله بالمنشار، أو بقتل مواطنيه في ميدان رابعة، أو بمن رهن بلده لأجنبي باسم الدين.

سوا ربينا

قبل الثورة كان السوريون واللبنانيون يترنمون بهذه العبارة واصفين العلاقة المتينة بين الشعبين اللذين يدركان أنّهما بلد واحدة قسمها المستعمرون إلى دولتين! لكن الموقف اللبناني الرسمي تغيّر بعد الثورة السورية، ولم يعد هناك معنى لهذه العبارة، بل صارت للتندر والضحك.

على مواقع التواصل أعاد لبنانيون تداول فيديو لسيدة لبنانية تشتم جبران باسيل صهر الرئيس ميشيل عون، وتقول له أن يذهب إلى سوريا حيث خطف عناصر من جيش الأسد زوجها منذ 37 عامًا، وتطالب بمعرفة مصيره.

لا يطالب السوريون أيضًا بأكثر من ذلك “معرفة مصير أحبائهم المغيبين قسريًا في معتقلات النظام السوري. لا أكثر من اهتمام أصحاب النخوة من العرب، إن بقي فيها عرب وإن بقيت نخوة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر