مرتزقة “فاغنر”.. هل يتمردون على بوتين؟!

قائد مجموعة فاغنر المسلحة يفغيني بريغوجين (غيتي)

وفقًا لخبراء الطيران، فإن سقوط وتحطم “الطائرة الخاصة” لقائد مجموعة فاغنر شبه العسكرية (25 ألف مقاتل) يفغيني بريغوجين، مُدبَّر، وأنها انفجرت بعبوات ناسفة زُرعت داخلها، بما أدى إلى مصرع ركابها العشرة (بريغوجين وستة من قادة فاغنر وطاقم الطائرة). ثمة أسئلة مطروحة عن مقاتلي فاغنر، ماذا هم فاعلون؟ هل يثأرون لمقتل قائدهم؟ ما مصير مجموعة أو مرتزقة فاغنر (لا فرق) بعد تغييب الموت لقائدها ومعاونيه؟ هل يستمر الوجود الروسي في إفريقيا خصمًا من فرنسا؟ وما صيغته، بالوكالة عبر فاغنر أم يكون وجودًا مباشرًا ومكشوفًا؟ وما دام “بريغوجين” قد قُتل، فمن القاتل؟ ولماذا؟

المسؤول الروسي.. ولقاءات مع الجنرال حفتر وقادة سوريين

على عكس ما يتمناه الغرب وصحافته، ليس من المتوقع تمرد مقاتلي فاغنر على الدولة الروسية، ثأرًا لقائدهم، فمع صعوبة هذا المسلك من الناحية العملية، فإنهم في النهاية مرتزقة يؤدون مهام قتالية مقابل أجر وامتيازات محددة. بوتين يسعي منذ إنهاء تمرد “فاغنر” إلى أعادة هيكلة هذه القوات، واحتواء مقاتليها بعقود في الجيش الروسي. كما جرى رصد جولة لمسؤول رفيع بالجيش الروسي، شملت ليبيا وسوريا، التقى خلالها بالجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر (تتعاون معه فاغنر) وقيادات سورية. حسب ما رشح عن جولة المسؤول الروسي المتزامنة مع مصرع بريغوجين، فالهدف منها هو تنحية فاغنر، وأن يكون التعامل مباشرة مع الدولة الروسية. غالبًا فإن الشيء نفسه يجري مع باقي الدول الإفريقية التي توجد بها قوات لفاغنر. غني عن القول، أن الدول الإفريقية أو الفرقاء فيها، كانوا يتعاطون مع فاغنر، كونها تُمثل “روسيا” المُناهضة للغرب، وذات الثقل الدولي، فإذا أزالت الحكومة الروسية الغطاء عن فاغنر، فلا يكون لها القيمة ذاتها والتأثير نفسه. المتوقع أن الوجود الروسي في إفريقيا سيستمر، وبشكل علني وظاهر، بعد أن استطاعت روسيا اختراق الحواجز، ونسج علاقات مع العديد من الدول الإفريقية، خصمًا من فرنسا والغرب، وقد تستمر “فاغنر” في مهام قتالية محدودة أو غيرها، يُراد لها ألا تُنسب إلى روسيا، لكن بعد هيكلة القيادة الميدانية، وإسناد الإشراف عليها مباشرة إلى الجيش الروسي.

رؤية بوتين للخيانة.. و”بريغوجين” عندما حكم على نفسه بالإعدام

نأتي إلى مقتل قائد فاغنر (بريغوجين).. سقوط طائرته الخاصة مشتعلة، جاء بعد شهرين فقط من قيادته تمردًا مسلحًا (يومي 23 و24 من يونيو/تموز الماضي) ضد الحكومة الروسية، مستهدفًا رأسَي وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونائبه، متوعدًا بشنقهما. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصفَ تمرد بريغوجين وقتها، بأنه “خيانة وطعنة في الظهر”، بما يعني حكمًا بالإعدام، كتبه الأخير لنفسه وبيده، كونه يعلم جيدًا بحكم صداقته الوطيدة مع “بوتين” بأنه لا يتسامح أبدًا في الخيانة. بريغوجين تجاوز الخطوط الحمراء، بقيادته هذا التمرد، انتقص من هيبة الدولة الروسية و”بوتين”، الذي تعاطي بنعومة مع التمرد، في ظل وساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو. لاحقًا، بوتين استقبل بريغوجين ومعه باقي “قادة فاغنر” لثلاث ساعات.. لم يكن اللقاء -حسب الظاهر- عودة للمياه إلى مجاريها، بل إرساء لقواعد جديدة لمسار “فاغنر”، بُغية تفكيك سيطرة بريغوجين عليها. ذلك أن “بوتين” على قناعة تامة بأن الخيانة لا تُغتفر ولا تُنسى أبدًا، حسب تعبيره هو نفسه عن ذلك في حوار متلفز معه قبل أعوام، مثلما هو على يقين بأن الخائن لا يتغير أبدًا. رؤية “بوتين” للخيانة، وموقفه منها، دفعت إعلام الشرق والغرب ومحلليه إلى الارتياب، وافتراض أن بريغوجين ومساعديه تمّت تصفيتهم بأمر منه. هذا الاحتمال وارد، وليس مستبعَدًا، يعززه أن عددًا من “معارضي بوتين” لقوا حتفهم بطرق غامضة، منهم الصحفي الروسي يوري شيكوشيخين عام 2003 بمرض غامض، وفي العام نفسه قُتل الضابط السابق بالجيش الروسي سيرغي يوشينكوف، بالرصاص بمحيط منزله في موسكو. تصفية المعارضين وقتلهم أو إعدامهم، عادة قديمة في الاتحاد السوفيتي الذي تفكك عام 1991، وورثته روسيا، فقط تختلف الأساليب، لا أكثر.

المخابرات الأوكرانية.. وابنة عقل بوتين الفيلسوف دوغين

رغم هذه الدلائل التي تشير بأصابع الاتهام إلى الحكومة الروسية، فليس مستبعَدًا أن يكون “بريغوجين” هدفًا لمنافسين له، نافذين في المجتمع الروسي صراعًا على البيزنس أو النفوذ، أو كليهما. خارج روسيا، كان قائد فاغنر متغلغلًا، عابرًا للحدود، نافذًا في العديد من البلدان الإفريقية، يغترف من ثرواتها، ويشتبك وقواته بالقتال في صراعاتها الداخلية، فالدافع لقتله متوافر إذَن في هذه البلدان، والمصلحة للتخلص منه قائمة. كما لا بد أن يكون “بريغوجين” مستهدَفًا من فرنسا، فهو الأداة التي استخدمتها روسيا للتمدد في إفريقيا، وتقليص الوجود الفرنسي فيها. أوكرانيا، أيضًا، ليست مستبعَدة من دائرة استهداف “بريغوجين”، فقد نجحت قواته في ما أخفق فيه الجيش الروسي بالسيطرة على بلدة باخموت الأوكرانية، ومنسوب إليه وقواته ارتكاب فظائع وأعمال وحشية في أقاليم أوكرانية احتلتها روسيا. معلوم أن “المخابرات الأوكرانية” تنشط في الداخل الروسي، وسبق اتهامها بقتل “داريا” ابنة الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين الموصوف بأنه “عقل بوتين”. من ثم، فقد يكون لأوكرانيا يد في ما حدث من تفجير لطائرة قائد فاغنر انتقامًا منه. ليس من المنتظَر، إماطة اللثام قريبًا، عن لغز مقتل بريغوجين، أو معرفة قاتله يقينًا، فمثل هذه العمليات، يتم بتدبير مخابراتي مُحكَم، لا يترك أثرًا أو دليلًا ماديًّا، للتعمية على هوية الفاعلين (المنفذين) وجنسياتهم، تجنبًا للمسؤولية القانونية، وإشاعةً للغموض. التحقيقات في حوادث كهذه قد تستمر سنوات، وقد تنتهي إلى نتائج غير يقينية أو قاطعة، هذا إذا سلّمنا جدلًا بحيادية جهة التحقيق.

على كل حال، فقد نال قائد أو زعيم فاغنر، يفغيني بريغوجين، المصير الدامي اللائق به، بوصفه قاتلًا مرتزقًا.

المصدر : الجزيرة مباشر