بعد أن ظن الأسد أنها “خِلصت”..سوريا إلى أين؟

لليوم الثالث عشر لم تهدأ محافظة السويداء ومحافظة درعا يهتفون ” ارحل”

مظاهرات السويداء السورية (رويترز)

بعد أن ظنّ بشّار الأسد كلَّ الظنّ أنّها “خلصت وسوريا بخير” وها هي وفود التطبيع تتقاطر إليه، اشتعل البركان مجددًا. مظاهرات هادرة في السويداء ودرعا تطالب برحيله أيقظت الأمل عند غالبية السوريين. هجوم في منطقة “زاكية” بريف دمشق يُدمِّر مقرًّا للفرقة الرابعة. اجتياح ثوار العشائر لأماكن قسد المتحالفة مع النظام، إغلاق شبه كامل للحدود السورية العراقية جعل أمير مليشيا حزب الله يهدد بالحرب مع أمريكا. فما الذي يمكن أن يُقدم عليه ذلك القابع في قصره في دمشق أو ربما في القرداحة؟ وهل بقي في يده ما يمكّنه من القيام بأمر ما؟

مظاهرات درعا والسويداء

لليوم الثالث عشر لم تهدأ محافظة السويداء ومحافظة درعا وظل المتظاهرون يهتفون “ارحل” وهم موقنون تمامًا بأنّ بقاءه ورحيله ليس بيده وإنّما بأيدي داعميه. فقد تحوّل منذ بداية الثورة إلى مجرد أمير لمليشيا حرب مثله مثل بقية أمراء الحرب في سوريا. لكن ما يستطيع فعله هو استخدامه للعنف في قمع أيّ صوت يخرج ضدّه، إلّا أنّ الأمر هذه المرّة يبدو مختلفًا فهو لم يوفر جهدًا في طرح نفسه حاميًا للأقليات في سوريا، لذلك نراه يستخدم العنف في مناطق الأكثرية بأريحية تامة كما يحدث الآن في محافظة درعا، وكما حدث قبل أيام في منطقة الفردوس في حلب، حتّى إنّه لم يُقصّر في معاودة القصف على سكان محافظة إدلب، كما أنّه اعتقل المئات من معارضيه في الساحل لمجرد كتابة جملتين ضدّه على مواقع التواصل الاجتماعي.

أمّا في السويداء فلا يملك سوى التجاهل والتهديد بالحصار، والتجويع، ومحاولة شراء الذمم لبعض وجهاء السويداء لإحداث انشقاق داخل الطائفة الدرزية. وقد رأينا مواقف الشباب الثائر في السويداء اتجاه أحد شيوخ الطائفة، وكيف تمّ نبذه من قِبَل الجميع.

لقد اتفق المتظاهرون على شعارات لا يمكن الطعن فيها من أيّ جهة كانت، وطنية عامة دونما تمييز، مطالب بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي اتفق العالم عليها، دولة مدنية ديمقراطية، بعيدة تمامًا عن التمويلات الخارجية أو المشبوهة، وسلمية تمامًا، ولم يبق أمام الأسد سوى التآمر من جديد مع داعش التي هرب بعض أفرادها السجناء كالعادة من سجون قسد، كما هرب السابقون في بداية الثورة من سجون المالكي، ولأوّل مرّة يشعر القابع في قصره بالعجز، ويواصل تجاهل ما يحدث لليوم الثالث عشر من ازدياد حدّة المظاهرات.

ريف دمشق وأحداث زاكية

رغم أنّ الأمر برمته يبدو حادثة انتقامية لمقتل شاب من زاكية، فإنّ ردّ أبناء البلدة كان على درجة عالية من العنف حيث أحرقوا بهجوم مسلح مقرًّا كاملًا من المقرات التابعة للفرقة الرابعة التي يتزعمها ماهر الأسد شقيق بشار، وهنا نتوقف من أجل التساؤل حول مصدر سلاح المهاجمين، في وقت لم يبقَ من ثوار الثورة السورية في تلك البقاع أحد، فهل أصبحت العصابات التي تتحكّم في حياة الناس يتنمّر بعضها على بعض نتيجة شحّ الموارد؟ أم أنّ السلاح يمكن أن يظهر من حيث لا يحتسب أحد، وسيأتي اليوم الذي تشتعل فيه الشوارع من جديد.

ثورة العشائر على قسد

لعبت قسد منذ بداية نشوئها على أكثر من حبل بتحالفها الوثيق وتبعيتها لحزب العمال الكردستاني، وكذلك بتعاونها المستمر مع النظام الأسدي، وهي وإن كانت قد طرحت مشروع وحدة مع العشائر العربية فإنها استأثرت بالقرار وبالسيادة، حتى وصل الأمر إلى اعتقال “أبو خولة” وهو أحد كوادرها وهي التي صنعته.

وقد أشعل اعتقاله فتيل “النظرة العرقية” وبدأ تحشيد القبائل لقتال قسد في معركة تدور رحاها الآن وبقوة، لكن من يضمن النتائج؟ لا أحد. وهل تأتي هذه المعارك ضمن مخطط أمريكي لإعادة رسم الحدود، وإعادة هيكلة المنطقة؟ يبدو هذا التوقع ضربًا من التحليل السطحي. وإذا افترضنا أنّ ثوار العشائر تمكّنوا من طرد قسد من المنطقة فهل ستتحوّل دير الزور إلى إدلب ثانية؟ دويلة أشبه بدويلة قطاع غزة، أم سيتسلّم النظام الأسدي المنطقة، ويعيد سيطرته عليها؟ تساؤلات قد تبدو خيالية أحيانًا وواقعية أحيانًا، ذلك أنّه منذ انطلاق الثورة السورية وقعت هذه الجغرافيا تحت براثن الخارج، وأصبحت المخابرات الدولية والإقليمية هي المحرك الأساسي لما يحدث، فلا بشار يملك من الأمر شيئًا ولا “مظلوم عبدي” قائد قسد يملك من أمره شيئًا ومثلهما أبو عمشة في إعزاز، والجولاني في إدلب.

سوريا إلى أين؟

هذا هو السؤال الذي لن يتمكّن أحد من الإجابة عنه. وقد يبدو الأمل الوحيد لدى الشعب السوري أن يُسارع لدعم انتفاضة محافظتي درعا والسويداء، ليس دعمًا على صفحات التواصل الاجتماعي، وإنّما بالقيام بما يقوم به أهل السويداء الآن، وذلك في دمشق، وحمص، وحماة، وحلب. والأهم من كلّ هذه المحافظات أن تطلق التظاهرات في محافظتي طرطوس واللاذقية، وإذا تجرّأ القابع في قصره على سحق مظاهرات دمشق، وحلب، وحمص، وحماة، فإنّه لن يتجرّأ مطلقًا على إطلاق رصاصة واحدة في طرطوس أو اللاذقية، والكرة الآن -حسب تصوري- هناك في الساحل السوري. في ملعب الطائفة الكريمة.

المصدر : الجزيرة مباشر