الداعية أمير منير.. وتطبيق “العمرة الديليفري”!

أمير منير

على طريقة الوجبات “الديليفري” أو “التيك أواي”، صارت “العُمرة” مُتاحة الآن..

هكذا راح واحد من دُعاة آخر الزمان الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي يبشرنا، ويروج لـ”تطبيق إلكتروني” أو “أبلكيشن” يتيح لك أداء العُمرة وأنت قابع في مكانك، وأداءها نيابة عن شخص متوفى، أو عاجز، أو مريض مرضا لا شفاء منه. “العُمرة الديليفري” مقابل أربعة آلاف جنيه فقط (نحو 125 دولار) بعد التخفيض.. يا بلاش..

إنها متاحة على “التطبيق” الذي يُسمّى “عُمرَة البدل” ويروج له الداعية، ويُدار من مكة المُكرمة، وله حساب على منصة إكس (تويتر سابقا)، ويقوم بها أشخاص مقيمون هناك، ويمكن لطالب الخدمة مشاركة مشاهد تأدية العمرة (بث مُباشر). هذه الخدمة يحصُل عليها طالبها، دون أن يغادر مقعده، وله الاختيار بين ثلاثة أصناف من هذه “العمرة”: رمضانية، مقابل نحو ثمانية آلاف جنيه (250 دولارا)، وغير رمضانية بمبلغ خمسة آلاف ومئة جنيه، و”عُمرة عاجلة” وهذه تكلف نحو عشرة آلاف جنيه.

الساحل الشرير وفنانات مهرجان الجونة

الداعية هو “أمير منير”، وهو لا يتبع لوزارة الأوقاف ولا أي جهة دينية رسمية، وهو يمنح طالب الخدمة “كودًا” للخصم بنسبة 35% من الأسعار المُعلنة على تطبيق “عُمرة البدل”، بالتعاون مع أصحاب التطبيق (حسب إفادته هو نفسه).

“منير” لديه صفحة على موقع فيسبوك يتابعها أكثر من ثمانية ملايين مُتابع، وقرابة ثلاثة ملايين على موقع يوتيوب.. يصف نفسه على صفحاته، بأنه دكتور صيدلي، وأنه يُقدم: “فيديوهات دينية شبهنا.. بلُغتنا.. بطريقتنا.. احنا الشباب”، وأن الدين مسؤولية الجميع. منير، دائم الاشتباك مع القضايا المُثارة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسبق أن تناول في فيديوهات على قناته، الساحل الشمالي “الشرير” بالنقد، وكذلك فساتين الفنانات في مهرجان الجونة، وقضايا مشابهة. كما أنه كثيرا ما يدعو متابعيه إلى التبرع لأعمال الخير التي تقوم بها جهات معينة، ويُنسب إليه التسويق إعلانيا لدورات تنمية بشرية، وغيرها.

علماء أزهريون.. وسيلة لجني المال وبدعة

فيديو “الداعية أمير منير” الترويجي للتطبيق، صدم الكثيرين، وأقام الدنيا ولم يقعدها، طوال يوم أمس (الاثنين)، خاصة أنه يحظى بشهرة واسعة ومشاهدات عالية، وانهال عليه الهجوم بمواقع التواصل الاجتماعي، والفضائيات والمواقع الصحفية. المنصات الإعلامية استضافت “علماء دين أزاهرة”، للوقوف على رأي الشرع، وقد استنكر غالبيتهم الفكرة، واستهجنوها، لكونها تنتقص من شعائر دينية وتتحول بها إلى وسيلة لجني المال، كما أجمعوا على أن الأصل هو تأدية الشخص للحج أو العُمرة عن نفسه أولا، ثم يمكنه القيام بهما نيابة عن غيره القعيد أو المريض الذي لا ينتظر شفاءً، أو المتوفى. أما استئجار شخص آخر فهو بدعة.

مع اشتداد الهجوم على أمير منير، قام بحذف الفيديو التسويقي لعمرة البدل، من صفحاته، وكتب منشورًا على فيسبوك تبريرا، وحشدا للأدلة على سلامة موقفه، وأن التطبيق يتيح لأي شخص تأدية العمرة عن أحبابه بمبلغ بسيط. ودافع منير عن نفسه في مواجهة المنسوب إليه، بأنه لا ضير، ولا جريرة في أن يتقاضى أموالا مقابل الإعلان عن التطبيق، وأنه لو كان يبحث عن الأموال، فآلاف الدولارات مُتاحة له من المشاهدات بالملايين لقناته وصفحاته.

الداعية مُنير، مارس الخداع لمتابعيه.. قدم إعلانا (يبدو مدفوعا) عن تطبيق “عمرة البدل”، مُتخفيا تحت ستار الدعوة، فالفيديو إعلاني، ومصحوب بتخفيض (أسلوب ترويجي)، تربّحًا باسم الدين. الفيديو يستغل فيه “منير” ترخيص الشرع في الإنابة في العمرة أو الحج، ويطوّع الأحاديث النبوية ويوظّفها في هذا الصدد لخدمة الإعلان، تسويقًا لـ”التطبيق” لدى متابعيه، باعتباره متوافقا مع الشرع.

الانحراف بالتفسيرات والأحكام الشرعية

تطبيق عمرة البدل، وتسويق منير له، يطرح قضية أخلاقية بالغة الخطورة، تتمثل في الاستغلال المادي للدين، وتوظيفه للتكسّب وتحصيل الأموال، خداعًا للتواقين إلى مرضاة الله، وخيانةً للأمانة والثقة التي يوليها المتابعون للداعية، تضليلًا لهم، وإيقاعًا بهم في حبائل النصب والاحتيال.

هذه السلوكيات وأشباهها، انحراف بالتفسيرات والأحكام الشرعية، على شاكلة هذا التطبيق الإلكتروني للعُمرة، تُصيب المتابعين للداعية بالإحباط، حال انكشافها، فتتشوّه لديهم المفاهيم والمعاني الدينية، وقد ينفر بعضهم ويبتعد عن الدين نفسه. ذلك أن “الجمهور”، غالبا ما يقع في الخلط والدمج بين الدين، والداعية الديني الذي استحوذ على ثقته، ولا سيما المحدودو التعليم والثقافة، الذين لديهم القابلية للانقياد والاستهواء، وهم كُثر في مجتمعنا نتيجة انتشار الأمية، أو نقص كفاءة التعليم الذي نالوه.

التكسب بالدين مرض تاريخي عابر للأديان، ويحدث كثيرا، وهو منتشر في بلادنا في صور كثيرة، منها مثلا استغلال حاجة “المسلمين” إلى زكاة أموالهم، فتتلقفهم بعض الجمعيات أو الدعاة الذين يلحّون على التبرع لأعمال الخير أو الفقراء، أو بناء المساجد، أو تحفيظ القرآن، فيسارع الناس إلى التبرع، دون دراية بما إذا كانت أموالهم ستذهب فعليا إلى الفقراء وأعمال الخير، أم لا.

علينا الحذر من الوقوع في شباك الدعاة الذين يتربّحون من العمل الدعوي سواء كان هذا التربّح ماديا، على غرار القضية المطروحة، أو خدمة لأغراض دعائية أخرى، سياسية أو اجتماعية، أو تزلّفًا لصاحب جاه أو منصب، فأمثال هؤلاء الدعاة أخطر على الدين والمجتمع من أعتى الخصوم. الواجب على أهل الاختصاص من علماء الدين، والدعاة الحقيقيين، ووسائل الإعلام، ملاحقة هؤلاء الذين يتلاعبون بالدين أو يستغلونه لمصالحهم الشخصية، وتسليط الضوء عليهم وتفنيد مغالطاتهم وأكاذيبهم، ببيان الأحكام الصحيحة وإظهار الوجه الحقيقي المُشرق للدين.

المصدر : الجزيرة مباشر