الكهرباء مقابل الدواء.. معادلة جديدة للاستفزاز والهروب للأمام!

شبكة الكهرباء المصرية (منصات التواصل الاجتماعي)

 

“الكهرباء إحدى الأولويات الأساسية للدولة، لكن المواطن له أولويات أخرى، مش معقول نقول للمواطن نوفر لك كهرباء وميكونش فيه دواء”.

هذا كلام محمد الحمصاني المتحدث الرسمي باسم الحكومة في مصر، وهو يُوصف بأنه مستشار عند تقديمه في الإعلام.

وكنت أعتقد أنه من رجال القضاء، فهم رسميا يحملون لقب مستشار، لكني اكتشفت أنه يعمل بوزارة الخارجية، هو دبلوماسي، وأظن أن تصريحه المرتبك يفتقد الدبلوماسية.

هو أراد توصيل معادلة جديدة صكتها الحكومة لمحاولة تخفيف الغضب الشعبي عليها بسبب استئناف انقطاع الكهرباء بعد شهر رمضان وأيام عيد الفطر التي لم ينقطع فيهما التيار، لكن الحمصاني لم يقدر على صياغة المعادلة المستفزة بدبلوماسية فجاءت مبعثرة، إنما مجمل المعنى مفهوم، وهو أن الكهرباء مقابل الدواء، توفير الدواء أهم من انقطاع الكهرباء.

الإخفاق واختراع المبررات

هذه حكومة مستواها متواضع، غير قادرة على محاولة اختراع مبررات جديدة شبه مقنعة لإخفاقها في حل مشكلة توفير الغاز لتشغيل محطات الكهرباء، فتطلق كلمات وعبارات تدينها ولا تنصفها، تزيد السخط عليها ولا تجلب تعاطفا معها، حكومة بعيدة عن الناس، حكومة معزولة لا تشعر بأنات مواطنيها ومعاناتهم، إذا كانت بالفعل تَعُدهم مواطنين لها تعمل على راحتهم وخدمتهم ليل نهار.

مشكلة هذه الحكومة وكل ما سبقها طوال 75 عاما أنها حكومات معيَّنة وليست منتخَبة، لذا فإن البون واسع بينها وبين الشعب، إرادتها ليست نابعة من اختيار شعبي مباشر لها، إرادتها وولاؤها لصاحب القرار في تشكيلها وإقالتها وتغييرها.

هي حكومة موظفين، آلات تتحرك بالتعليمات والتوجيهات القادمة لها من صاحب السلطة والقرار، وهي تتكلم كثيرا وتفعل قليلا أو لا تفعل.

الكهرباء والدواء أساسيان ومتساويان

يقول الحمصاني معبّرا عن موقف الحكومة إن الكهرباء واحدة من الأولويات الأساسية للدولة.

نعم، هذا صحيح، هى أساسية لكل دولة، ومن المستحيل الاستغناء عنها اليوم، فالحياة باتت تعتمد عليها بشكل كامل، حياة الناس وحياة الدول، عملا وإنتاجا ونشاطا في كل المستويات والقطاعات، فلم يعد ممكنا التخلي عن الكهرباء ولو ساعة واحدة سواء للدولة أو للفرد.

لكن الحكومة في مصر باتت تستغني عنها ساعتين وأكثر في كل المحافظات فتتوقف الحياة، ويتعثر دولاب العمل الرسمي والخاص، فلا مكان أو موقع يمكن تسييره بدون الكهرباء من أضخم شركة ومنشأة إلى أصغر ورشة وكشك بيع مثلجات.

والدواء أولوية بالطبع، لكنه ليس في مرتبة أعلى من الكهرباء كما تقول الحكومة على لسان الحمصاني، فالمريض بحاجة إلى الكهرباء في غرفة الأشعة والتحاليل والجراحات والرعاية الفائقة وغسل الكلى والعلاج الطبيعي وكل ما يتعلق بالفحص والعناية سواء كان محتجزا في المستشفى أو مقيما في بيته، وشركات تصنيع الدواء والمستلزمات الطبية لا يمكنها أن تعمل دون كهرباء.

أراد الحمصاني أن يلعب على وتر المشاعر بالقول إن الدواء أكثر أهمية من الكهرباء عند المواطن، لكنه أخفق، ذلك أن هذه المعادلة طرفاها متساويان، ولا يمكن تغليب أحدهما على الآخر، ولا وضع خدمة الدواء في مرتبة أعلى من الكهرباء.

المعادلات المستفزة والهروبية من تحمُّل المسؤولية بشجاعة يجب أن تتوقف.

نحن أفضل من سوريا والعراق. ونحن أفضل من غزة. طالما الأمن موجود فلا يهم الطعام. نتحمل كل المصاعب في ظل وجود دولة قوية.

هكذا، كلما ظهرت أزمة واستفحلت يتم التهوين من شأنها، والزعم أن ما بقي لدينا يجعلنا أحسن من غيرنا، لكن لماذا لا تكون المقارنة مع الأفضل وليس مع الأسوأ؟

وبدل الاعتراف بالأزمة ومناقشتها مع النخب والمخلصين والمتخصصين والمتجردين من النفاق والتزلف لإبداع حلول جادة لها، فإنه يتم الهروب للأمام والبحث عن مبررات خارجية وداخلية لتعليق العجز عليها.

وليس مستبعدا يوما أن تكون هناك معادلة الاكتفاء بوجبتين من الطعام بدل ثلاث، ثم الاكتفاء بواحدة، وقد يكون هناك فرض التقشف الإجباري في أساسيات البقاء على الحياة، فالكهرباء مثلا بدأت بانقطاع ظن كل شخص في البداية أن هناك إصلاحات في الشبكة في المنطقة التي يعيش فيها، ثم لمّا اتضح أنها ظاهرة عامة بررت الحكومة ذلك بأنه تخفيف أحمال طارئ بسبب موجة الحر التي تتسبب في تكثيف الاستهلاك، ومرت أيام وأسابيع وشهور، ونقترب من عام كامل من انقطاع التيار، وسقطت كل وعود الحكومة بقرب انتظام الخدمة، وتصريحاتها مجرد مسكنات بهدف تثبيت الأمر الواقع، وتم إجبار الناس على الاعتياد على العيش ساعات دون كهرباء، وتوقف أعمالهم خلال هذه الساعات.

كيف توفر الغاز خلال رمضان؟

مبرر الأزمة أنه ليس هناك غاز لمحطات توليد الكهرباء. إذَن، كيف تم تدبير الغاز طوال رمضان؟ من استطاع توفير الغاز أو الدولار لشراء الغاز خلال الشهر الفضيل؟ ولماذا هو غير قادر على فعل الشيء نفسه بقية شهور السنة؟

وهناك مليارات الدولارات دخلت الخزانة العامة (صفقة رأس الحكومة والقروض الجديدة وتمويل الاتحاد الأوروبي وعوائد بيع أصول عامة)، لذا فإن العملات الصعبة متوفرة، ولا مشكلة في استيراد الغاز حتى تنتظم الحياة بالكهرباء، ولا تتوقف المصانع وكل مصادر العمل الإنتاجي حتى لو كان دكانا صغيرا في قرية نائية.

ثم أين حقل ظُهر؟ وأين الأهداف التي تم إحرازها في ملف الغاز؟ نسأل وواجب على الحكومة أن تجيب بشفافية عن الحاصل في ملفات كثيرة متأزمة، ومنها الكهرباء، وكذلك الدواء، فهناك نقص واضح ومؤرق طال أمده في أصناف كثيرة من الأدوية، إضافة إلى ارتفاع أسعار لا يُطاق لمختلف أنواع الأدوية مما يفوق قدرة كثير من المرضى على شراء ما يحتاجون إليه منها.

لا كهرباء، ولا دواء، ولا أشياء أخرى أساسية، ولا انخفاض حقيقي وملموس في الأسعار، والتضخم والركود مستمران، إلى أين نحن ذاهبون؟

أظن كفى استفزازا وتهرُّبا من مواجهة الحقيقة المؤلمة.

المصدر : الجزيرة مباشر