تغيُّر الموقف المصري من حركة المقاومة الإسلامية

سامح شكري وزير الخارجية المصري
سامح شكري وزير الخارجية المصري (الفرنسية)

تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري في المنتدى الاقتصادي المنعقد في الرياض منذ أيام عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوصفه لها بأنها حركة تحرر وطني، ووصفه الكيان الصهيوني بأنه كيان محتل، وأن وجود حركات التحرر والمقاومة ضرورة في ظل احتلال أراضي الوطن، يُعَد تحولا في الموقف المصري تجاه حماس.

ماذا حدث وأدى إلى هذا التحول الذي عبّر عنه وزير الخارجية المصري؟ وكان شكري نفسه قد أدان المقاومة الفلسطينية خلال مؤتمر سابق في ميونخ، واصفا حماس بأنها خارج الأغلبية الفلسطينية، وقال إنه في ظل وجود حركة المقاومة الإسلامية يستحيل تحقيق السلام.

دراسة الميركافا الإسرائيلية

يبدو أن التهديد باجتياح رفح الفلسطينية التي نزح إليها نحو مليون و400 ألف شخص، وما يتهدد مصر من هجرة فلسطينية قسرية إلى سيناء، قد شغل جهات ومؤسسات مصرية عديدة، مما أدى إلى تحول في الرؤية المصرية خاصة في ظل تهديد صهيوني سابق باحتلال محور فيلادلفيا (صلاح الدين) على الحدود المصرية الفلسطينية، وهي الفكرة التي رفضتها مصر رفضا حاسما.

شاهد العالم منذ أيام مقطع فيديو قصيرا داخل الكلية العسكرية لمجموعة من العسكريين المصريين، وهم يتناولون دراسة الدبابة الإسرائيلية (ميركافا) المعروفة باسم النمر مع أنواع أخرى من الدبابات الإسرائيلية، في حضور الرئيس المصري.

أثار هذا التقرير القصير مخاوف عديدة في الأوساط العسكرية الصهيونية، ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريرا عن الصور التي نشرها المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، وتناولت سؤالا عن أسباب دراسة مصر للأسلحة الإسرائيلية، وقد علّق على هذا عسكريون مصريون سابقون بقولهم إن “دراسة أسلحة العدو أمر مهم وضروري”.

وجود كلمة “العدو” في تعليقات خبراء عسكريين مصريين ونشرها في صحف عربية وانتقالها إلى صحف إسرائيلية جديد على وقع الجمهور العربي والمصري، فبعد عقود من تداول فكرة الوسيط المصري بين فلسطين -سواء المقاومة أو السلطة الفلسطينية- ودولة الاحتلال، ها هم عسكريون يعودون إلى أصل العلاقة بين مصر والكيان الصهيوني.

هذا الكيان هو عدو لمصر والأمة العربية جمعاء، ويحتل أراضينا العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وقد أكد قياديان سابقان في القوات المسلحة المصرية ذلك في تصريحات لصحف عربية، وقال اللواء سمير فرج “إن القوات المسلحة المصرية مستعدة للرد على أي تهديد للأمن القومي المصري”.

هذه المؤشرات كلها تؤكد أن هناك تغيرا في نظرة الدولة المصرية بمؤسساتها إلى ما يحدث في غزة بعد مرور نحو سبعة أشهر على حرب الكيان الصهيوني عليها، وربما شعرت تلك المؤسسات بما يهدد الأراضي المصرية من خطر لجنون العصبية الإسرائيلية ورئيس وزراء الكيان نتيجة الفشل على مدار تلك المدة من تحقيق أي نصر على المقاومة ولو صوري، هذا الفشل يثير جنونا في الأوساط الصهيونية، ويظهر في حجم الدمار والانتقام الذي يمارسه الكيان وجنوده في غزة.

يأتي الإعلان المصري عن شرعية حركة حماس، ووصفها بأنها حركة تحرر وطني مقاومة للاحتلال الصهيوني، في ظل مبادرة مصرية للاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة وتبادل للأسرى، وفي انتظار رد القائد يحيى السنوار وفق ما ذكرت صحيفة إسرائيلية، ورد المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها حسب وقائع تؤكد وحدة وجماعية القرار لجميع الفصائل، ويأتي أيضا بالتزامن مع تصريحات مصرية على مختلف المستويات بخطورة التفكير الصهيوني في اجتياح رفح.

كما أن الإعلان عن دراسة الأسلحة الإسرائيلية في الأكاديميات العسكرية المصرية بتلك الصور التي انتشرت في كل وسائل الإعلام المصرية يؤكد أن ثمة تغيرا في نظرة مصر إلى ما يحدث على حدودها الشرقية، وما يحدث من قادة الكيان الصهيوني المتطرفين تجاه غزة والحدود المصرية، فهل تعود علاقة مصر مع المقاومة الفلسطينية إلى سابق عهدها؟

علاقات جذرية مع المقاومة

لم تتخل مصر في أي عهد لها منذ قيام الكيان الصهيوني عن علاقات وثيقة مع كل حركات التحرير الفلسطينية، وإن كان الأمن القومي المصري مرتبطا ارتباطا وثيقا بفلسطين بل يصل إلى العراق وسوريا، إلا أن علاقة مصر وفلسطين هي علاقة البيت المشترك والعائلة المشتركة.

لذا لم يكن غريبا أن تكون مصر من دعت إلى حرب فلسطين 1948 ضد الكيان، ولم يكن غريبا مشاركة الكيان في الهجوم على مصر في العدوان الثلاثي 1956، ثم حرب يونيو/حزيران 1967 التي احتل فيها الكيان سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة، وما أعقب ذلك من إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها حركة مقاومة ممثلة للشعب الفلسطيني.

شهدت سنوات إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية دعما سياسيا وعسكريا مصريا كبيرا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، واستمرت العلاقات على أعلى مستوى طوال تلك الفترة وما بعدها، وظلت قضية فلسطين قضية مصر والأمة الأولى، ولم تتراجع مصر أبدا عن دعم المقاومة الفلسطينية طوال عهود ما بعد ناصر مرورا بالسادات -رغم اعترافه بالكيان- ومبارك رغم علاقاته مع الصهاينة، وأيضا في عام حكم محمد مرسي.

تغيرت الأوضاع كثيرا بعد 2013، فقد شهدت السنوات العشر السابقة تغييرا في نظرة مصر إلى المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس، فقد تم هدم وإغراق الأنفاق بين مصر وقطاع غزة، وكانت تلك الأنفاق باعتراف قادة المقاومة هي الرئة التي يتنفس منها أهلنا في غزة والمقاومة الفلسطينية تجارة وتسليحا وعبورا وعودة في ظل حصار الكيان الصهيوني للقطاع، ثم بدأ تهجير أهل سيناء بعيدا عن الحدود المصرية الفلسطينية، وانفصلت عائلات مصرية فلسطينية عن بعضها.

كل هذا ربما يكون صفحة غير طيبة في علاقات مصر وفلسطين، وعلاقات مؤسسات مصر العسكرية والأمنية مع المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس منذ نشأتها قبل نحو 37 عاما، صفحة نتمنى لها أن تنطوى بكل ما فيها من أحداث غير طيبة.

لعل تواصل علاقات جهاز المخابرات المصرية مع حركة المقاومة طوال تلك الفترة يؤشر إلى مدى فهم المؤسسة لعلاقات مصر مع فلسطين وعمقها وأزليتها، ولعل مصر تنسى ما قيل عن تهجير أهل غزة إلى النقب للخلاص من المقاومة.

كان التغير في الموقف المصري والعربي بل والعالمي نتاج صمود المقاومة الفلسطينية وصبر وبسالة شعب فلسطين الأبي، وبالصبر والصمود يتحقق الكثير حتى تحرير الأرض وتحرر فلسطين من البحر إلى النهر، إن نصر الله لآتٍ {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.

المصدر : الجزيرة مباشر