عمرها أكبر من الاحتلال وتواجه الاستيطان.. المكتبة الخالدية في القدس تضم مخطوطات من ألف عام (فيديو)

بين أزقة القدس العتيقة تضم أقدم مكتبة في فلسطين مخطوطات نادرة عمرها أكبر من دولة الاحتلال، تتنوع بين القرآن والفقه والفلك والسيرة النبوية.

تقع المكتبة الخالدية التي أسّسها راغب الخالدي عام 1900 تنفيذا لوصية والدته خديجة، في طريق السلسلة داخل البلدة القديمة على بعد أمتار من إحدى البوابات الرئيسية للحرم القدسي. ويتكوّن مبنى أول مكتبة عمومية خاصة في القدس من ثلاثة مبانٍ مملوكية تعود إلى القرن الـ13.

وترجع مجموعات من كتبها إلى القرنين الـ19 والـ20، ويصل عمر بعضها إلى 200 سنة، وتوفر المكتبة الخالدية بموقها في البلدة القديمة بالقرب من المسجد الأقصى، إطلالة على الحياة الماضية في القدس.

كتب قديمة في المكتبة الخالدية بالقدس (تواصل اجتماعي)

وقال الخبير رامي سلامة المرمِّم في معمل الترميم بالمكتبة الخالدية، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن “معظمها باللغة العربية وهناك مخطوطات بالفارسية أيضا”.

عقب التنظيف، ينتقل المرمّم الوحيد في المكتبة، إلى تفحّص مخطوط في قواعد اللغة العربية أخرجه من الخزانة كُتِب قبل 200 عام.

بدا سلامة الذي درس الترميم في إيطاليا مرتاحا لعدم وجود حاجة إلى غسل المخطوط وتنقيته من الأكسدة التي تعرض لها عبر السنوات.

يستخدم الخبير ورقا يابانيا خاصا بوزن 4 غرامات يلصقه على الفراغات لإخفاء تمزّق الأوراق، بواسطة مادة لاصقة أساسها الماء يمكن تفكيكها إذا وقع أي خطأ.

أما التجليد فهو آخر مرحلة، لكن لا يشمل جميع المخطوطات نظرا إلى تكلفته العالية في ظل شحّ الموازنات.

 2000 عنوان

وتعدّ مخطوطات المكتبة الخالدية من أكبر مجموعات المخطوطات الإسلامية المملوكة لعائلة واحدة في العالم، ووفق الفهرس تعود أقدمها وهي مخطوطة دينية، إلى القرن الـ10 الميلادي.

كانت المكتبة تضمّ لدى انطلاقها، بحسب رسالة تأسيسها التي كتبها ووقعها راغب الخالدي، 1300 مؤلَّف بينها ما يزيد على 700 مخطوطة، وعددا كبيرا من الكتب المطبوعة.

ويبلغ عدد المخطوطات الموجودة فيها اليوم، بحسب أمين المكتبة خضر سلامة، نحو 1200 أقدمها يعود إلى ألف عام تقريبا. ومعظم تلك المخطوطات باللغة العربية، وهناك أيضا “50 مخطوطة باللغة العثمانية و20 بالفارسية”.

أما المجموعة المطبوعة فتضمّ قرابة 5500 مجلد أغلبها من القرن الـ19، بالإضافة إلى مجموعة ضخمة من أرشيف عائلة الخالدي تعود إلى أوائل القرن الـ18.

رقمنة المخطوطات في مكتبة الخالدية بالقدس (تواصل اجتماعي)

وتضمّ المخطوطات التي تمّ ترميمها، فرمانات عثمانية ودفاتر حسابات خاصة بأوقاف العائلة في المدينة ورسائل متبادلة بين أفرادها وغيرها.

كما تحتوي المكتبة على كتب باللغتين الفرنسية والألمانية، من بينها 60 من مؤلفات الأديب الفرنسي فيكتور هوغو، وأعداد من صحيفة “L’Aurore” أو (الفجر) الفرنسية الأسبوعية (1897-1914).

ويرجع سبب وجود هذه الأجزاء في مكتبة فلسطينية إلى روحي الخالدي، الباحث والسياسي الذي “درس في جامعة السوربون وكان قنصلا للدولة العثمانية في بوردو الفرنسية”.

وتحتفظ المكتبة أيضا بمخطوطات لرسائل بالفرنسية كتبها الخالدي بخط يده.

ويتميّز أرشيف المكتبة عن غيره من المكتبات الخاصة في القدس، بحسب سلامة، بوجود “صحف مثل طنين العثمانية وطرابلس الشام التي كانت تصدر في نهاية القرن الـ19”.

مشروع الرقمنة

وتقول مسؤولة الأرشيف الرقمي في المكتبة الخالدية شيماء البديري للفرنسية في مكتبها حيث تتكدّس مئات الكتب قرب جهاز حاسوب وكاميرا تصوير، “نصوّر الوثائق بدقة عالية جدا ودون تعريض الأوراق للضوء، فوضع المخطوطات حسّاس جدا ونريد الحفاظ عليها أطول فترة ممكنة”.

وتقوم بتصوير أوراق وحفظها في الحاسوب، موضحة أنها تحتفظ بنسختين من كل صورة، ولكل صفحة رقم تسلسلي لتسهيل العودة إليها.

انتهت البديري من تصوير 2.5 مليون صفحة لمخطوطات وصحف وكتب نادرة وغيرها من الوثائق في المكتبات الأربع الخاصة في القدس.

ويمكن لأي باحث التواصل مع المكتبة الخالدية للحصول على المخطوطات والوثائق عبر مراسلتها من خلال البريد الإلكتروني.

وتقول البديري إن إقبال الباحثين على المخطوطات كبير جدا.

رقمنة الكتب في مكتبة الخالدية للحفاظ عليها (تواصل اجتماعي)

شح تمويل واستيطان

ونفّذ كلّ من سلامة والبديري عملهما في الترميم والرقمنة ضمن مشاريع للحفاظ على التراث الثقافي في القدس بدعم محلي وخارجي، وذلك في “أول خطوة لحفظ المخطوطات والنوادر الموجودة في القدس”، وفق سلامة.

ويأمل سلامة توفّر المزيد من التمويل لاستكمال أعمال الترميم والرقمنة بشكل أوسع، وتحديث مختبر ترميم المخطوطات المتواضع، وتوفير صناديق خالية من الأسيد لحفظ المخطوطات.

ويطلّ المبنى الرئيسي للمكتبة على محراب وأضرحة ثلاثة من الأمراء الخوارزميين المحاربين الذين شاركوا في تحرير القدس إبان احتلالها من الصليبيين خلال القرنين الـ12 والـ13.

تعرض جزء من مكتبة الخالدية في القدس لاستيطان الإسرائيليين (تواصل اجتماعي)

وقال أمين المكتبة مبيّنًا أهمية المخطوطات “قيمة المخطوطة أنها تسمح لنا بفهم الوضع الثقافي والاجتماعي لأهل القدس في ذلك الزمان”.

ولفت إلى أن “هذا ينفي الطرح الصهيوني بأن هذه البلاد كانت فارغة ووجود مخطوطات تعود لمئات السنين دلالة على الوجود الفلسطيني في هذه المدينة منذ قرون”.

ومنذ احتلال إسرائيل القدس عام 1967، تواجه عائلات ومؤسسات فلسطينية في القدس الشرقية عمليات طرد تعتبر غير قانونية بالنسبة للمجتمع الدولي.

ويشير سلامة إلى أن جزءا من المكتبة ذهب لصالح مدرسة دينية يهودية “بعد معركة قضائية طويلة”.

لكنه ينوّه إلى أن “وجود المكتبة حمى بقية المبنى من المستوطنين”، وكذلك “شهادات لمثقفين إسرائيليين” أمام القضاء لصالح المكتبة وأصالة وجودها وكونها مكتبة فلسطينية.

المصدر : الجزيرة مباشر + الفرنسية